[03] تعابير نبوية في أحوال بشرية
أم هانئ
كان وجهه الكريم مرآة، يعكس مكنون قلبه لكل من يراه، بسيطاً طيب القلب ما طال بين الخلق محياه، خلّد الله سنته هذه، فهل من متبع لرائق أخلاقه وجميل ذكراه؟
- التصنيفات: السيرة النبوية - تربية النفس - محبة النبي صلى الله عليه وسلم -
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
كان عليه الصلاة والسلام يعتريه ما يعتري الأنام من تغير الأحوال ككل البشر، يضحك ويحزن ويغضب ويبكي ويفرح كما صح بكل ذلكم الخبر.
فكان وجهه الكريم مرآة، يعكس مكنون قلبه لكل من يراه، بسيطاً طيب القلب ما طال بين الخلق محياه، خلّد الله سنته هذه، فهل من متبع لرائق أخلاقه وجميل ذكراه؟
كيف يعبر عن غضبه وسروره عليه الصلاة والسلام؟
- عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: "أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" قال: "نعم كثيرًا كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس قام وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم" (صحيح مسلم [1074]).
- عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: «{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، والآية التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ} [الحشر من الآية:18] تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره» حتى قال: «ولو بشق تمرة» قال فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، قال ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» (صحيح مسلم [1691]).
- عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: "ما علمت حتى دخلت علي زينب بغير إذن وهي غضبى ثم قالت: "يا رسول الله أحسبك إذا قلبت بنية أبي بكر ذريعتيها" ثم أقبلت علي فأعرضت عنها حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «دونك فانتصري» فأقبلت عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فيها ما ترد علي شيئاً فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه (صحيح: ابن ماجه- كتاب : النكاح / باب حسن معاشرة النساء / رقم في: ابن ماجه :1971).
-عن علي بن أبي طالب قال: "أهدى إلي النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء، فلبستها، فرأيت الغضب في وجهه، فشققتها بين نسائي (صحيح البخاري [2614])، الحلة السِيرَاء: برود من الحرير الخالص كما جاء في النهاية.
- عن أبي سعيد الخدري قال: "كنا جلوسًا عند باب رسول الله نتذاكر، ينزع هذا بآية، وينزع هذا بآية، فخرج علينا رسول الله كأنما يفقأ في وجهه حب الرمان فقال: «يا هؤلاء بهذا بعثتم، أم بهذا أمرتم؟ لاترجعوا بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض» (علق عليه الألباني في صحيح الترغيب قائلاً: صحيح [140]).
كيف يعبر عن خوفه وحزنه عليه الصلاة والسلام؟
- عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح والغيم عرف ذلك في وجهه وأقبل وأدبر فإذا مطرت سر به وذهب عنه ذلك، قالت عائشة فسألته فقال: «إني خشيت أن يكون عذاباً سلط على أمتي» ويقول إذا رأى المطر رحمة (صحيح مسلم [1495]).
- عن أبي هريرة قال: "زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: «استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت» (صحيح مسلم [1622]).
كيف يعبر عن حيائه وما في قلبه عليه الصلاة والسلام؟
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها" وحدثني محمد بن بشار: حدثنا يحيى وابن مهدي قالا: "حدثنا شعبة مثله وإذا كره شيئاً عرف في وجهه" (صحيح البخاري[3298]).
قال ابن حجر تعليقًا على قوله: "وإذا كره شيئاً عرف في وجهه" وقوله: "عرفناه في وجهه، إشارة إلى تصحيح ما تقدم من أنه لم يكن يواجه أحدًا بما يكرهه بل يتغير وجهه فيفهم أصحابه كراهيته لذلك" انتهى (فتح الباري بشرح صحيح البخاري / كتاب : المناقب / باب : صفة النبي صلى الله عليه وسلم).
هذا غيض من فيض عن بساطة حاله وجميل طباعه ورقيق تعبيره وقاله، ألم أقل أنه كان صافياً كمرآة يصدّق ظاهره ما في قلبه أخفاه، بأعلى خُلق وألطف طباع حباه بها سيده ومولاه.
ولكن مهلاَ: أكان هذا السمت ملازماً لرسولنا الكريم أبداً؟ أم تراه خالف ذلك الأصل أحيانًا لسبب موجب لرسولنا بدا؟
يتبع.