عندما يكون الكلام استثنائيًا
تعجَّبتُ كثيرًا كيف يكون سِحر الكلام الجميل وتحويره ليناسِب المقام وتأثيره في كوامن النَّفس البشريَّة، وإطلاق ما تحويه من قدراتٍ وملَكات، ثمَّ وقع بين يديَّ قولٌ شهير للصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وهو يصف صحابةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: "لقد خالطتُ قومًا يَنتقون الكلامَ كما يُنتقى أطايب الثمر"
محمد بن عبدالله الفريح
عندما سأل أحدُ الصحفيين توماس أديسون عن شعوره حيال 25 ألف محاولة فاشِلة قبل النَّجاح في اختراع بطارية تخزين بسيطة، أجاب: "لستُ أفهم لِمَ تُسمِّيها محاولات فاشلة؟ أنا أعرف الآن 25 ألف طريقة لا يمكنك بها صُنع بطارية، ماذا تعرِف أنت؟".
يُعدُّ أديسون من أعظم المخترِعين في التاريخ، عندما دخل المدرسةَ، بدأ معلِّموه بالشكوى من بُطء استيعابه وإهماله في حلِّ واجباته المنزلية، فقرَّرَت والدتُه أن تدرِّس له في المنزل، فقد كان أديسون مولعًا بالعلوم، ففي سنِّ العاشرة أعدَّ مختبرًا كيميائيًّا في منزله، لينتهي به المطاف إلى تسجيل ما يقارب 243 اختراعًا باسمه، كان لها الأثر الواضِح في حياة إنسان العصر الحديث.
يقول أديسون في ذلك: "إنَّ ما حققته هو ثمرة عملٍ يشكل الذكاءُ 1% منه، والمثابرة والجد 99%"، وعن اختراع المصباح الكهربائي الذي حقَّقه بعد ألفَي محاولة من التجارب الفاشلة، فيقول: "أنا لم أفشل أبدًا، فقد اخترعتُ المصباحَ في النِّهاية؛ لقد كانت عمليَّة من ألفي خطوة، ولا بد من اجتيازها للوصول إلى ذلك".
وقد دُمِّر مختبر أديسون في حريقٍ كبير عام 1914م، وفي ذلك اليوم هُرِع الابن الأكبر لأديسون (تشارلز)، باحثًا عن أبيه، فوجده واقفًا يراقب اللَّهبَ المتصاعد بهدوء، يقول ابنُه: "شعرتُ بحزن شديد من أجله، لقد كان في السابعة والستين من العمر، ولم يكن شابًّا، عندما التهمَت النيران كلَّ شيء"، وحين انتبه أديسون لوجود تشارلز صاح به قائلاً: "تشارلز، أين أمك؟" فأجاب بأنَّه لا يعرف، حينها طلب منه أن يجدها قائلاً له: "أوجدها بسرعة، فلن تَشهد منظرًا كهذا ما حييت".
وفي صباح اليوم المقبِل، تفقَّد أديسون الركامَ الذي خلفه الحريق، فقال: "هناك فائدة عظيمة لِما حصل أمس، فقد احترقَت كلُّ أخطائنا، الحمد لله يمكننا البدء من جديد".
بعد ثلاثة أسابيع من الحريق، استطاع أديسون أن يخترع أول فونوغراف (مشغل أسطوانات)، ومن جملة ما اخترع واستحدَث من الآلات والأدوات: الناسخة، وطوَّر الآلةَ الطابعة وجهاز الهاتف والحاكي والشريط السينمائي، وجعل صناعة التلفاز ممكِنة باكتشافه مصادفة لما يسمَّى (أثر أديسون) الذي أصبح أساس أنبوب الإلكترون.
بقي أن تعرف أنَّ وراء هذا المخترِع تقف أمٌّ استثنائيةٌ بكلِّ الأبعاد، فبعد أن تلقَّت رسالة من مُدرِّسة ابنها - عندما كان في الثامنة من عمره - تُبلغها بطرد ابنها من المدرسة بسبب غبائه المفرِط وضعفِ استيعابه واتهامه بخفَّة العقل، فتلقَّت الرسالةَ بكلِّ هدوء، وعندما سألها ابنها عن فحوى الرسالة؟ قالت له: "إنَّ المدرِّسة تقول: إنَّه لا يمكن قبول استمرارك في المدرسة بسبب ذكائك وعبقريَّتك المفرِطة، وهذه المدرسة لا تناسِب هذه النوعيَّة من الطلاب، فمن الأفضل البحث عن مدرسة بديلة تناسِب قدراتك"، فيكتشف ابنُها بعد ذلك فحوى الرسالة الحقيقيَّة بعد وفاتها، عندما كان يفتِّش في أوراقها، فيعقد عزيمتَه بعد ذلك أن يكون عند حسن ظنِّها فيه، ويبهر العالَم بهذه المنجزات التي كان يحدِّث نفسَه بها وأصحابه دائمًا، ثمَّ نرى بعد ذلك اختراعاته تتوالى، ولا يكاد يَخلو منها منزلٌ على ظهر هذا الكوكب.
تعجَّبتُ كثيرًا عندما قرأتُ هذه القصَّة؛ كيف يكون سِحر الكلام الجميل وتحويره ليناسِب المقام وتأثيره في كوامن النَّفس البشريَّة، وإطلاق ما تحويه من قدراتٍ وملَكات، ثمَّ وقع بين يديَّ قولٌ شهير للصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وهو يصف صحابةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: "لقد خالطتُ قومًا يَنتقون الكلامَ كما يُنتقى أطايب الثمر"، وزاد عجبي عندما أدركتُ أنَّ تلك هي وصية الله لعباده في محكم التنزيل، وذلك في قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83]، وقوله عزَّ وجلَّ: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:53]، وزاد عجبي حتى بلغ منتهاه عندما علمتُ أنَّ تلك وصيَّة خير خلق الله صلى الله عليه وسلم لأمَّته، عندما قال في الحديث الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه «من كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيقُلْ خيرًا أولِيصمُتْ» (البخاري:[6019]).
وتمرُّ بخاطري وأنا أكتب هذه الأسطر المقولةُ الشهيرة للعالِم النَّفسي النمساوي الشهير سيجموند فرويد: "نستطيع وبكلِّ جدارة أن نقاوم الهجومَ والنَّقد، لكننا عاجزون تمامًا أمام الثناء".
المراجع:
• ar.wikipedia.org
• mawdoo3.com
• فليبيديا
- التصنيف:
- المصدر: