لماذا لا نمسك السويسريين من "'اليد التي تؤلمهم"؟
ملفات متنوعة
علينا أن نقف بجانب إخواننا المسلمين في سويسرا، فندعو إلى مقاطعة
شراء الساعات السويسرية التي تشكل دعامة الاقتصاد السويسري..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
04-12-2009 م
كانت مفاجأة من العيار الثقيل أن يصوت 57% من الشعب السويسري على حظر
بناء مآذن في المساجد التي تبنى مستقبلا. وقد أشارت الاستطلاعات قبل
الاستفتاء إلى أن 34% فقط سوف يؤيدون حظر المآذن. وإذا سكت المسلمون
في الأقطار الإسلامية والعربية عن هذا التصرف الذي لا يبرره منطق ولا
مصلحة لسويسرا إلا خوف السويسريين من تحول قسم منهم إلى الإسلام، فلا
يبعد أن تقتدي دول أوروبية وأمريكية، فتدعو حكوماتها لاستفتاءات تمنع
بناء المآذن أيضا، وربما طالبت بمنع المساجد أيضا.
إذا كانت سويسرا التي يضرب بها المثل في الحرية في كل شيء، سلكت
هذا السلوك الذي لا يمكن أن يوصف بأقل من أنه تراجع مؤسف عن الالتزام
بالحرية الدينية وحقوق الإنسان، ولا يليق بمكانة سويسرا وتاريخها،
ويدعو إلى مصادرة حق الآخرين في بناء أماكن عبادتهم حسبما درجوا عليها
على مدى مئات السنين. وهو مسلك يفصح عن عنصرية يختزنها بعض الأوروبيين
تجاه المسلمين. ولو أن دولة عربية مثل سورية، قامت بمنع بناء "كنيس"
يهودي (وقد أصبح اليهود في سورية أقلية لا تكاد تذكر بعدما هاجر
معظمهم إلى فلسطين المحتلة) في حلب أو دمشق لقامت قيامة واشنطن
والعالم المسيحي ولم تقعد.
من جهة أخرى، فلا يبعد أن تقتفي الأثر ألمانيا التي اعتدى فيها المجرم "أليكس دبليو" على حياة "مروة الشربيني"، فقتلها داخل قاعة محكمة "لاندس كريتش" في "دريسدن"، وكانت تنظر في دعوى أقامتها المغدورة "مروة" ضد المجرم لأنه اعتدى عليها بالضرب بسبب حجابها. هذه الجريمة البشعة اعتبرها العالم جريمة عنصرية فظيعة، كما اعتبرها عدد من القانونيين إهانة للقضاء الألماني وسمعته في العالم.
ومع ذلك، فإن موقع وزارة العدل الألمانية تجاهل الجريمة، وهو الذي تعلوه صورة الوزيرة الاتحادية "بريجيت زيبريس" ويتحدث عن العدالة المنشودة والحقوق والديمقراطية، وهذا التجاهل ينم عن تأييد عنصري للجريمة. ففي ألمانيا تتزايد العنصرية ضد الجاليات المسلمة، ولا يتحرك الحكومة، كأن الأمر لا يعنيها.
أما في فرنسا، فحدث ولا حرج عن عنصريتها ضد كل ما يمت إلى الإسلام
بصلة. ففي كل يوم يصدر قانون يحد من حجاب المرأة المسلمة. وفرنسا لا
تقبل "تجنيس" المرأة المسلمة ما لم تتقدم بصورة لها مكشوفة الشعر
بالكامل. ولقد كانت الدعاية التي حملت "ساركوزي" إلى الإليزيه هو
عداوته للمهاجرين، ومعظمهم من دول شمال أفريقية المسلمة.
من جهة أخرى، فليس صحيحا أن الخوف من الإرهاب كان وراء رفض السويسريين لبناء مآذن جديدة. فقد تعايشت المساجد بمآذنها وقبابها مع الكنائس وأجراسها أثناء حكم الخلافة العثمانية لقسم من أوروبا. ولم تشهد أوروبا تعايشا دينيا أفضل منه، ولا حتى بين كنائس الكاثوليك وكنائس البروتستانت والأرثوذكس، حيث كانت العلاقة بين تلك الفرق المسيحية أسوأ مما كانت بينها وبين مسلمي الخلافة العثمانية.
ولو أن هؤلاء المتطرفين السويسريين طالبوا بجعل "ميكرفونات" المآذن داخلية بحيث لا تشوش على جيران المسجد، فلربما كان الأمر مقبولا بعض الشيء. مع أن أجراس الكنائس تشوش أكثر مما تفعل المآذن. من ناحية الشكل، فإن كثيرا من الكنائس تبني فيها أبراج تشبه المآذن.
إن لجوء السويسريين لهذا الاستفتاء الخطأ، يتناقض مع العيش المشترك
بين الأقليات وبين الأكثرية التي تحكم في كل بلاد العالم. على أنه ليس
مقبولا اللجوء إلى الاستفتاء في كل قضية تخطر بالبال. كما لو أرادت
أكثرية حاكمة الاستفتاء على طرد الأقلية خارج الدولة، كما تحاول
إسرائيل الآن لطرد عرب 1948 من ديارهم، وجعل إسرائيل دولة يهودية.
في القرون الوسطى وحتى بداية القرن العشرين، كنا نجد اليهود مطاردين
في دول أوروبا. وكان هؤلاء لا يجدون ملاذا آمنا لهم إلا في الدول
الإسلامية. هذا ما يفسر لجوء عدد كبير من اليهود إلى المغرب العربي
هربا من محاكم التفتيش في اسبانيا، حيث طاردتهم وطاردت المسلمين في
أواخر القرن الخامس عشر الميلادي بعد سقوط غرناطة آخر الممالك العربية
في الأندلس.
وقد وجد اليهود كل تسامح ورعاية من حكام المغرب وشعبه، وحتى
تاريخه. بل إن "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه عندما فتح بيت المقدس،
رفض دعوة قيّم الكنيسة للصلاة فيها، وقال: حتى لا يقول المسلمون هنا
صلى "عمر" فيتخذونها مسجدا.
نحن كشعوب إسلامية لا نطمح أن تقاطع حكوماتنا حكومة سويسرا اقتصاديا. فلم نسمع من الزعماء العرب والمسلمين إلا صوتَ "رجب طيب أردوغان"، رئيس حكومة تركيا، الذي ندّد بقوة بالاستفتاء وشجبه كأسلوب للتعايش بين أكثرية تحكم وأقلية تخضع. نحن ندعو الإخوة المسلمين في سويسرا لرفض الرضوخ إلى نتيجة الاستفتاء الجائرة، ونهيب بهم ألا يتركوا وسيلة سلمية لإلغاء نتيجة الاستفتاء. وأن يرفعوا قضيتهم أمام محاكم الاتحاد الأوروبي.
أما نحن كشعوب إسلامية، فعلينا أن نقف بجانب إخواننا المسلمين في
سويسرا، فندعو إلى مقاطعة شراء الساعات السويسرية التي تشكل دعامة
الاقتصاد السويسري، وبذلك نمسك هؤلاء السويسريين من "اليد التي
تؤلمهم"، بعد أن صوتوا مطالبين بحظر بناء المآذن، ولا "يفل الحديد إلا
الحديد"!.