لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ
أبو الهيثم محمد درويش
- التصنيفات: القرآن وعلومه - التفسير -
أرسل الله الرسل وخاتمهم محمداً صلى الله عليهم وسلم ليطاعوا؛ فيما جاءوا به من أمر الله ونهيه فالانقياد والطاعة للرسول هي الصلة بينه وبين من اتبعه.
أما مجرد ادعاء المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم والتغني بها والتغني بوصفه صلى الله عليه وسلم وأنت أبعد ما تكون عن طاعته فهذا هو النفاق وإلا فما كان أيسر هذه المحبة الظاهرة دون الطاعة الحقيقية على منافقي الأمس ممن رأوه وعاصروه صلى الله عليه وسلم.
ومن لم يحقق الطاعة ثم أراد العودة والتوبة فباب الله مفتوح لا يغلق أمام التائبين ومنهج الرسل جميعاً يخبر بأن ربنا غفور رحيم تواب لمن تاب من عباده بابه مفتوح للتائبين لا يغلق.
فبادر ياعبد الله بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بلغ عن ربه فإنما طاعته هي طريقك وبابك إلى الجنة جعلنا الله وإياكم من الطائعين التائبين.
قال تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:64].
قال السعدي في تفسيره: يخبر تعالى خبرا في ضمنه الأمر والحث على طاعة الرسول والانقياد له. وأن الغاية من إرسال الرسل أن يكونوا مطاعين ينقاد لهم المرسلُ إليهم في جميع ما أمروا به ونهوا عنه، وأن يكونوا معظمين تعظيم المطيع للمطاع.
وفي هذا إثبات عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله، وفيما يأمرون به وينهون عنه؛ لأن الله أمر بطاعتهم مطلقا، فلولا أنهم معصومون لا يشرعون ما هو خطأ، لما أمر بذلك مطلقا.
وقوله: {بِإِذْنِ اللَّهِ} أي: الطاعة من المطيع صادرة بقضاء الله وقدره. ففيه إثبات القضاء والقدر، والحث على الاستعانة بالله، وبيان أنه لا يمكن الإنسان -إن لم يعنه الله- أن يطيع الرسول.
ثم أخبر عن كرمه العظيم وجوده، ودعوته لمن اقترفوا السيئات أن يعترفوا ويتوبوا ويستغفروا الله فقال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} أي: معترفين بذنوبهم باخعين بها.
{فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} أي: لتاب عليهم بمغفرته ظلْمَهم، ورحمهم بقبول التوبة والتوفيق لها والثواب عليها، وهذا المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بحياته؛ لأن السياق يدل على ذلك لكون الاستغفار من الرسول لا يكون إلا في حياته، وأما بعد موته فإنه لا يطلب منه شيء بل ذلك شرك.