ظلم هؤلاء النساء أليس سبباً لمقت الله؟
ملفات متنوعة
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ
وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
بسم الله الرحمن الرحيم
ظلم هؤلاء النساء أليس سبباً لمقت الله؟ أين الناصحون؟ أين المصلحون؟
نتكلم ونكتب كثيراً عن أسباب الوهن والضعف وعوامل الهزيمة والتدهور، نتكلم ونكتب كثيراً عن تلخف الأمة عن مقدمة الركب وقيادة البشرية، ولكننا ننسى أن نكتب عن الظلم:
ظلم الرؤساء وظلم الأغنياء والسادة، و ظلم الأقوياء أو الأغنياء بقوتهم أو قوة غيرهم، بقوة عضلاتهم أو بقوة عضلات غيرهم وحديدهم ونارهم وسياطهم، وأخيرًا ظلم العامة لمن جعلهم الله في خدمتهم من العمال والخدم في البيوت، وهذه الأخيرة هي التي غفلنا عنها كثيرًا وهي والله من الظلم البين، بل من أعظم الظلم، وكيف لا؟ ألم يكرم الله بني آدم؟ ألم يأمر بالعدل والقسط معهم؟ ألم يخبر صلى الله عليه وسلم أن «الظلم ظلمات يوم القيامة» ، ألم يقل عليه الصلاة والسلام «اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» سبحان الله! لم غفلنا عن هذا؟ عشرات الآلاف الخادمات في بيوتنا يجأرن إلى الله بالشكوى من الظالمين والظالمات في بيوتنا! إحدى القريبات لديها شغالة تتحدث عن مأساة هذه الشغالة التي لم يعطها كفيلها السابق راتبها منذ ما يزيد عن السنة والنصف: 18 يأكلها هذا الظالم في بطنه ناراً تلظى! لماذا؟ أين الإيمان بالله تعالى الذي حرم الظلم وأكل أموال الناس بالباطل، قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].
وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
إن ظلم هؤلاء الناس وخاصة الخادمات في المنازل اللائي لا حول لهن ولا قوة إلا بالله، اللائي تركن أهلهن وأطفالهن وأزواجهن وأوطانهن وتغربن وتحملن مشاق الغربة والوحشة في بلاد غريبة الوجه واليد واللسان، هؤلاء النساء المظلومات في كثير من بيوتنا في هذه البلاد ألا نتوقع أنهن يرفعن أكف الدعاء على الظالمين؟ ألا ندرك أن هؤلاء بشر يؤمن أن لهن رباً ينصف المظلوم ويرد له حقه ولو بعد حين، ألم نقرأ ما جاء في الحديث القدسي قول الله تعالى: «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين» لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أين الإيمان؟ الإيمان ليس أقوالاً بغير أفعال ولا أفعالًا دون أخلاق وقيم وعدل ورحمة، الإيمان أن تقيم حدود الله مع الله تعالى ثم مع خلقه؟ لقد أمر الله تعالى بالعدل حتى مع الكفار فكيف مع الأخوات في المنازل اللائي هن امانة عندنا:
هناك الكثير والكثير ممن لايعطونهن رواتبهن ويستغلون ضعفهن لذلك.
وهناك من النساء من تمد يدها بالضرب مستغلات ضعفهن، لكن الله أقوى من كل الظالمين وهو قاصم المتجبرين الطغاة الظالمين.
وهناك من يمد لسانه وهناك من تمد لسانها عليهن سباً وتقبيحاً واستهزاءً، والله تعالى لاتخفى عنه خافية، وويل للظالم المتجبر ذكراً كان أم أنثى.
وهناك من يجعل أسوأ محل في البيت حيث لايقي من برد ولا من حر، وحيث تعيش الهوام والحشرات وقد يكون بها حشرات سامة، هذا المكان السيء يكون مكان نوم ومعيشة للخادمة، حيث تأنف القطط والفئران أن تنام أو تقيم فيه، رغم اتساع الدور وانتفاش القصور، فهل اتقينا بهذا الله سبحانه؟ وهل في هذا دلالة على صدق إيمان ورجاء فيما عند الله تعالى؟
أيها المسلمون:
وليس الظلم ممن وقع الظلم منه فحسب، بل كلنا ظالمون لأننا لا نتناهى عن الظلم ولم نأخذ على يدي الظالم ونرده إلى العدل والإحسان، ولأننا نؤاكل ونشارب ونضاحك الظالمين ونحبهم ولا نصارحهم بأن ما يقع منهم من ظلم، وأن الظلم من أعظم الذنوب وأن نتائجه لا تكون على الظالم ولكن على كل من لم ينه عنه ويحذر من مغبته في الدنيا والآخرة.
لقد دخلت امرأة النار في هرة، فما مآل مجتمع ظلم الخادمات المسلمات وغير المسلمات فيه صار عادة لا نكير لها؟ وكيف سيكون حال مجتمع استمرأ هذا الظلم حتى سكتت الألسنة عن إنكاره والقلوب عن الاشمئزاز منه ومن أهله؟
قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} [المائدة: 78: 79].
إن الإسلام دين الرحمة والعدل فمتى نشيع ونتمثل هذه الأخلاق، بل هذه العبادات في حياتنا؟ متى نكون مسلمين بحق صادقين في إسلامنا صادقين مع كتاب ربنا سبحانه ومع سيرة وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وصحابته الميامين رضي الله عنهم الذين عرفوا حقيقة الإسلام فطبقوه وأقاموا العدل والرحمة فدانت لهم الدنيا بأسرها.
ألا نتدبر تاريخنا العظيم فنستخرج منه ما إن أخذنا به كنا خير أمة أخرجت للناس حقًا وصدقًا، هذا أمين الأمة أبو عبيدة عارم بن الجراح رضي الله عنه لما فتح دمشق وما حولها، جمعت الروم له الجموع وجيشت الجيوش لمنازلة جيشه وإخراج المسلمين من سورية، فماذا فعل لما علم بذلك؟ استدعى أهل الذمة فرد عليهم ما أخذه منهم من الجزية وقال لهم: أخذنا منكم الجزية وإننا نخشى ألا نستطيع أن نحميكم من جيوش الروم فخذوا ما أخذ منكم! سبحان الله، هذه هي أخلاق الإسلام وهذا نهجه، وهذا هو الالتزام الصادق بدين الله تعالى، وليس الأمر أمر أقوال لا تصدقها أفعال، إن هذا التصرف الذي قام به أبو عبيدة رضي الله عنه هو تصرف طبيعي وتطبيق صادق لهذا الدين، ونحن اليوم نستغربه وتتحدر دموعنا عند سماعه تأثرًا وشوقًا إلى لقائه، ولكنه كان الخلق الطبيعي والجبلي واليومي في معاملات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم والأجيال الناصعة الصادقة التي تحقق لها النصر يوم انتصرت على لعاعات الدنيا وقذاراتها، وجعلت العدل ديدنها في هذه الحياة، رضي الله عنهم ورضوا عنه.
أيها الأحبة:
ألم يدر في خلدنا أن هذا الظلم الذي يخيم على حياتنا على كل صعيد ومنه هذا النوع من الظلم: ظلم الخادمات سبب في سخط الله تعالى علينا وبالتالي سبب في هزائمنا و ضعفنا وتأخرنا وذلنا واستعلاء أمم الكفر علينا.
نعم والله.. إنه سبب قوي جدًا وواضح بلا ريب في ذلك، قال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [الروم:57] .
اللهم ارفع الظلم عنا ولا تجعلنا من الظالمين ولا من الساكتين عن الظلم وأهله.
علي التمني
جازان - الدرب 2/10/1425 هـ
المصدر: علي التمني