بكم بعت صاحبك؟
ترى كم يساوي صاحبي أو صاحبك من الزلاَّت؟ بل كم يساوي إذا كان قريبًا أو صِهرًا أو أخًا؟ بِكَمْ زلَّة قد يبيع أحدُنا أمَّه أو أباه... بِكَمْ؟
- التصنيفات: تربية النفس -
حكاية مَثَل شعبي:
سمعتُ ذات مرة أحدَ كبار السن من حكماء الرجال يروي مثَلًا على شكل حوار بين شخصين، قال الأول: بِكَم بِعْتَ صاحبك؟ فرد عليه الآخر: بتسعين زلَّة (خطأ). فقال الأول: (أرخصتَه)؛ أي: بِعتَه بثمن زهيد.
تأملتُ هذا المثل كثيرًا، ووقفتُ عند معانيه فذُهلت مِن ذلك الصديق الذي غفَر لصديقه تسعًا وثمانين زلةً، ثم بعد زلَّتِه التسعين تخلى عن صداقته، وعجبتُ أكثر من الشخص الآخر الذي لامَه على بيعِ صاحبه بتسعين زلَّةً، وكأنه يقول: تحمَّل أكثر، التسعون زلة ليست ثمنًا مناسبًا لصاحبِك، لقد أرخصتَ قيمته وبِعْتَه فقط بتسعين زلَّةً.
ترى كم يساوي صاحبي أو صاحبك من الزلاَّت؟ بل كم يساوي إذا كان قريبًا أو صِهرًا أو أخًا؟ بِكَمْ زلَّة قد يبيع أحدُنا أمَّه أو أباه... بِكَمْ؟
إن مَن يتأمل واقعَنا اليوم، ويعرفُ القليلَ من أحوال الناس في المجتمع، والقطيعة التي دبَّت في أوساطِ الناس- سيجِدُ مَن باع صاحبَه أو قريبه، أو حتى أحدَ والديه أو كليهما، بزلَّة واحدة، أو بربعها أو أقل، بل هناك مَن باع ذلك كله بلا سببٍ ولا ذنب، سوى أنه أطاع نفسًا أمَّارةً بالسوء، وشيطانًا خبيثًا من شياطينِ الإنس والجن.
ترى هل سنراجِعُ مبيعاتِنا الماضيةَ مِن الأصدقاء والأقارب والأهل، وننظر بِكَمْ بِعْناها، وما هو ثمنها، ثم نعلم أننا بخَسْناهم أثمانَهم، وبِعْنا الثمين بلا ثمن؟!
ترى هل سنرفع سقفَ أسعارِ مَن لا زالوا قريبين منا، ونتحمَّل زلاَّتِهم وأخطاءهم مهما كبُرَت أو تكرَّرت؟!
ترى هل سنُعيدُ أو نحاول استعادةَ وُدِّ الذين خسرناهم سابقًا؟
ترى هل سنفعل ذلك أم سنستمر نعمل بعكس ما نعلم؟ إن القيمةَ الحقيقية لأي شخصٍ تربطك به علاقةٌ لن تظهرَ في الغالب إلا في حالة فقدانك له بشكل نهائيٍّ، بالموت، فلا تبِعْ أصدقاءك وأحبابك ومَن تربطُك به علاقةُ وُدٍّ بأيٍّ عددٍ من الزلات، وارفَعْ أثمانَهم عاليًا، مهما عظُم ما يصدُر منهم مِن زلاَّت؛ فالقرار لا يزال بيديك.
واعلَمْ أن الله أثنى على الكاظمينَ الغيظَ، والعافين عن الناس، ويُحبُّ المحسنين من خَلْقه.
دُمتَ بوُدٍّ!
محمد بن عبد الله الفريح