خطب مختارة - [19] أمارات الساعة 3-4

منذ 2016-01-20

العلامة الكبرى من علامات الساعة التي نقف معها هذا اليوم هي خروج المسيحِ الدجال، وسبب تسميته بالمسيح لأن إحدى عينيه ممسوحة، وقيل لأنه يمسح الأرض وينتقل في أرجائها لفتنة الناس، وسمي بالدجال من الدجل والكذب. فتنة المسيح الدجال هي أكبر فتنة عرفتها البشرية.

 

 المسيح الدجال

الخطبة الأولى

عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: «ما تذاكرون، قالوا: نذكر الساعة، قال:إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات. فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم» [رواه مسلم:2901].

عباد الله، العلامة الكبرى من علامات الساعة التي نقف معها هذا اليوم هي خروج المسيحِ الدجال، وسبب تسميته بالمسيح لأن إحدى عينيه ممسوحة، وقيل لأنه يمسح الأرض وينتقل في أرجائها لفتنة الناس، وسمي بالدجال من الدجل والكذب. فتنة المسيح الدجال هي أكبر فتنة عرفتها البشرية، فالنبي صلى الله عليه وسلم ينفي أن يكون هنالك أكبر وأعظم من فتنته فيقول: «ما بَيْنَ خَلْقِ آدمَ إلى قيام الساعةِ خلقٌ أكبرُ من الدّجّال»، وفي رواية: «أمرٌ أكبر من الدّجال» [صحيح مسلم:2946].

وما من نبي إلا وحذر قومه من هذه الفتنة. وكان صلى الله عليه وسلم يكرر الاستعاذة من فتنته ويأمر بالاستعاذة منها، فهو من أكثر ما يخافه صلى الله عليه وسلم على الأمة فقال: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ»               [صحيح مسلم:2937]. فتنة المسيح الدجال تطير بالعقول إلا من عصمه الله تعالى، وثبته على الحق، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن معه جنةً ونارًا، فنارُه جنة، وجنتُه نار» [صحيح الجامع:7875].

ويقول صلى الله عليه وسلم: «فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ. ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحلِ،  ثُمَّ يَدْعُو رَجُلا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ» [رواه مسلم:2937].

يقول الإمام النووي - رحمه الله- في الدجال:"وَأَنَّهُ شَخْصٌ بِعَيْنِهِ ابْتَلَى اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ وَأَقْدَرَهُ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ مَقْدُورَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ إِحْيَاءِ الْمَيِّتِ الَّذِي يَقْتُلُهُ وَمِنْ ظُهُورِ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالْخِصْبِ مَعَهُ وَجَنَّتِهِ وَنَارِهِ وَنَهَرَيْهِ وَاتِّبَاعِ كُنُوزِ الأَرْضِ لَهُ، وَأَمْرِهِ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ وَالأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ، فَيَقَعُ كُلُّ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ" اهـ.

إخوة الإسلام، لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أوصاف المسيح الدجال بما يجعله معلومًا ظاهرًا لا يخفى على أهل الإيمان، في أحاديث كثيرةٍ في الصحيحين وغيرهما.

روى الإمام مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأنا أعلم بما مع الدجال منه؛ معه نهران يجريان أحدهما رأى العين ماءٌ أبيض؛ والآخرُ رأى العين نارٌ تأجج، فإما أدركن أحدٌ فليأت النهر الذي يراه نارا؛ وليغمض؛ ثم ليطأطئ رأسه  فيشرب منه، فإنه ماء بارد، وإن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه (كافر) يقرؤه كلُّ مؤمن كاتبٌ وغيرُ كاتب» [صحيح مسلم:2934]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إني أُنذركموه، وما من نبي إلا أنذر قومه؛ لقد أنذر نوح قومه، وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» [رواه البخاري:3337].

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال يخرج من جهة المشرق يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ، يأخذ البلاد بلدًا بلدًا، ولا يبقى بلد من البلدان إلا وطئه غير مكة والمدينة؛ لحراسة الملائكة لمداخلها، وأخبر أن المدينة ترتجف ثلاث رجفات فيخرج المنافقون منها للدجال.

إخوة الإيمان، لقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم ما يقينا فتنته، ومن ذلك: الاستعاذة والالتجاء إلى الله تعالى من فتنته، وحفظُ عشرِ آيات من أول سورة الكهف وعشر آيات من آخرها؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ» [رواه مسلم:809] وفي رواية أخرى عند مسلم أيضًا: «عشرَ آيات من آخر الكهف». قال أهل العلم: وذلك لما في قصة أهل الكهف وسورة الكهف من العجائب والتحذير من الفتن، فمن علمها لم يستغرب أمر الدجال فلا يفتن، أو لأن من تدبر هذه الآيات وتأمل معناها حذره فأمن منه، أو هذه خصوصية أودعت في سورة الكهف.

