حوار مكتبة المهتدين مع الداعية محمد جلال القصاص

منذ 2009-12-12

عقيدة النصارى ليست بشيء، ولم تنتشر النصرانية يوماً بالدعوة، بل بقوة السلطان، ولم تمسك رعاياها إلا بالحجب ثم الكذب والتدليس...


- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته!

- لنبدأ بالبطاقة الشخصيّة.. وسؤالنا هو: من هو محمد جلال القصاص؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه، وبعد:

طالب علم شرعي، من إفرازات مسجد التوحيد بالقاهرة (غمرة).

في منتصف العقد الرابع.

أب لثلاثة، (جلال) و (سارة) و (مريم).


كيف بدأ اهتمامك بالتنصير؟

من أربعة أعوام تحديداً كنت أتصفح بعض المنتديات، وقرأت قصة أخت أسلمت، وكان السبب في إسلامها البالتوك، أخذني الفضول ودخلت البالتوك. الغرفة الأولى (التي تتصدر القائمة) نصرانية، دخلتها وأنا لا أعرف شيئاً عن هويتها كونها الأولى في القائمة، وجدتهم يتكلمون عن الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ بكلام كله كذب، وكله مستفز. ويشي بأنها نفوس حاقدة وليست داعية. حاولت الرد، ولم أستطع، كوني ضيف وكونهم لا يعطون فرصة لمن يريد الرد عليهم. تأثرت جداً بما سمعت، ووجدت لذلك ألماً شديداً في قلبي.. كأنما طعنتُ في قلبي طعنات ، وعزمت على أن لا أترك النصارى حتى يرجعوا عن الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وحتى يعلم التابع أن الرائد كذوب، وأن قومهم كذبوا وما صدقوا.


- هل كان لك نشاط دعوي في تلك الفترة؟

كنت وقتها أكتب في صحيفة (المحايد) السعودية، كان لي عمود في صفحة الرأي، وكنت أكتب في موقع المسلم (موقع الشيخ ناصر العمر) وعدد من المواقع الأخرى، وكنتُ مشغولاً ببحث عن (الاستحلال) ـ إحدى قضايا الإيمان ـ بإشراف الشيخ الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل ـ حفظه الله. كان جهدي في الجملة في الداخل الإسلامي أنصحه وأدفع عنه المتطاولين على حماه من العقلانيين والليبراليين وما شابه. تركت هذا كله وتفرغت للنصارى. نفضتُ يدي من كل شيء إلا التصدي للنصارى. وإلى يومي هذا صامد في وجههم وأرجو الله لنا ولكم الثبات، وأن يمكن لدينه وعباده الصالحين، وأن يختم لنا ولكم بخير، بفضله وكرمه ومنته.


- لو أعطيتنا بعض التفاصيل؟

بقيت في البالتوك، تدور عيني، ويخفق قلبي، ويلهج لساني، أرجو من ربي سبيلاً أدفع به هذا البلاء.
شاركت كأدمن في بعض الغرف الإسلامية، وبعد قليل تركت العمل في غرف البالتوك، وتحولت لضيف على الغرفات، أرقب الوضع، و ألقي درساً، وربما شاركت بمداخلة، وليست لي خصومة مع أحد.

أمعنتُ النظر فيما يحدث.. بين المسلمين في البالتوك، وما يحدث في غرف النصارى، أحاول إيجاد تشخيص للحالة قبل البدء في معالجتها، وكنت أعتمد ـ في التشخيص ـ على غرف البالتوك وعلى المواقع التابعة للغرف، سواء أكانت الغرف الإسلامية أم النصرانية.


- وماذا كانت نتيجة هذا النظر؟

التشخيص الأولي كان: أن النشاط التنصيري في البالتوك قبطي مصري في أغلبه، والمشاركون من الشام والمغرب العربي قليل.

تبين بوضوح أن النصارى متفرغون في جملتهم، أو بين متفرغ وشبه متفرغ، والقضايا المطروحة واحدة، وكأن وراءها غرفة عمليات تتحكم في حركتها، وبينهم شر كبير وكثير، وحكايات رديئة، حالهم كما وصف ربهم {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [سورة المائدة: 14], بعكس المسلمين؛ فليس بينهم متفرغ، ولا متخصص إلا قليلاً جداً، والغرف تسير تحت ردود الأفعال في الجملة. والسير يُرشد ويسدد بفضل الله ، وعرضت وجهة النظر هذه في مقال بعنوان (من المسؤول عن النشاط التنصيري في مصر؟).

تبين أن ساحة الدعوة خليّة من طلبة العلم تقريباً، وتبين أن المواقع الإسلامية العامة بعيدة عن الحدث. لذا كان لا بد من إدخال طلبة العلم ، وكان لا بد من الإفادة من المواقع الإسلامية الدعوية. هذه هي المهمة الأولى التي تبدت لي بعد إمعان النظر فيما يحدث من البالتوك.


- أين تحركت بعد بذلك؟

أخذت على عاتقي تبصير عامة طلبة العلم والشيوخ بالقضية، عن طريق نقل القضية للمواقع الإسلامية، وبدأت بالكتابة في عمودي في صحيفة (المحايد)، وبدأت بموقع (المسلم) حيث كنت أتواجد، ووجدت دعماً من الموقع، ثم تحدثت للشيخ ناصر العمر ـ حفظه الله ـ ، وتحدَّث بخير ، ووعدني أن تبقى القضية محل دراسة من وقت لآخر، ثم ارتحلت لصيد الفوائد، ولم ألق أكرم من الشيخ أبي الحمزة العنزي صاحب الموقع. كان سريع الإجابة، ولم يهتم بالتفاصيل. وما ذاك إلا من حبه لنصرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدين، فلم يكن يعرفني.. ما كانت بيننا خلة... لم يسألني عن سيرة ذاتية كما فعل غيره.. وأقبل يدعم بما يستطيع.. وضع المقالات في البانر الرئيسي ويقدم ما ملكت يداه لنصرة دينه ورسول ربه صلى الله عليه وسلم. أسأل الله العظيم أن يبارك له في نفسه وأهله وماله. ثم يسر الله لي النشر في منتدى أنا المسلم، ويقيم عليه ثلة من الأغيار الأخيار من طلبة العلم، الشيخ أبي بثينة ومن معه ـ ولا علم لي بأشخاصهم، والله حسيبهم ولا أذكي على الله أحداً ـ سارعوا وهبوا، يثبتون المواضيع، ويدعمونها، كانوا ـ ولا زالوا ـ رجالاً، وهم إلى اليوم غصة في حلق النصارى، كتب الله أجرهم، ورفع الله ذكرهم.

ثم يسر الله لي الالتحاق بطريق الإسلام، وهناك عصبة من الكرماء ابتداءً من صاحب الموقع وفريق الإدارة كاملاً، وما زلت هناك إلى يومي هذا. والتحقت من قريب بمنتدى (بناء)، وحالهم كالذين من قبلهم، مدّوا إلي أيديهم بما يستطيعون، لم يبخلوا ولم يتأخروا. وبارك الله في صيد الفوائد، وبارك الله في طريق الإسلام، وبارك الله في منتدى (أنا المسلم)، ومنتدى (بناء)، الكلمة من هناك تنتشر هنا وهناك.

ومكتبة المهتدين ولم يكن أمرهم أقل من هذا، ولكنهم أهل اختصاص، همهم همي، ولولا أنني أتحدث إليكم مباشرة لقلت وزدت.

نعم، الأمور العظام ـ خيراً كانت أو شراً ـ لا يقوم بها جهدٌ واحد ، وإنما جهود متعددة، هذا حِراك عملي.. أو كما يحلو لبعضهم أن يسميه (حركي)، ماذا عن الناحية العلمية؟!

لم يتوقف ولله الحمد، بل يتطور، أحدثك عن الناحية العلمية ـ وكانت مصاحبة للبحث في المواقع والمنتديات والصحف ـ ثم أكمل لك المسيرة إن أحببت.

- تفضل، أو: عفواً: دعني أسأل: ماذا كان يدور برأسك وأنت تتحرك تبحث عن مجال لتعريف الناس بما يحدث، ما هي الخطط التي وضعتها؟، والترتيبات؟

وضع خطة تشمل الأهداف والتفاصيل ثم ضبط السير على التفاصيل وصولاً إلى الأهداف، هذا لا تعرفه الدعوة إلى الله!!

الدعوة إلى الله ذات طبيعة خاصة جداً، ولا يمكن إخضاعها لخطط الأذكياء أو أهلِ التقنية.

الدعوة إلى الله تتحرك إلى هدفٍ واحدٍ فقط في الأفراد والجماعات، تتحرك إلى تعبيد الناس لربهم ـ سبحانه وتعالى وعز وجل ـ ، وتبدأ بالدعاة أنفسهم يعبدون الله ويُعبدون الناس لله. لا تحمل الدعوة إلى الله على راحتيها ولا ترنو بمقلتيها لغير هذا. وهذا بيّن من المسمى، فنحن دعاة إلى الله، وقائدنا رسول من عند الله.. رسول تعني أنه يحمل رسالة من مولاه {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة يوسف: 108]، وربعي بن عامر التميمي وقف يخاطب رستم: "الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله".

وهنا لطيفة: العمل جماعي والمسؤولية فردية.

نحن كجيل مطالبون بمدافعة الباطل، وكأفراد نسأل يوم القيامة كل بما قدمت يداه.. يسأل كل واحد عن ما استخلفه الله فيه أدى أم قصر، وربك غفور رحيم.

المقصود أن: الدعوة إلى الله تتطور من خلال الحركة.


- لو أعطيتني شاهداً من السيرة النبوية؟

السيرة كلها شاهد على ذلك؛ فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يعطه الله وعداً بالنصر في حياته، بل كان يتنزل عليه {وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [سورة الرعد: 40]، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [سورة غافر: 77] صلى الله عليه وسلم.

والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعرض نفسه على القبائل، وهو لا يعلم أين مهجره، بل حين رأى دار مهجره في مَنَامِهِ ظنها غير المدينة المنورة. وأحداث يوم الحديبية شاهد على قولي، فما كان عنده ـ صلى الله عليه وسلم ـ علم بما سيحدث في المستقبل، فقط علم مجمل بأن هذا الصلح فتح من الله، ولو ثم تفاصيل لقدمها للمعترضين، كان متبعاً لوحي يتنزل عليه.

والصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ فتحوا الأمصار، بل ومصروا الأمصار وأقاموا الدول على نظم تُدَرَّس إلى الآن، وهم لم يتعلموا إلا الوحي (كتاباً وسنة). والقرآن لم ينزل جملة واحدة يعطي الأهداف والتفاصيل ويطالب القابلين للدعوة بالتنفيذ. هذا الأمر يقال ويصلح في أعمال الجزئية.. سرية تتحرك لهدف معين. مصنع يقوم بأشياء محددة، أما الدعوة فلا.

الدعوة لها هدف في الداعين أنفسهم.. يعبدون الله.. ويدعون الناس لعبادة الله.

وهنا لطيفة... الله سبحانه وتعالى ـ وعز وجل ـ لم يشأ أن يجعل الناس كلهم مؤمنين، فلن نصل إلى تعبيد الناس كلهم لله، وإنما نجاهد أنفسنا وغيرنا نرجو الثواب من الله، وبهذا تكون الدعوة حقيقة قد انحصرت في نفس الداعي، يهتم بنفسه في طاعة الله طلباً لمرضاته، ومن طاعة الله أن يدعو عباده , أجابوا أم لم يجيبوا. وهذا يعطي لمن يعمل نوعاً من السكينة والطمأنينة، فلم نطالب بنتيجة، نعمل وأجرنا على العلم لا على النتيجة، والحمد لله.

بهذا المفهوم بدأتُ أتحرك في كل اتجاه أستطيعه، همي الأول نفسي، حين تقف بين يدي ربها ويسألها عن ما رأت وعلمت، ويقيني بأن الدين منصور بوعد الله، والله لا يخلف الميعاد. أسأل الله العظيم أن يتقبل وأن يغفر ويرحم، فإنا نحمده ونثني عليه الخير كله.

- نعود إلى الناحية العلمية في مسيرتك، وهي الأبرز حتى أن من يتتبع محمد جلال القصاص لا يعرف عنه إلا أنه كاتب؟، ماذا عنها؟

هي مرتبطة بالأولى، وهذا الفصل لا أعرفه حقيقة؛ بدأتُ في كتابة المقالات القصيرة التي تبصر الناس بحال النصرانية، وبما يحدث منهم في حق الدين وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فكان (مَنْ المسؤول عن النشاط التنصيري في مصر؟) ، (حوار الغافلين والجادين المهملين مع النصارى) ، (النصرانية ديانة لا تعرف محبة الآخر)، (زكريا بطرس ما الذي جرأك؟) ، (دولة الأقباط الخليجية) ... وأمثالها.

أهدف إلى تبصير رواد المواقع الإسلامية، وأهدف إلى تبصير طلبة العلم بما يحدث من النصارى. وبارك الله في تلك المقالات، وكان القراء بالآلاف، وكانت المواقع التي تنقل بالعشرات ولله الحمد والمنة.

- ما هو الأبرز في رحلتك هذه؟

الأبرز هو الشيخ رفاعي سرور، والشيخ الدكتور محمد عبد المقصود، والشيخ فوزي السعيد، والشيخ الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل.

الشيخ رفاعي سرور من بقية السلف، لا تعامله حتى تحبه وتجلس بجواره ولا ترحل إلا حيث يريد، من أعقل الناس، وأفضلهم خلقاً وأدباً، هكذا أحسبه والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً، ولا زلت إلى يومي هذا أتعلل حتى أتكلم للشيخ رفاعي وأعرض عليه ما عندي وأستضيء بما منَّ الله به عليه، وأعتقد أن الشيخ رفاعي ممن ستحملهم الأجيال القادمة على أعناقها.

والشيخ فوزي السعيد ـ حفظه الله ـ كان سريع الإجابة جداً، حين تلوت عليه بعضاً مما يقال على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لم يهدأ. وغيره تلونا عليه ليلا ونهاراً.. سراً وعلانية، نتودد حيناً ونستفزه حيناً وما تحرك بل يرمينا بأننا أصحاب فتنة!!، وهو يعلم قبل غيره أننا برءاء مما يرمينا به، وهو يعلم قبل غيره أن كلامه غير صحيح.

والشيخ الدكتور محمد عبد المقصود، ومثلي لا يزكي مثله بل شرفت بالحديث إليه، وأشرف ثانية بالحديث عنه، قرأ كتابي عن بطرس وصوبه، واستفدت كثيراً من ملاحظاته جزاه الله عني خيراً.

والشيخ الدكتور عبد العزيز كامل، هو الذي دفعني لأن أمسك القلم وأكتب بداية، وهو أول من قرأ كتابي عن بطرس، وأثنى عليه، وشجعني لطباعته، وكان يعرض علي أن يطبعه هو. وجهدي كله في الجملة تحت إشرافه، ولا زلت بجواره أستأمره، وأسترشده، عبد تقي خفي، والله حسيبه ولا أذكي على الله أحداً من خلقه.


- تقيمك لاهتمام المسلمين بالقضية؟

المسلمون لم يلتفوا للتنصير كما ينبغي، والسبب هو الانشغال بنوازلٍ أخرى حلَّت بالأمة.

والسبب أن التصدي للتنصير تكتنفه بعض المخاطر التي تجعل نفراً من (الرسميين) لا يقدمون عليه.

والسبب هو أننا معشر المهتمين بالتصدي للتنصير لم نحسن بعد التعبير عن قضيتنا، وقد رأيتَ ما حصل معي، كانت الاستجابة مرضية إلى حدٍ كبير.

- لك عمل كتابي عن زكريا بطرس ما قصته؟

نعم، كتاب (الكذاب اللئيم زكريا بطرس) في جزئين، وقد أكرمني موقعكم بتثبيته لفترة طويلة من الزمن في صدر الصفحة الأولى. والبداية كانت رداً على شبهات أرسلت لي من بعض المتعرضين للتنصير في مصر، ثم تتبعت بطرس، أرده عن عرض الحبيب صلى الله عليه وسلم وأمتطيه لما هو أكبر، واطّلع على الكتاب أكثر من عشرة من أهل العلم، واستفدت من ملاحظات الجميع ولله الحمد.


- الهدف من الكتاب كان الرد على زكريا بطرس؟

الرد على زكريا بطرس كان هدفاً جانبياً وينبغي أن يبقى هدفاً جانبياً، بطرس لا يستحق الاهتمام به؛ كونه رديء في طرحه، وكونه سيء السمعة معلوم الكذب. ويبدو بطرس وكأنه الفاعل، وهو في الحقيقة مفعولٌ به (مُفعّلٌ)، ويجب أن يأخذ حجمة الحقيقي حال التعامل معه. وأعتقد أن الله أخمد ناره الآن، وعلم الناس حقيقة أمره.

ويقيني أنه يتقطع من الغيظ على ذهاب كيده ، وهذا حال المحاربين لله ورسوله {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} [سورة المجادلة: 20].

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [سورة المجادلة: 5].

- ومن هو الفاعل الحقيقي في الساحة إذ لم يكن بطرس كما يبدو للناس؟

الموجود الآن هو إفراز (لجماعة الأمة القبطية)، وهي جماعة تهدف إلى إقامة دولة قبطية على ما تستطيعه من أرض الله، جماعة إقصائية لا تعرف الحلول الوسط؛ ولذا هي متشنجة متشددة، من هذه الجماعة عصابة هي الفاعل الحقيقي لما يحدث.


- هل ترى برأيك أنهم سيصلون لأهدافهم؟

إن شاء الله وبحوله وقوته وموعوده لن يصلوا، عقلاً وشرعاً وواقعياً لن يصلوا بحول الله وقوته، فقط هم وجدوا مساحة لظروف سياسية، ومرّ عليهم الآن عقدٌ كامل أو يزيد ولم يحققوا شيئاً، مع توفر كل الإمكانات.

- ولماذا يصعّدون في نشاطهم ولهجة خطابهم؟

التصعيد له سببان من وجهة نظري:

الأول: طبيعة الشخصية التي تمسك بزمام العمل، أعني القائمين على الكنيسة المصرية الآن.

بعض النفوس تكون شريرة، لا تستطيع أن تهمد أو تجلس مستريحة، وبعض النفوس تبحث عن التواجد في حياة الناس بأي شيء كان، حتى ولو كان بالشغب؛ فهم مشاغبون؛ يسوقون قومهم إلى حتفهم. ومن يقرأ فيما يتسرب من أخبارِ ما يدور بينهم يجد أمثلة كثيرة على ذلك، ليس أشهرها ولا أقربها (متىّ المسكين) مُعلم شنودة الثالث.

السبب الثاني: أنّ هناك مستفيدين الآن من التصعيد، وهم أصحاب رؤوس الأموال، ومنسوبي خلايا التنصير.

هؤلاء كلهم مع التصعيد وضد محاولات التهدئة، لذا التصعيد مستمر مع أنه لا يحقق نجاحاً, ومع أنه يسير بقوة شديدة في طريق مسدود!!

- إذاً الأمور تسير لمواجهة حتمية؟

البيان يخفف من هذا الأمر وقد يذهب به، ثم هم يركنون إلى الضعف الداخلي، وإلى الدعم الخارجي، وذهاب أي عامل من هذين العاملين قد يذهب بهم ويجعلهم يعيدون حساباتهم من جديد، وبالتالي هناك فرصة لعدم الصدام.

من وضع خطتهم أراد إنجاحها في جيلٍ أو جيلين، وهذا لا يحدث إلا في الديكتاتوريات المؤقتة، يحتاج بناء الأمم والحضارات إلى أجيال.. المفاهيم لا ترسخ في جيل واحد، وشِرك ظهر في أجيال (أعني قوم نوح). فكان عليهم أن يتفهموا أنهم في مصر، وأنهم في زمن صحوة إسلامية، وأن الأمور تسير على مهل، ولا تأتي بتلك السرعة، ولا أحسبهم يجهلون هذا، ولكنهم يتجاهلونه وصولاً إلى أغراضٍ شخصية.. إثبات الذات، والبقاء على صفحات التاريخ.

ونرجو أن تنكسر عصاهم التي يتكئون عليها في حرب الدين، ويخوفون بها مَن وراءهم من قومهم، فيرجعوا من منتصف الطريق ويجنب الله عامتهم شر الفتنة.

- التنصير نشط عالمياً وليس محلياً في مصر والوطن العربي فقط، ترى ما السبب؟

السبب الرئيس هو فشل العلمانية؛ فشل العلمانية أعطى فرصة لأرباب المذاهب والديانات أن يتكلموا من جديد، ويجدوا من يسمع لحديثهم، وليس فقط التنصير بل الفرق والمذاهب داخل الصف الإسلامي.. الشيعة.. الصوفية..

ومن الأسباب أيضاً أن التنصير وهذه التيارات تستخدم كوسيلة لعرقلة سير الصحوة الإسلامية، ولذا فهي مدعومة من كل من لا يريد الإسلام.

ومن الأسباب أيضاً الوسائل الحديثة.. القنوات الفضائية، والشبكة العنكبوتية، وتيسير الكتاب، والشريط, وما إلى ذلك . وما كان بطرس ولا غيره يحدث كل هذا الصخب لولا ما مكنهم الله فيه من تقنية حديثة، حيل بيننا وبين كثيرٍ منها.

- حجم التنصير بالنسبة لما يحدث على الساحة الفكرية الإسلامية ما هو؟

يمكن القول بأن التنصير هو المسؤول الأول عن كل ما يحدث من انحرافات فكرية، وأن القضاء على التنصير قضاء على كثير من المشاكل الداخلية، أو نقول: معالجةُ كثير من المشاكل الداخلية لا يأتي إلا بمعالجة التنصير؛ إذ هي من بناته.. مربوطة به.

ودعني أضرب مثالاً مما نحن فيه... أعني الواقع العربي.. المنصرّين المتحدثين بالعربية.. أبيّن به قولي.

- تفضّل!

النشاط التنصيري في مصر والوطن العربي نبش عن الشاذين فكرياً، وأعادهم للساحة الفكرية (الدعوية) من جديد، مثلاً مع بطرس خرج (سيد القمني) و (خليل عبد الكريم)، وهم من شياطين الإنس، هذا على سبيل المثال، وإلا الأمثلة كثيرة.

والنشاط التنصيري في مصر والوطن العربي أعطى فرصة لظهور من يسمون بـ (القرآنيون) يجاهرون بنكران السنة النبوية، بل ويدعوننا إلى ذلك، بدعوى أننا بذلك نتفادى كثيراً من شبهات النصارى، ورأينا بطرس في حلقاته يستدعي طرفاً من هؤلاء، يضربنا بهم ويفيد منهم في حديثه لقومه.

والنشاط التنصيري في مصر والوطن العربي أعاد من جديد الأطروحات الفكرية القديمة التي هي نقل من دراسات المستشرقين، والتي تقدم قراءة مغلوطة للشريعة الإسلامية.


- تريد أن تقول إنّ الاستشراق دوافعه نصرانية؟

الاستشراق في بدايته في ما يعرف بـ (القرون الوسطى) كان يطلب ما عند الشرق من علوم تقنية، وأقيمت المدارس، وأرسلت البعثات للأندلس ـ تحديداً ـ من أجل هذا، وتكونت عند القوم آلية عمل خاصة بطلب ما عند الشرق (الاستشراق)، ثم تحولت آلية الاستشراق المتطورة هذه، لدراسة (التراث) الإسلامي و المجتمعات الإسلامية، فكانت بعثات المستشرقين وإفرازات المستشرقين أحد أهم الركائب التي امتطاها الاستعمار ووصل بها إلى مجتمعنا، وكانت أهم الدعامات التي ساعدت على بقاء المحتلين للبلاد المسلمة سنين طويلة، وكانتأهم الأسباب التي ساعدت في تغير هوية الأمة الإسلامية، فهم المسئولون عن دخول العلمانية (دينهم الجديد) إلى العالم الإسلامي، ويمكننا رد كل ما يتكلم به التغريبيون إلى المستشرقين، ابتداء من عباس العقاد (وأعي ما أقول جيداً) ومروراً بطه حسين وعلي عبد الرازق وانتهاءً بسيد القمني وخليل عبد الكريم.

الذي حصل أن الغرب تغيرت هويته من النصرانية إلى العلمانية، وهي دين جديد، فعمل الاستشراق على تغريب المجتمعات لتتقبل (العلمانية) الدين الجديد.. تعتنقها أو تتقبلها في أرضها، أو عمل على إزاحة الإسلام من ساحة المواجهة مع الغرب. كل هذا يمكن قوله، والمحصلة واحدة: أننا نحارَب في ديننا، وأنهم يد واحدة علينا، وإن بدى بعضهم اقتصادي، وبعضهم متحرر (ليبرالي).. وبعضهم (صليبي).. كلهم علينا، وكلهم يرفضون الإسلام كمنهج للحياة. نحن على طريق واحد متقابلين، وليس ثم كبير أهمية لهوية القوم.. صليبيون.. يهود.. وثنيون.. اقتصاديون.. علمانيون.. المحصلة واحدة.

والمقصود أن الربط موجود بين التغريب (ما يطلبه المستشرقون) والتنصير، في الناحية الفكرية، والناحية الحركية.

وفقط أشير إلى أن حركة التغريب لم تبدأ فقط بالبعثات العلمية للدول الغربية، وإنما بنصارى الشام ومصر أيضاً. وممن يذكر هنا ـ على سبيل المثال (لويس شيخو) و (مي زيادة) و (مرقص فهمي) و(خليل مطران)، وشعراء المهجر (إيليا أبو ماضي) و( جبران خليل جبران) وغيرهما.

وتورط النصارى في مساعدة المحتل مما لا يحتاج لشاهد يشهد له بالصحة، فلا يسع أحد أن يغض الطرف عن التنصير أبداً, سواء كان من المهتمين بدعوة عصاة المسلمين أو كان من المهتمين بالذود عن حمى الدين ضد الآخرين. ومن يعرض عن معالجة الخطر التنصيري؛ فهو كمن يعالج الأعراض ويترك الأسباب، وأنى...!!

- أنت تحمِّل التنصير التحولات الفكرية قديماً والمعارك الفكرية حديثاً، ولهذا تنادي على كل المهتمين بالفكر الإسلامي أن يلتفتوا للتنصير؟

نعم، بل إن التنصير الآن، وخاصة الأقباط، يحدثون تحولات فكرية تاريخية الآن، لم تستثمر كما ينبغي، ودعني أوضح لك.

- تفضل!

كان التنصير في أطراف العالم الإسلامي حيث الجهل والفقر، وكان التنصير في العالم الإسلامي في مناطق الحروب خلف الدبابات وتحت الطائرات حيث الخوف وانعدام المعارض؛ ولم يكن التنصير يحمل على راحتيه سوى الخبز والمال، ولا يتكلم عن الإسلام بسوء وإنما يستر قبيح ملته ثم يعرض بضاعته على الجاهلين والخائفين.

وكان التنصير في قلب العالم الإسلامي في المناطق التي يَقلُّ فيها التدين، المستشفيات، وبين زملاء العمل، يتكلم بأحاديث السر، ولا يطمع في أكثر من تشكيك الناس في دينهم.

وكان أولياء الكنيسة وحلفاؤها في مناهج التعليم، يهدمون الولاء والبراء في عقول أبناء المسلمين؛ ليخرج جيل تضيع عنه معالم الكفر والإيمان فلا ينصر مؤمناً ولا يعادي كافراً، وبالتالي لا يجدون منه بأساً إن لم يجدوا ودّاً.

وكان المنصرون في مؤتمرات (حوار الأديان) ينتزعون اعترافاً من (علماء) المسلمين بشرعية النصرانية، يسوقون هذا الاعتراف في بلادهم.. يخاطبون به قومهم يقولون لهم هؤلاء (علماء) المسلمين يعترفون بأن ديننا دين قويم، فلا حرج على معتنقي النصرانية، فهم (مؤمنون بالله)، ويسوقون اعتراف (علماء) المسلمين المتحاورين بين الجاهلين والخائفين المستهدفين بحملات التنصير. وقد حدث من ذلك بلاء عظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وجاء الأقباط فنزعوا درعهم، وأنزلوا نقابهم، ورفعوا صليبهم، وأَمَّروا حاقدهم، واستشاروا سفيههم. وعمدوا إلى أفضل ما عندنا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم، وقرآن ربنا، وراحوا يهزؤون ويسخرون من الحبيب صلى الله عليه وسلم.

ودارت رحاها على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى القرآن العظيم.

يومٌ كيوم حنين، أعدَّ الأقباط العدة بليلٍ، ثم خرجوا على الناس في عدد من الفضائيات، ومئات من مواقع الانترنت، وعشرات الغرف البالتوكية وملايين النسخ من المطبوعات المكتوبة والمسموعة والمرئية.


- أين التحولات التاريخية في أفعال الجماعة القبطية العاملة في التنصير؟

التحولات التاريخية تكمن في أمورٍ أربعة رئيسية:

الأول: إحداث مواجهة مباشرة بين الإسلام والنصرانية؛ إذ أن هذه الشرذمة القبطية تقدم الكتاب (المقدس) كبديل للقرآن الكريم، وهم يقفون كالأقزام سود الوجوه أمام الجبل الأشم.. رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ـ يقولون ليس بنبي، وهو نبي وإن كذبوه، صلى الله عليه وسلم.

الثاني: استحضار العامة للصراع، ومن المسلمات العقلية عند من يعملون لإيجاد تغيرات في حياة الناس، أن العامة لا تدخل مراحل الصراع الأولى، وإنما تأتي في مراحل الحسم الأخيرة، فالعامة لا تسابق وإنما هي ميدان للسباق، وإن دخلت العامة في مراحل الصراع الأولى فدخولٌ مؤقتٌ للتحريك أو الضغط والتمرير. وقد أخطأ الأقباط حين تكلموا للعوام.

الثالث: استعمال الكذب طريقاً للدعوة إلى باطلهم، واستعمال الكذب طريقاً للحديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خصوصاً والشريعة عموماً.

الرابع: عالمية الخطاب القبطي، إذ أن فضائيات الأقباط المثيرة للجدل، تترجم بعض برامجها، وتستهدف مساحة واسعة جداً من العالم الإسلامي. وزاد من هذا الانتشار أن الصراع في العالم الإسلامي بعد فشل العلمانية بدأ يتجدد على خلفيات دينية.


- كيف الإفادة من هذه المستجدات؟

عقيدة النصارى ليست بشيء، ولم تنتشر النصرانية يوماً بالدعوة، بل بقوة السلطان، ولم تمسك رعاياها إلا بالحجب ثم الكذب والتدليس، فهي عقيدة تكررت خمس عشرة مرة من قبل وهي ذات العقيدة التي كانت عند الفراعنة والبوذيين وغيرهم، وعقيدتهم لا تؤخذ من كتابهم، وكتابهم لا يُعرف كاتبه جملة بل وتفصيلاً، وكتابهم أخذ (القداسة) من البشر, وكتابهم يحذره السفيه على نسائه وأطفاله، وهم مختلفون في كل شيء، اختلاف تضاد لا تنوع. فكيف لو أظهرنا هذا للناس؟

تراهم يستمسكون به؟؟
إلا عناداً واستكباراً.

وعامة الناس لا تعاند في الغالب، وإنما تتبع أو تنهزم وتنكبت، ثم تتبع حين تصير الغلبة للإسلام وأهله، فهي الآن فرصة سانحة لدعوة النصارى ودعوة المسلمين المفرطين في دينهم.

أقول: خرجت النصرانية سافرة حاسرة، وهي سوداء عرجاء عمياء.. فواجب على أولي النهى أن يعرفوا الناس بها قبل أن تعود إلى موائد الحوار ثانية وتتجمل... فهل من مشمر؟

وكبرى الفوائد في هذه الجعجعة المنتشرة توحيد صفوف الصحوة، أو الإفادة من قواها، إذ أن الملاحظ الآن أن هناك تكتلات تتكون لبدء مرحلة من الصراع الفكري الداخلي (جامية)، (سرورية)، (وسطية)، (ليبرالية إسلامية).. الخ، واتخاذ النصارى هدفاً؛ من شأنه أن يفك هذا الاشتباك؛ كجَّدِّ السير يوم بني المصطلق كي لا يتكلم الناس فيما افتراه المنافقون. إن وجود هدف بعيد مشترك لكل التوجهات الناشئة على الساحة الدعوية من شأنه أن يوفر الجهد ويجمع الشمل.

وهي فرصة لضبط الساحة الفكرية (الدعوية) إذ أن النصارى هم مصدر كل القضايا التي تثار على الساحة الدعوية، وخذ مثلاً من القضايا المثارة (رضاع الكبير)، وقد أخذت شوطاً طويلاً من النقاش شارك فيه عدد من المتردية والنطيحة وما أكل السبع بجانب العلماء، و (مدة الحمل)، و (زواج بنت التاسعة)، و(الآخر )، و (السلام.. الإرهاب.. الجهاد)، و (حجية السنة القرآنيون).

وهم من نبشوا عن الشاذين فكريا، قديماً واليوم... كما قدّمتُ.

فالتنصير الآن.. تحديداً بعد أن صارت المواجهة معه فكرية لم يعد بمعزل عن العلمانية أبداً. أصطف الجميع علينا، وعلينا أن نجتمع للقائهم؛ فإن القوم بأرضنا يعتدون على قرآننا وعرض نبينا صلى الله عليه وسلم.

لم يعد يحل لأحد أن يفصل بين التنصير وغيره من المشاكل الفكرية اللهم على مستوى الأفراد فقط. وإن قوماً نصبوا (القلم) لرد الليبرالية بنت العلمانية وربيبتها (الإسلامية)، دون أن يتعرضوا للنصرانية ما زالوا في أمْسِهم.. غفلوا عن يومهم فضلا عن مستقبلهم.


- هل المشكلة قبطية؟

هكذا تبدو، ولكنها في جوهرها عالمية، دلائل عالميتها ما يحدث من آن لآخر في جنبات المعمورة من تطاول على شخص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى ثوابت الدين، في الدينمارك ثم أوروبا كلها، ثم عودة الدينمارك ثانية، ثم في المغرب العربي (في بعض الصحف) ثم في أمريكا حين داسوا على المصحف، ومن دلائل عالمية هذا التغير الفكري أن الصراع العسكري كله في العالم على خلفيات عقدية، في فلسطين، والعراق، والصومال والشيشان وأفغانستان، فكما قدمتُ الصراع تجدد على خلفيات دينية. ولكن الأقباط بحمقهم يتصدرون، وعلينا أن نحافظ عليها قبطية... لماذا؟

لأن الأقباط تغلي صدورهم، ويمسك زمامهم سفهائهم، فهؤلاء الذين على رأس الكنيسة المصرية الآن مَرَدَةٌ.. من شياطين الإنس، متمردون.. قتلة، ومثل هؤلاء لا يملكون حيلاً فكرية، ولا يصبرون لأهداف بعيدة، وإنما طواغيت يبحثون عن تغير في أرض الواقع في حياتهم هم، وهو ما لم يأذن به الله في سنن الكونية. وقد بثوا خطاباً حماسياً في قومهم فحشدوهم عن بكرة أبيهم، حتى أنك لا تسمع مخالفاً من الأقباط، وهذه حالة من التعبئة للصدام، وليست حالة من الدعوة والفكر؛ فوجود الأقباط بهذا الشكل أمان من فك الاشتباك وعودتها ثانية إلى المصالحة بين الكفر والإيمان.


- وعلى من إثم تركها وعدم استثمارها؟

على أصحاب المؤسسات الدعوية، والقنوات الفضائية، وأصحاب الشريط المسموع، ومن يمتد صوتهم ليطال ملايين المستمعين، وعلى من يستطيعون الدعم بأموالهم ولا يتقدمون لفعل ذلك.

هناك سؤال أتعجله، لأنه قد حان وقته مع الكلمتين الأخيرتين هاتين: يروج المنصرون عنكم -معاشر الكتاب والدعاة العاملين ضد النشاط التنصيري- أنكم تتلقون أموالاً ضخمة من دول الخليج وأثريائها.. فهل هذا الأمر صحيح؟، وما هو حجم هذه المبالغ إن وجدت؟

أنا بالخليج، وأعمل نصف يومي كاملاً سعياً على رزقي، ولا تدري كيف أحصل على وقت للمطالعة والعمل الدعوي... لا يوجد أي دعم، وشخصياً لا أستجدي أحداً، فالحمد لله ميسور أكفي نفسي، ولكن ثَمَّ واجب على أصحاب الأموال أن يقوموا به.

والأمر لا يحتاج لتبرع فقط وإنما استثمار أيضاً، بالإمكان جداً الاستثمار في طباعة الكتب، وبالإمكان الاستثمار في المواد المرئية والمكتوبة.

أو: يحاول من يمولون القنوات الفضائية إيجاد مساحة على قنواتهم لرد النصارى عن عرض الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

- هل ترى أن النشاط الإسلامي الموجه لصد التنصير, يدخل ضمن مصارف الزكاة المذكورة في كتاب الله توقيفاً؟

أعلم أن أهل الفتوى في الأمة يقولون يدخل في القنوات الفضائية التي تعنى بوعظ المؤمنين، وأعتقد أن دخولها في مجال صد التنصير يكون من باب أولى.

- أنت الآن أجبت على سؤال كنتُ قد أعددته: هل خطر النشاط التنصيري يعود إلى غاياته الظاهرة, أم أنّ الأمر أعقد مما يبدو على السطح؟

فقد بدى من كلامك أن هناك أخطاراً وأخطاراً دون غاياته الظاهرة (تنصير الناس أعني)، وبدا أن الأمر أعقد مما هو على السطح بكثير. بل إنها كلها جبهة واحدة .دعني الآن أقدم سؤالاً آخر:

أنت تقول إنك صامد في وجه التنصير، ونفضت يديك مما سوى ذلك، مع أن المتابع لقلمك يلحظ أنك هاجمت عمرو خالد عدة مرات، وانقطعت لـ عباس محمود العقاد من نصف عام تقريبا، كيف وأنت منقطع للتنصير؟!

لستُ أجلس بطريق عمرو خالد، ولا أهتم به، ولا يعدو عندي إلا إحدى الأحجار التي يلقي بها (الآخر) تحت أرجلنا ونحن نسير على الطريق، فقط كتبتُ عنه حين زار الكنيسة، وراح يحدثهم بأننا إخوة في الوطن.. دعاة إلى الله.. أو نحو ذلك، وأنا بهذا أدافع عن قضيتي. لم أرحل من مكاني.

وكانت القضية الأولى التي فتشت فيها وأنا أعالج بطرس الكذاب هي مصادر بطرس الكذاب، وكانت المفاجئة أن الرجل يوهم من يسمعه بأنه يعتمد على مصادر إسلامية. وذكرتُ عباسَ محمود العقاد بكلامٍ قليل يتناسب مع حجم تواجده في مصادر زكريا بطرس. وكانت ردود الأفعال قوية جداً وكثيرة جداً، تدفعني عن العقاد، وكنت أظن أن أمر العقاد يعرفه كل الناس، أو المهتمون بالعمل الدعوي على الأقل.

فبحثت عن دراسة نقدية (فكرية) (عقدية) عن عباس العقاد كي أقدمها لمن يسأل، ولم أجد. وكانت هذه مفاجئة . أنني لم أجد دراسة جادة تتناول عباس العقاد، من الناحية العقدية أعني، وإلا له أعداء من الناحية الأدبية كُثر، فقط بعض المقالات أو الفصول القليلة جداً والمحدودة جداً، فقلت أسدُّ هذا الثغر. تبصرة وذكرى لأولي الألباب، أبصرهم بحالنا وعامة قومنا لا يفرقون بين الغث والسمين. كان هذا هو الهدف، ويأتي ضمناً إظهار حال من يرفعهم الإعلام على رأسه، ففي تعاطي عباس العقاد غنية عن تعاطي غيره، وكنت أحسب أن الأمر لن يأخذ شهر أو شهرين، ومضى نصف عام تقريباً، ولم أنته منه إلى الآن. ولكني كدتُ ولله الحمد، وأسأل الله التيسير والسداد والبركة.

- أعود للنقطة التي كنا نتحدث فيها، وهي خطورة التنصير: البعض يهون من خطر النشاط التنصيري, ويرى أنّ الأمة في حصانة تامة من خطره.. فما رأيك؟

بما تقدم أخي الحبيب يتبين أن خطر التنصير مرتبط تماماً بالمخاطر الأخرى، وأنها بشكلٍ ما جبهةٌ واحدةٌ، وهي مُسلَّمة عند العقلاء، فالكفر كله ملة واحدة.

الأمة لن تَتَنَصَّر.. هذا حقيقي وفي الحديث أن الله لن يرسل على هذه الأمة من يستأصلها، ولكننا مأمورون بالدعوة إلى الله، وإقامة شرع الله في أرضه.

- إحساسك بالدور الضخم للعمل التنصيري في ضرب الأمّة في وجودها وهويّتها من جهة, وقناعتك بأهمية مجابهة هذا النشاط من خلال الفضائيات الإسلامي من جهة أخرى؛ يحفّزانني على أن أطرح عليك السؤال التالي: لماذا لا نرى لك وجوداً على القنوات الفضائية الإسلامية.. خاصة أننا نلاحظ مبالغة فاحشة في الدروس الوعظية ومجالس شرح المتون, على حساب النشاط الفكري الذي يصنع الشخصية المسلمة القادرة على فهم الواقع الآني والتفاعل معه؟

القنوات الفضائية (المصرية) وغير المصرية، باستثناء قناة واحدة لا تعمل حتى تتوقف، ترفض تماماً التعامل مع النصارى، أو مع التنصير، إلا قليلاً جداً، ولا أدري لماذا، ونحن نتحدث إليهم (أنا وغيري)، وأنا نفسي تحدثت إلى نفر غير قليل من القائمين على القنوات الفضائية، والناس ترفض تماماً التعامل مع القضية. وبعضهم قرظ لي كتاب (الكذاب اللئيم زكريا بطرس)، وبعضهم قرأ الكتاب، وبعضهم تحدثت معه مباشرة، وبعضهم رحلت له زائراً، وكلهم معنا يرى مكاننا ويسمع كلامنا وكلام عدونا، ولا أحد منهم يجيب!!

- غريب!!
لم هذا الرفض القاطع؟، مع أن الأمر يتعلق بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

الكل يتعلل بالناحية الأمنية، ويردد أن من الفقه في الدين الموازنة بين المصالح والمفاسد. وترك النصارى يتطاولون على عرض الحبيب صلى الله عليه وسلم هو المصلحة الراجحة عندهم اليوم، وترك الناس تكفر بربها هو المصلحة الراجحة اليوم، هذا لسان حالهم.

المحاذير الأمنية محدودة، أو غير موجودة حقيقة لمن يرد فقط بلسانه، فالرد على الشبهات دون التعرض للأشخاص لا يثير أحداً. ثم ترك الرد ليس حلاً شرعياً ولا سياسياً، ترك الرد سيولد انفجاراً ولا بد، وسيصرف الناس عن ولاة أمرها من العلماء تحديداً. فأنا لا أدري حقيقة علة حقيقية لترك الرد على شبهات النصارى في الفضائيات سوى طلب الراحة مما قد يثيره النصارى من مشاكل مع من يرد.


- هل سترفض الظهور إعلامياً لو عرض عليك, وما هي شروطك؟

أنا موجود إعلامياً.. كنت في الصحف (صحيفة المحايد)، والآن في الشبكة العنكبوتية... علك تعني الفضائيات؟

- نعم أعني الفضائيات... ترفض الظهور فيها لو عرض عليك؟!

الفضائياتُ الإسلامية عموماً والمصرية خصوصاً نوعٌ من المصالحة المؤقتة مع الواقع المخالف، أو تفريع للجهد العالي، أو دوامة افتعلت لإيقاف مد الصحوة الإسلامية. ولا تضطلع بأي من الأمور الهامة التي يتطلبها واقع الأمة الإسلامية.

يتضح ذلك بالنظر في:

ـ السياق العام الذي ظهرت فيه الفضائيات الإسلامية.

ـ استوضاح الأهداف التي تتحرك لها الفضائيات.

ـ والبحث عن الثمار التي جنيناها من الفضائيات.

وهذه قصة يطول شرحها، والمقصود هنا أن الفضائيات ترفض قضيتنا، ولستُ أنوي تغيير توجهي للظهور في الفضائيات... أبداً، ليس ثمت نية لذلك، ولكن إن دعوني على هذا أجبتهم.

وليس فقط بشخصي، بل أقدم مواداً علمية بأشكال متعددة، صحفية، وإذاعية، خطابية أو حوارية. لا أترفع على هذا، بل أطلبه، وطلبته من كثيرين، وها أنذا أعرضه... من وقف دون رد النصارى لنقص في المادة العلمية مددت له يدي.

- وإن أصرت الفضائيات، وهي المنبر العالي للدعوة الآن، على عدم التصدي للتنصير فما الحل؟

التحرك على ذات القاعدة التي كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتحرك عليها، والتي ذكرتها من قبل، وهي أننا نتعبد الله بكل شيء، وأن الدين منصور، وأننا فقط أمرنا ببذل المستطاع، وأننا نحاسب على العمل لا على النتيجة، والحمد لله أن الله لا يحاسبنا على النتيجة، والحمد لله أن الله يجبر الكسر ويستر العيب.

نرصد ما بأيدينا من إمكانات، ونرصد المطلوب ثم نبدأ باسم الله، ونتوكل على الله.

الخلل أنهم يحرصون على النتيجة، يحسبون أن إيصال الحديث لعدد أكبر هو الذي يأتي بتأثير أكثر... ليس هكذا؟

العامة.. (الجماهير).. لا تسابق وإنما هي ميدان للسباق. الجماهير لا تحمل هم التكوين.. لا تحمل همَّ التأسيس، وإنما تأتي مكملة، وتأتي مجتمعة. وأحداث السيرة دليل على ذلك، فقد بقي النبي في مكة أعوام يدعو الناس سرّاً وعلانية، في البيوت والطرقات والأسواق والمواسم، وما خرج إلا بنفرٍ قليل، ثم بعد أن فتحت مكة دخلوا في دين الله أفواجاً.

هل تحمل نواة مشروع عملي قادر على التأثير.. ومعذرة على هذا السؤال, وإنّما الكلام النظري قد صار مكرراً دون واقع يجسّده, بل لقد أصبح الكلام النظري أداة لتخدير أصحاب الحماسة والهمّ للدين!!

اقترح علي القائمون على مكتبتكم المباركة مشروعاً عملياً، يمكن تسميته برابطة أقلام، يجتمع فيه المختصون من المهتمين.. أو قل: المنقطعين للتصدي الفكري للتنصير، على أن تتعاون هذه الأقلام في القضايا المطروحة. أو تتعاون بالتنسيق بين جهدها، وهي أسماء معروفة على الساحة, وقد تحدثنا مع أسماء لها حضور قويّ على الساحة, وحالت دون البداية الفعليّة بعض العوائق , ولعلّنا نتجاوزها قريباً...

تصلح هذه كبداية, نسير، وفي الطريق يتم ترشيد السير، ولعل من (مكتبة المهتدين، وصيد الفوائد، وطريق الإسلام تكون البداية).

- سدّدكم الله ورزقكم أنصاراً على الحقّ يكثّرون سوادكم.. وماذا على المستوى الشخصي أين تسير؟، أتكلم عن الناحية الفكرية؟، أو مشاريعك الفكرية المستقبلية؟

كنتُ أجد حزناً حين تركت بحثي عن (الاستحلال) وذهبت لرد النصارى عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدين، فقد كان هذا القرار بمثابة الهجرة الكاملة. أترك القضية التي أدرس فيها وأكتب من عشر سنوات أو أكثر، وأرحل إلى ميدانٍ جديد لا أعلم عنه إلا القليل جداً.. كان شاقاً على نفسي. وكنت أواسيها بأن من ترك شيئاً لله أبدله الله خيراً منه، وقد جاء الخير مع الدفاع عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم والدين.

الآن بعد مرحلة الاستكشاف.. أو التشخيص ـ وقد طالت ـ بدأت بكتاب بطرس، ثم تتبعت مصادر بطرس، فوجدت ربطاً قوياً بين الاستشراق والتنصير، ووجدت إجابات لأسئلة كثيرة كانت تتردد على خاطري ولا أجد لها إجابة من قبل. وفتح الله علي بأشياء لم تكن تخطر في بالي، ولله الحمد والمنة ، وكانت أولى الثمرات دراسة عن المنافقين، هي بيان لأثر الاستشراق في تفعيل النفاق، أبين الدور المشترك الذي يقوم به المستشرقون والمنافقون، والذي أفاد منه بطرس والتنصير عموماً، هي كشف للجذور هذه الشجرة الخبيثة.

ثم جرَّني هذا لمحاولة إيجاد توصيف للمعركة بين الحق والباطل عموماً، وليس بيننا وبين النصارى فقط، فوجدت أن إبليس هو الذي يقود الطرف الآخر، وأن الأنبياء ـ صلوات عليهم أجمعين ـ هم قادة الطرف الثاني، ولا أعني بذلك الكلام المكرور الذي يردد. وإنما إبراز لهذه الحقيقة من خلال الفكر.. من خلال الكتب الموجودة بين أيدينا ومن خلال الواقع الذي نعيشة. وقد عرضت شيئاً من هذا الأمر في مقالين (أثر الشيطان في تحريف الأديان)، والثاني بعنوان (قراءة في عقلية إبليس) !!، وقد وجدت هذه المقالات صدى واسع، وقبولاً لم أكن أتوقعه.

وأقوم الآن بكتابة السيرة النبوية من جديد، وقد انتهيت بالفعل من الجزء الأول، وعرضته على أهل العلم إلا أنني لم أرض عنه إلى الآن.

هذه هي الخطوط العريضة، وأعرض بضاعتي في هيئة مقال، أو دراسة، أو دفعاً لذاك، أو رفعاً لهذا، ولكن الثابت الذي أسير عليه هو توصيف المعركة وإظهار حقيقتها للناس، كنوع من المشاركة في هذا الصراع الدائر بين الحق والباطل، أطلب ما أعد الله للطائعين، وأدفع ما توعد به العاصين. والله أسأل أن يبارك لنا ولكم وأن ينفعنا ويرفعنا ويدخلنا برحمته في عباده الصالحين.

- عندي محور أخير عن المهتدين الجدد: هل تعتقد أنه قد تمت الإفادة من طاقات المهتدين الجدد إلى الإسلام؟

لا، لم تتم الإفادة منهم كما ينبغي، وما يقدمه البعض من نماذج تُكَذَّب وبالتالي تفقد مفعولها بين النصارى في الغالب، وخاصة أنهم يسيرون على ذات الطريق.. يقدمون نماذج ترجع لظلمات الكفر، بزعمهم، وهي قليلة، وهم كذبة في الغالب.

- والسبب؟

الواقع الذي نعيشة لا يسمح لنا بالتعامل معهم، بل لا يسمح لنا بحماية النساء اللائي يسلمن.

- طيب: كيف يمكن الإفادة من المهتدين الجدد؟، أليس هؤلاء سلاحاً لم نستخدمه إلى الآن؟

المهتدون الجدد يمكن الإفادة منهم بشكلٍ آخر، عن طريق... دعني أبسط القول قليلاً ليتضح مرادي.

- تفضل!

مَن تُسلِم الآن من الفتيات خاصة تعود إلى الكفر أو التعذيب حتى الموت، والشواهد كثيرة، وليس ثم راد للنصارى في القريب على الأقل. والرجال منهم لا نستطيع إيوائهم، وإن فعلنا تعرضنا لما هو أشد. قيل إنها جماعة، ورمونا بما لا نتحمله، فأعتقد أن وضع المهتدين الجدد مدعاة للفتوى بكتمان الإيمان، مع الأخذ في الاعتبار ما تطلبه هذه الحالة من رخصٍ في الصلاة تحديداً والتعامل مع شعائر الكافرين.


- تريد بذلك تأمين مَن يسلم؟

ليس فقط بل وأريد نصرة الدين بهؤلاء المستضعفين!!

الذين يهتدون (يسلمون) هم من لهم اهتمام بالقضية، وبعضهم يكون نشطاً في خلايا التنصير قبل ذلك، أي مطلع على عوراتهم، وله أمان حين يتحرك بينهم كونه ظاهرهم مثلهم، وبالتالي يمكنه أن ينصر الدين وهو داخل صفوف الكافرين.

وفي السيرة النبوية نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ أوصى عمرو بن عبسة أن يرجع إلى أهله حتى يظهر النبي، وأفاد من نعيم بن مسعود يوم الأحزاب ـ والقصة مشهورة. فالإفادة الكبرى من المهتدين الجدد هي أن يبقو داخل الصف الإسلام... ونحتاج ممن يثق الناس فيهم أن يدرسوا الأمر، وأن يجهروا به.

إن رد المجتمع المسلم لهؤلاء قد يجعل بينهم أبا بصيرٍ أو نعيماً بن مسعود ثانياً.

- ننزع أيدينا منهم إلى أن تصدر الفتوى؟، وبالتالي يعملون داخل صفوفهم.

لا، هذا المكان (أعني العمل داخل صفوف النصارى) هو الأفضل. وليس الوحيد، وله مآرب أخرى، أقلها ـ مما لم أذكر ـ أنه سيجعل الكنيسة من أجل الكشف عن الخارجين من ظلماتها إلى نور الإيمان ترفع مستوى الأمان، وبالتالي تمارس نوعاً من التضيق على شعبها، وتأخذ الناس بالظنة، وهذا في حد ذاته إشاعة للدعوة وللقضية. وإثارة للضجر من الكنيسة، يعجل الله به ـ وبغيره ـ زوالها.

وما يحدث الآن فيه فائدة، وفائدة كبيرة، فهو يثبت المؤمنين، والحيارى المتهوكين ممن يستمعون لشبهات النصارى.

وخروج النماذج التى كانت نصرانية ومعروفة حال كفرها، تدعو الناس للإسلام فيه فوائد كبيرة. وليس بأيدينا غير هذا الآن.

ولكن الوصول لبقاء المهتدين هناك ناشطين؛ يؤتي أكله أضعافاً مضاعفة.

- ختاماً أبا جلال:
هل من رسالة إلى القراء والمهتمين من العلماء وطلبة العلم من على منبر مكتبة المهتدين؟

رسالتي هي حواري هذا، فأنا ما تكلمت وما كتبت إلا لهم. وأرجو أن يكتب الله لكلماتي القبول...


رسالة خاصة:

نزل بنا ما لم ينزل بمن قبلنا، حتى تجرأ علينا من كان يحتمي بنا، تجرأ على أعز ما عندنا، رسول ربنا، وشريعتنا، كل الناس، القوي والضعيف.. العالم والمتعلم.. الغني والفقير يستطيع أن يفعل شيئا. ولا أحسب أن هناك عذر يجلس عاقلاً بالغاً (مكلفاً أعني) عن دفع هؤلاء. بل والله إن الحال كما قال الرجلان اللذان أنعم الله عليهما {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة المائدة: 23].

ونحن نقول القوم أمرهم هين، وفقط بالبيان يذهب الله كيدهم... فهل من مشمر؟!!

- طيب: هل هناك شيء تحب أن تضيفه في نهاية الخطاب مما لم نذكره؟

أحب أن أضيف شيئاً بخصوص المغرب العربي. المغرب العربي يفرض نفسه علينا الآن، بتواجد أفراده في المواقع العنكبوتية، وفي غرف البالتوك، بل وفي الساحة الفكرية، فقد غزت رموز من المغرب العربي ساحة غنية قوية مثل الساحة الفكرية في المملكة العربية السعودية، حتى صار لها أتباع من السعودية. والمغرب العربي يواجه غزواً شديداً من الداخل، أعني الحركة الأمازيغية، والمغرب العربي يلقى اهتماماً شديداً من جماعات التنصير، ربما يفوق اهتمامهم بمصر والجزيرة العربية.

ويحتاج المغرب العربي مساعدة... فقط نفعل الكوادر التي فيه.

- وهل فعلت أنت شيئاً؟؟

فقط أعطيت حقوق الطبع لكتابي لبعضهم دون حقوق مالية، ولو معي دفعت، وأمد يدي أبحث عن من أتعاون معه من ناحية فكرية، وأسأل الله التيسير.

ولعل كلماتي هذه تجد أذناً تسمع.

- شكر الله لكم وجزاكم الله خيراً

وشكر لكم وجزاكم خيراً.


رابط الحوار في موقع المكتبة

http://www.al-maktabeh.com/ar/interview1.php

  • 2
  • 0
  • 9,641

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً