[22] المحبة - الأسباب الجالبة لمحبة الله
خالد أبو شادي
8 أسباب تجلب لك محبة الله بإذنه.
- التصنيفات: أعمال القلوب -
ما هي الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى؟
1- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به. قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] {كتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]، فهذا هو المقصود الأعظم والمطلوب الأهم من إنزال القرآن ، وأن يشغل قلبه بالتفكير في معنى ما يقرأ ويتجاوب مع كل آية بمشاعره وعواطفه دعاءً واستغفاراً ورجاءً .
قال حذيفة صليت مع الرسول صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى، فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبّح ، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ. وكان صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] قال سبحان ربي الأعلى. فلاشيء أنفع للقلب وأجلب لمحبة الله من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والشكر والصبر وسائر الأحوا ل وأعمال القلوب . ثم يزجر عن الصفات المذمومة والأفعال القبيحة التي تفسد القلب وتهلكهه . قال الحسن البصري: "أنزل القرآن ليعمل به فاتخذوا تلاوته عملاً" فالتفكر بالقرآن أصل صلاح القلب والعمل به متمم لذلك ولا بد لهذا من هذا.
2- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض؛ لأنها توصل إلى درجة المحبة كما جاء في الحديث القدسي: «من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه ، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه ، فإذا أحببتُه : كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به ، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به ، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها ، ورِجلَه الَّتي يمشي بها ، وإن سألني لأُعطينَّه ، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه ، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ترَدُّدي عن نفسِ المؤمنِ ، يكرهُ الموتَ وأنا أكرهُ مُساءتَه» (صحيح البخاري [6502]).
فتضمن هذا الحديث الالهي الشريف حصر أسباب محبة الله في أمرين : أداء فرائضه، والتقرب إليه بالنوافل. وأخبر سبحانه أن أداء الفرائض أحب ما يتقرب إليه المتقربون ثم بعدها النوافل، وأن المحب يستكثر من النوافل ، لا يزال يكثر منها حتى يصير محبوباً لله فإذا صار محبوباً شغلته المحبة عن أي أفكار وخواطر أخرى أجنبية غريبة عن العبادة فلا تخطر على باله وإذا جاءت تنصرف وتنطرد بسرعة ، لأنه صار عنده من مراقبة الله ما يمنع هذه الأفكار من الورود ويكون عنده من المهابة والعظمة لربه ما يمنع من الانشغال بأي شيء أجنبي عن العبادة، ويكون عنده من الإجلال لله والأنس به والشوق إليه ما يجعله دائماً ذاكراً تالياً عابداً عاملاً .
فإذا قيل أن هناك أناس وهذا أكثر حال المسلمين، يستكثرون من النوافل و هم مقصرون في الواجبات ويقترفون المعاصي فما الحل؟ ليس الحل في ترك النوافل فبتركها يزداد حاله سوءاً فالنوافل تجبر النقص، بل الحل في البقاء على النوافل لكن يصلح حال الواجبات و يصلح حال ترك المحرمات فيمتنع عن المحرمات ويزيد في النوافل. وفي الحديث كما قال ابن حجر عظم قدر الصلاة فإنه ينشأ عنها محبة الله للعبد الذي يتقرب بها وذلك لأنها محل المناجاة والقربى ، ولا واسط فيها بين العبد وربه، ولا شيء أقر لعين العبد منها ومن كانت قرة عينه في شيء فإنه يود أنه لا يفارقه ولا يخرج منه لأن فيه نعيمه وبه تطيب حياته وهذا للعابد.
إذاً المحافظة على الصلاة فرضاً ونفلاً من أعظم ما يجلب المحبة ومنها قيام الليل. ولا تكاد تجد فريضة إلا وله نوافل (الصلاة- الصيام – الزكاة- الحج- صلة الرحم والبر بالوالدين)حتى المرء إذا قصّر في الواجب وجد ما يعوّض به ، لكن لا يمكن للمرء أن يشتغل بالنوافل ويترك الواجبات وهذا من خلل التصور واضطراب الميزان وخلل المنهج.
3- أن يكثر ذكر الله باللسان والقلب والعمل فنصيبه من المحبة على حسب نصيبه من هذا الذكر ، ولهذا أمر تعالى بالإكثار من ذكره، وأنه سبب للفلاح {وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45]، وأثنى على أهل الذكر ومدحهم وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه فوق منزلة الجهاد، وجعل الله هذا الذكر حتى بعد العبادات العظيمة وخاتمة الأعمال الصالحة وبعد الصيام {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185]، والحج {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ} [البقرة:200]، والصلاة {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ} [النساء:103]، والجمعة إذا انقضت {فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة :10]، وهكذا..، فالذكر هذا مقارن للأعمال الصالحة {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:14]، و بناء على ذلك فإن ذكر الله تعالى من أعظم ما يوصل إلى محبته عز وجل.
4- أن تؤثر محابه على محابّك عند غلبات الهوى، وأن تتسنم إلى محابّه ولو صعُب المرتقى،وعلامة هذا الإيثار شيئان:
أ- فعل ما يحبه الله ولو كانت نفسك تكرهه.
ب- ترك ما يكرهه الله ولو كانت نفسك تحبه.
وبهذين الأمرين يصح مقام الإيثار، ومؤونة هذا الإيثار شديدة لقوة داعي الهوى والطبع والعادة ولكن المؤمن الذي يريد أن يصل إلى مرتبة المحبة وأن يجلب محبة الله له يتكلف المؤونة الشديدة ويراغم نفسه الضعيفة لكي يصل إلى هذا ويحقق هذاالإيثار، فيشمر وإن عظمت المحنة ويتحمل الخطر الجسيم إرضاء للملك ولأجل الحصول على الفوز الكبير، فإن ثمرة هذا في العاجل والآجل ليست تشبهه ثمرة من الثمرات ولا تتحقق المحبة إلا بهذا الإيثار.
قال ابن القيم رحمه الله : "ما ابتلى الله سبحانه عبده المؤمن بمحبة الشهوات والمعاصي وميل نفسه إليها إلا ليسوقه بها إلى محبة ماهو أفضل منه وأنفع وأخير وأدوم، وليجاهد نفسه على تركها لله فتورثه هذه المجاهدة محبة الله والوصول إلى المحبوب الأعلى، فكلما نازعته نفسه إلى تلك الشهوات واشتدت إرادته لها وشوقه إليها؛ صرف ذلك الشوق والإرادة بشوق أعظم ومحبة أكبروهي محبة الله عزوجل".
والقاعدة أن الإنسان لا يمكن أن يترك محبوبًا إلا لمحبوب أعلى منه؛ فكان لأجل ذلك من مشى إلى محبوبه على الجمر والشوك: أعظم من مشى إليه راكبًا على النجائب. فليس من آثر محبوبه مع منازعة نفسه كمن آثره مع عدم منازعتها، لماذا كان صالحو البشر أفضل من الملائكة؟ لأن الملائكة ليس لديهم شهوات و منازاعات، منقادون إلى الله بطبيعتهم، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ما من موضع أربعة أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد ولذلك أطّت السماء من ثقل الملائكة الذين يعبدون الله فيها، لكن الذي يسبح ويعبد دون أن يفتر مع منازعة نفسه والشهوات وهذه العوائق والعلائق ومع ذلك صامد صابر ؛ هذا أعلى.
ولماذا كانت المرأة من البشر في الجنة أفضل من الحور العين؟ بمجاهدتها نفسها ومراغمتها نفسها والتغلب على الشهوات وصبرها وصلاتها وصومها وعبادتها.فهو سبحانه يبتلي عبده بالشهوات إما حجاباً له عنه أو حجاباً له يوصله إلى رضاه.
5- مشاهدة بره تعالى وإحسانه وآلائه ونعمه الظاهرة والباطنة فإنها داعية إلى محبته، والقلوب قد جبلت على محبة من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ، ولا أحد أعظم إحساناً على أحد من الله عزوجل؛ فإن إحسانه على عبده في كل نفس ولحظة والعبد يتقلب في نعم الرب دائماً في كل الأحوال، ويكفي أن بعض أنواع نعمة النفس لا تخطر على بال العبد وله عليه في كل يوم وليلة أربعة وعشرون ألف نعمة، كيف عرفوا ذلك؟، لأنهم حسبوا كم نفس يتنفس المرء في الأربع والعشرين ساعة، فحسبوها وقدروها، فإذا كان أدنى نعمه في جانب التنفس فقط أربع وعشرون ألف نعمة في اليوم فما الظن بالنعم الأخرى إذا أردت أن تعد؟ {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل:18]، فكيف بالمضرّات التي يصرفها ويدفعها عنك إضافة لهذه النعم والإحسان؟ وكّل سبحانه حفَظَة {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ} [الرعد:11] . نعم مجلوبة ونقم مدفوعة لا نحس بها والله يكلأنا بالليل والنهار {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَـٰنِ} [الأنياء:42] ، فهو سبحانه المنعم بالكلاءة والحفظ والحراسة من كل المؤذين{ والله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين}. و بعض النعم تحصل رغم معاصي وإساءات وتقصير حصل..!، لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله؛ يدّعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم..!
6- مطالعة القلب لأسماء الله وصفاته مشاهدتها ومعرفتها وتقلب القلب في رياض هذه المعرفة، فمن عرف الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبّه لا محالة، وهذا الباب الذي يدخل منه خواصّ أولياء الله العارفين به وهو باب المحبين حقاً الذي لا يدخل منه غيرهم، ولا يشبع من معرفته أحدٌ منهم، كلما بدا لهم منه علم؛ ازدادوا شوقًا ومحبة إلى الله فإذا انضمّ داعي الإحسان والإنعام إلى داعي الكمال والجمال لم يتخلف عن محبة من هذا شأنه إلا أردأ القلوب وأخبثها وأبعدها عن كل خير، فإن الله فطر القلوب على محبة المحسن الكامل في أوصافه وأخلاقه، وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها قلوب عباده.
فمن المعلوم أنه لا أحد أعظم إحسانًا من الله ولا شيء أكمل من الله ولا شيء أجمل من الله فكل جمال وكمال في المخلوق أصلاً من آثار صنعه سبحانه وتعالى، لا يُوصف جلاله وجماله، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه بجميل صفاته وعظيم إحسانه وبديع أفعاله بل هو كما أثنى على نفسه، فإذا كان بعض الناس يحبون الجميل؛ فالله عزوجل أجمل من كل شيء،وله صفة الجمال، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل» (مجمع الزوائد [5/136]) ، ولذلك إذا رآه أهل الجنة نسوا كل شيء، ومن تأمل هذا عرف كيف يتغلب على الأشياء الجميلة في الدنيا من المعاصي، وكل اسم من أسمائه وصفة من صفاته تستدعي محبة خاصة..محبة أكثر.. تنطلق من هذا الاسم وهذه الصفة وهذا الفعل ، فهو المحبوب المحمود على كل ما فعل و كل ما أمر إذ ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفَه، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة ولا المصلحة ولا العدل ولا الفضل والرحمة وكل واحد من هذه يستوجب حمداً وثناءً على الله سبحانه وتعالى.
ما للعباد عليه حق واجـــــــــــبٌ *** كـلا ولا سعي ٌلديهِ ضــائعُ
إن عُذِّبوا فبعدله أو نُعِّموا فبفضله *** وهو الكريم الواســــــــــعُ
ولا يتصور بشر هذا المقام حق تصوره فضلاً عن أن يوفيه حقه، وأعرف خلقه به وأحبهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم قال: «لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (الدعوات الكبير [2/145]) فلا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه البتة وله الأسماء والأوصاف منها مالا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولله تسع وتسعين اسم وله أسماء أخرى، ولكن هذه الأسماء التسع والتسعين من أحصاها وحفظها وعمل بها وعرف معناها دخل الجنة.وهناك أسماء غير معلومة لذلك يوم القيامة الله يعلم نبيه أشياء عندما يسجد تحت العرش لم تخطر ببال أحد ويثني عليه بمحامد ما علمها لأحد قبله ، فإذاً لله الأسماء والصفات التي يحب لأجلها ومن تأمل في أسمائه وصفاته ازداد محبة له ، ولو شهد العبد بقلبه صفة واحدة لله من أوصاف كماله استدعت المحبة التامة فكيف إذا شهد بقية الصفات والأسماء والأفعال، وما نعلمه نحن عن الله وأسمائه وصفاته ليس إلا كنقرة عصفور في بحر!.
ولا نعرف الله تعالى معرفة مشاهدة بالعين بل ما عرفناه إلا من خلال الأسماء والصفات، وما وصل إلى العباد من العلم بالله عن طريق الوحي وما رأوه في الواقع هو آثار أسماء الله وصفاته، فاستدلوا بما علموه على ما غاب عنهم فكيف لو شاهدوا ذات الرب ووجه الرب..؟! ، فلو شاهدوه ورأوا جلاله وجماله وكماله سبحانه ؛ لكان لهم في حبه شأن آخر. ولذلك إذا رأوه في الجنة أشغلهم عن كل نعيم آخر..!
وإنما تتفاوت منازلهم ومراتبهم في محبته على حسب تفاوت مراتبهم في معرفته والعلم به، ولذلك العلماء هم أكثر الناس محبة لله لأنهم يعرفون من الأسماء والصفات و معاني الأسماء والصفات وآثارها مالا يعرفه عامة الناس، و كذلك الإيمان بأن له وجهاً يليق بجلاله وعظمته وأن له سمعًا وبصرًا.
ومن تأمل في هذه الأشياء ازداد تعظيمًا لربه ومحبة له وتعلقًا به. وأعرف الخلق بالله أشدهم حبًا له، ولذلك كانت رسله أعظم الناس حبّاً له، والخليلان من بينهم أعظم الناس محبة و أعظم الأنبياء محبة لله وأعرفهم به تعالى؛ إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم فوقه. وإنما تظهر هذه المحبة من مطالعة الصفات بإثباتها أولاً ومعرفتها ثانيًا ونفي التحريف والتعطيل والتمثيل والتشبيه والتكييف عنها. ولذلك لا يصح مطالعة أسماء الله وصفاته إلا بقواعد صحيحة مبنية على عدم التعطيل والتمثيل والتشبيه والتكييف والنفي.
وكلما أكثر القلب من مطالعة أسمائه وصفاته وأفعاله: ازدادت محبته للمتصف بها وللمتسمي بها وللفاعل وكل لذة ونعيم وسرور وبهجة بالإضافة إلى ذلك كقطرة في بحر!. فكم يُحرَم من هذا النعيم نفاة الصفات الذين ينفون أن لله وجهاً وسمعاً وبصراً وينفون أن له محبة وبغض.
7- انكسار العبد بين يدي الرب والافتقار إليه ، والخضوع والتذلل والإخبات والاستسلام والانطراح بين يديه، فما أقرب الجبر من هذا القلب المكسور، وما أدنى النصر والرحمة والرزق من هذا العبد الذي أذل نفسه لربه وأحب القلوب إلى الله قلب تمكن منه الانكسار وملكته الذلة والله سبحانه يحب من عبده أن يكمل مقام الذل بين يديه لأن هذه حقيقة العبودية، الذل بين يدي الله.
ويقال طريق معبّد مذلل من كثرة وطأ الأقدام عليه فصار طريقاً معبداً، ولذلك كلما ذل العبد بين يدي ربه كلما ازداد محبة، والذل أنواع، وأكملها: ذل المحب لحبيبه، وهناك ذل المالك لمملوكه، وهناك ذل الجاني عند المحسن إليه، وهناك ذل العاجز عند القادر على إطعامه وإيوائه، فأعلاها إذاً ذل الحبيب لحبيبه، فإذا كان الذل لله عز وجل قائمًا كثيرًا؛ كانت المحبة كبيرة، والعبد ولا شك يذل بين يدي الله كل هذه الأنواع. والذي امتلأ قلبه من محبة الله سبحانه وتعالى فقلبه منكسر عند ربه ليس معجب بعمله ولا مغترّ بما قدّم مهما كان كثيرًا، فإنه لا يراه شيئًا ويرى نفسه مقصرًا ويرى سائر ما عمِل لا يكافئ نعمة واحدة.
8-الخلوة بالله تعالى في وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بتأدب معه بأدب العبودبة استغفارًا وتوبة {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:16] {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9].