عباد الله، وتنتهي فتنة الدجال بقتله على يد نبي الله عيسى عليه السلام - الذي رفعه الله إليه في السماء حينما أراد اليهود قتله - فينـزله الله في وقت الدجال؛ ويسلطه عليه فيقتله كما جاء في الحديث الصحيح: «فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ الدَّجَّالُ -أي إلى عيسى-  ذَابَ، كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، وَيَنْطَلِقُ هَارِبًا، وَيَقُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: إِنَّ لِي فِيكَ ضَرْبَةً، لَنْ تَسْبِقَنِي بِهَا، فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ اللُّدِّ الشَّرْقِيِّ، فَيَقْتُلُهُ» صححه الألباني في صحيح الجامع .

اللهم إنا نعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، ومن الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله 

الخطبة الثانية

روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تشهد أحدكم ( يعني: التشهد الأخير في الصلاة ) فليستعذ بالله من أربع يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم؛ ومن عذاب القبر؛ ومن فتنة المحيا والممات؛ ومن شر فتنة المسيح الدجال» [588].

وروى الإمام مسلم في صحيحه، عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: «ذَكَر رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذاتَ غَداةٍ (في الصباح)؛ فخفض فيه ورفَع؛ حتى ظننَّاه في طائفةِ النخلِ (يعني : قريب)، فلما رُحْنا إليه (يعني: في المساء) عرف ذلك فينا، فقال: (ما شأنُكم ؟) قلنا: يا رسولَ اللهِ! ذكرتَ الدجالَ غَداةً؛ فخفضتَ فيه ورفعتَ؛ حتى ظنناه في طائفةِ النخلِ. فقال: (غيرُ الدجالِ أخوفُني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حَجيجُه دونَكم، وإن يخرج ولستُ فيكم فامرؤ حجيجٌ نفسَه، واللهُ خليفتي على كلِّ مسلمٍ، إنه شابٌّ قَططٌ (يعني: جعد الشهر)؛ عينُه طافئةٌ؛ كأني أشبِّهُه بعبدِالعُزَّى بنِ قَطَنٍ؛ فمن أدركه منكم فليقرأْ عليه فواتحَ سورةِ الكهفِ، إنه خارجٌ خَلةٌ بين الشامِ والعراقِ، فعاثَ يمينًا؛ وعاث شمالا،. يا عبادَ الله! فاثبُتوا) قلنا: يا رسولَ اللهِ ! وما لُبثُه في الأرضِ؟ قال:( أربعون يومًا؛  يومٌ كسنةٍ؛ ويومٌ كشهرٍ؛ ويومٌ كجمعةٍ؛ وسائرُ أيامِه كأيامِكم) قلنا: يا رسولَ اللهِ ! فذلك اليومُ الذي كسنةٍ، أتكفينا فيه صلاةُ يومٍ؟ قال: (لا، اقدُروا له قَدرَه)، قلنا: يا رسولَ اللهِ وما إسراعُه في الأرضِ؟ - فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم وبيّن عظيم فتنته للناس وبعض مواقفه إلى أن قال:  فبينما هو كذلك إذ بعث اللهُ المسيحَ ابنَ مريمَ؛ فينـزل عند المنارةِ البيضاءِ شَرقي دمشقَ؛ بين مَهرودَتَينِ (ثوبين)؛ واضعًا كفَّيه على أجنحةِ ملَكَينِ؛ إذا طأطأَ رأسَه قطر؛ وإذا رفعه تحدَّر منه جُمانٌ كاللؤلؤ ، فلا يحلُّ لكافرٍ يجدُ ريحَ َنفَسِه إلا مات؛ ونفَسُه ينتهي حيث ينتهي طَرْفُه، فيطلبه حتى يدركَه ببابِ لُدَّ؛ فيقتله ، ... إلخ» [رواه مسلم:2937].

إخوة الإيمان، يجب علينا أن نؤمن بما علمنا من أحاديث النبي الصحيحة، ويجب أن نأخذ بتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم ووصاياه. ومما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم للعصمة من فتنة المسيح الدجال الاستعاذة من فتنته؛ وخاصة بعد التشهد الأخير في الصلوات مع بقية الأربع التي يستعاذ منها. وكذلك حفظ عشرِ آيات من أول الكهف وعشرٍ من آخرها. والاعتصام بالله فهو الذي يعصم من الفتن، والتمسك بالكتاب والسنة قال صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي؛ ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض» [صحيح الترمذي:2458].

اللهم قنا شر فتنة المسيح الدجال وكل الفتن. اللهم قنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.

  • 23
  • 8
  • 17,407
المقال السابق
[18] أمارات الساعة 2-4
المقال التالي
[20] أمارات الساعة 4-4

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً