خطب مختارة - [20] أمارات الساعة 4-4

منذ 2016-01-20

قد أخبر الصادق المصدوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بما أوحى الله إليه: أن المسيح عيسى عليه السلام ينـزلُ آخرَ الزمان، وأن ذلك من علامات قرب الساعة، وأنه يقتل المسيح الدجال، قال صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» [صحيح البخاري:3448].

نزول عيسى، وخروج يأجوج ومأجوج

الخطبة الأولى

قال الله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران: 59]، فعيسى عبد الله ورسوله، وقد غالى فيه النصارى فعبدوه مع الله وقالوا إنه ابن الله {مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [مريم : 35 ]، وقالوا بعقيدة التثليث فقالوا إن الله ثالث ثلاثة يعنون الإله الأب والإله الإبن وروح القدس، قال الله فيهم: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة : 73 ]، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [المائدة : 116].

 وفي مقابل غلو النصارى قام اليهودُ بمعاداة عيسى وأرادوا قتله، وادعوا أنهم قتلوه وصلبوه، ومن ذلك جعل النصارى الصليب شعارًا لهم، قال تعالى عن اليهود: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا . وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 157-159].

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "الْمَقْصُودُ مِنْ سِيَاقِ الآيِة فِي تَقْرِيرِ بُطْلانِ مَا ادَّعَتْهُ الْيَهُودُ مِنْ قَتْلِ عِيسَى وَصَلْبِهِ، وَتَسْلِيمِ مَنْ سَلَّمَ لَهُمْ مِنَ النَّصَارَى الْجَهَلَةِ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا شُبِّهَ لَهُمْ فَقَتَلُوا الشَّبِيهَ وَهُمْ لا يَتَبَيَّنُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ رَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِنَّهُ بَاقٍ حَيٌّ، وَإِنَّهُ سَيَنْزِلُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.. فَأَخْبَرَتْ هَذِهِ الآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَنهُ  يُؤْمِنُ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَئِذٍ، وَلا يَتَخَلَّفُ عَنِ التَّصْدِيقِ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ" اهـ.

وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا] [الزخرف:61]، وهذه الآية تتحدث عن عيسى عليه السلام، فيكون خروجه من علامات الساعة وأماراتها، لأنه ينـزل قبيل قيامها.

وقال تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا} [آل عمران:46]، جاءت هذه الآية في معرض البشارة بعيسى عليه السلام، وذكرت من خصائصه كلامه في المهد الذي هو آية من الآيات، ومن الخوارق الدالة على نبوته، وأيضًا كلامه وهو كهل يجب أن يكون آية كما كان كلامه وهو رضيع آية، فينـزل آخر الزمان فيكلم الناس كهلًا، فتتحقق آية كلامه كهلًا؛ وتكون بذلك من الآيات والخوارق التي أخبر الله عنها.

وقد أخبر الصادق المصدوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بما أوحى الله إليه: أن المسيح عيسى عليه السلام ينـزلُ آخرَ الزمان، وأن ذلك من علامات قرب الساعة، وأنه يقتل المسيح الدجال، قال صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» [صحيح البخاري:3448]. ومعنى: (يضعَ الجزية)، أي: لا يقبلُها من أحد من أهل الأديان؛ بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف. 

وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان، وصحَّح السندَ الحافظُ ابن حجر من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلا الإِسْلامَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، ثُمَّ تَقَعُ الأَمَنَةُ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الأُسُودُ مَعَ الإِبِلِ، وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ» [السلسلة الصحيحة:2182].

وهكذا يهنأ الناس بالعيش بالدنيا، ففي الحديث الذي رواه الديلمي والضياء المقدسي وصححه الألباني كما في الصحيحة، من حديث أبى هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «طُوبَى لِعَيْشٍ بَعْدَ الْمَسِيحِ, طُوبَى لِعَيْشٍ بَعْدَ الْمَسِيحِ، يُؤْذَنُ لِلسَّمَاءِ فِي الْقَطْرِ، وَيُؤْذَنُ لِلأَرْضِ فِي النَّبَاتِ, فَلَوْ بَذَرْتَ حَبَّكَ عَلَى الصَّفَا لَنَبَتَ، فَلا تَشَاحٍ وَلا تَحَاسُدٌ وَلا تَبَاغُضٌ ..» [السلسلة الصحيحة:1926].

وهذا كله بسبب البركة التي تنـزل على الناس حين يَحكُمون بشريعة الله، ويلتزمون بمنهج الله، ولا يبقى في الأرض كفر، ولا معصية، ولا دين إلا دين الإسلام، فهناك تنـزل عليهم البركات والخيرات.

إخوة الإيمان: لقد جاءت أحاديث تُبين صفات عيسى ابن مريم، وجاءت الأحاديث الصحيحة بنـزوله وقتله للمسيح الدجال، جاء في صحيح مسلم أنه «يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، ..، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، ....» [2937]، وفي رواية: «إِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ، فَلَوْ تَرَكَهُ لانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ» [2897]، فيقتله -عليه السلام- بيده، لإنهاء الفتنة التي وقع فيها الناس، فإن الناس إذا شاهدوا قتله وموته استيقنوا كذبه في ادعائه الربوبية.

أما عن مكث عيسى عليه السلام في الأرض فبينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ، لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ، فَلا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلا قَبَضَتْهُ» [رواه مسلم:2940]. وقبل موت عيسى عليه السلام تقع علامة أخرى من علامات الساعة الكبرى وهي: ظهور يأجوج ومأجوج، وهي محور حديث الخطبة الثانية بمشيئة الله تعالى.

فهذه العلامات متتابعة متقاربة متداخلة كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم: «الآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ، فَإِنْ يُقْطَعِ السِّلْكُ يَتْبَعْ بَعْضُهَا بَعْضًا» [مسند أحمد:12/7].

نسأل الله أن يقينا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا من أهل الحق وأتباعه. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله 

الخطبة الثانية 

يخرج قوم يأجوج ومأجوج من وراء السدِّ الذي بناه عليهم الملكُ الصالح ذو القرنين، فيفسدون في الأرض، {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ . وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء:96-97] يعني: يوم القيامة.

روى الإمام مسلم في حديث طويل وفيه خروجُ المسيحِ الدجال ونزولُ المسيح عيسى عليه السلام وقيامُه بقتل الدجال، في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عند الإمام مسلم عن النبيصلى الله عليه وسلم: قال: « .... يدركَه ببابِ لُدَّ (أي: يدرك عيسى الدجالَ)؛ فيقتله، ثم يأتي عيسى ابنَ مريمَ قومٌ قد عصمهم اللهُ منه؛ فيمسح عن وجوهِهم ويحدثُهم بدرجاتِهم في الجنةِ، فبينما هو كذلك إذ أوحى اللهُ إلى عيسى: إني قد أخرجتُ عبادًا لي، لا يدَانِ لأحدٍ بقتالهم (يعني: لا قدرة)؛ فحرِّزْ عبادي إلى الطور (الجبل)، ويبعث اللهُ يأجوجَ ومأجوجَ؛ وهم من كلِّ حدَبٍ ينسِلونَ؛ فيمرُّ أوائلُهم على بحيرةِ طَبرِيَّةَ فيشربون ما فيها؛ ويمرُّ آخرُهم فيقولون: لقد كان بهذه مرةً ماءً، ويُحصر نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه؛ ... ؛فيرغب نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه، فيُرسِلُ اللهُ عليهم (يعني على قوم يأجوج ومأجوج) النَّغَفَ (دود يقتلهم) في رقابِهم؛ فيصبحون فرْسَى (أي:موتى) كموتِ نفسٍ واحدةٍ، ثم يَهبط نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه إلى الأرضِ (أي: ينـزلون من جبل الطور)، فلا يجِدون في الأرضِ موضعَ شبرٍ إلا ملأه زَهمُهم ونتْنُهم (أي: رائحة يأجوج ومأجوج الأموات)؛ فيرغب نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه إلى اللهِ؛ فيرسل اللهُ طيرًا كأعناقِ البُختِ؛ فتحمِلُهم فتطرحهم حيث شاء اللهُ، ثم يرسل اللهُ مطرًا لا يَكِنُّ منه بيتُ مَدَرٍ ولا وَبَرٌ؛ فيغسل الأرضَ حتى يتركَها كالزَّلَفَةِ (أو كالزَّلَقَة) (يعني: كالمرآة في صفائها)، ثم يقال للأرض: أَنبِتي ثمرَك؛ ورُدِّي بركتَك، فيومئذٍ تأكل العُصابةُ (أي: الجماعة) من الرُّمَّانةِ؛ ويستظِلُّون بقِحْفِها (يعني: قشرتها)؛ ويبارَك في الرِّسْلِ (أي: اللبن)؛ حتى أنَّ الِّلقحةَ (أو: اللَّقحة)، (يعني: حديثة الولادة؛ ذات اللبن) من الإبلِ لتكفي الفِئامَ من الناس؛ واللَّقحةُ من البقرِ لتكفي القبيلةَ من الناس؛ والّلقحةُ من الغنمِ لتكفي الفَخِذَ من الناس (أي: الجماعة من الأقارب)، فبينما هم كذلك إذ بعث اللهُ ريحًا طيِّبَةً؛ فتأخذُهم تحت آباطِهم؛ فتقبض رُوحَ كلِّ مؤمنٍ وكلِّ مسلمٍ، ويبقى شِرارُ الناسِ؛ يتهارَجون فيها تهارُجَ الحُمُرِ (يعني: يجاهرون بالزنا أما بعضهم)، فعليهم تقوم الساعةُ»  [رواه مسلم:2937].

ومما استنبطه أهل العلم من خلال الأحاديث الصحيح في أشراط الساعة: أن بعد موت عيسى عليه السلام تقبض أرواح المؤمنين، ويرفع القرآن من الصدور ومن المصاحف، وتهدم الكعبة، ولا يبقى على الأرض إلا شرار الخلق، فتطلع الشمس من مغربها، فيؤمنوا ولا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، ثم تقوم الساعة.

  • 22
  • 0
  • 8,874
المقال السابق
[19] أمارات الساعة 3-4
المقال التالي
[21] احذروا نواقض التوحيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً