مع التدريب..لا مستحيل!

منذ 2016-02-04

التدريب من أجل تحسين المهارات الحالية واكتساب مهارات جديدة هو الفارق بين الحقيقة والخيال في حل تلك المعادلة، فالقعود والتراخي في انتظار أن تمطر السماء ذهبًا، خطأ، والركض في محاولة تعلم واكتساب كل شيء دفعة واحدة، خطأ أيضًا.

"لا أستطيع فعل ذلك أبدًا!"
"إنها طباعي، قد تعودت على ذلك، لن أتغير حتى أموت"
"كيف تعرض عليّ وظيفة؟ لن أستطيع، أنا أستيقظ عند الظهر! أعطني حلًا آخر!"

عزيزي القاريء الكريم، هل جرّبت أن تساعد أحدًا في حل مشاكله، فيقطع عليك الطريق بهذه العبارات المغلقة؟
غالبًا ستكون الإجابة "نعم"، والحقيقة أن هؤلاء الأفراد اليائسون قد قطعوا على أنفسهم الطريق وليس عليك أنت، ولكن ما السبب؟

"القفزة" أسلوب خطأ!
يتخيل الكثير من الناس أن تحسّن أحوالهم سوف يأتي من خلال "قفزة" يتغير فيها كل شيء إلى الأفضل، ولأنهم "الآن" لا يملكون مقومات تلك القفزة؛ ينتابهم الشعور باليأس والإحباط، وأن هذا التحسن مجرد خيال لن يتحقق!!

أعزائي، التدريب من أجل تحسين المهارات الحالية واكتساب مهارات جديدة هو الفارق بين الحقيقة والخيال في حل تلك المعادلة، فالقعود والتراخي في انتظار أن تمطر السماء ذهبًا، خطأ، والركض في محاولة تعلم واكتساب كل شيء دفعة واحدة، خطأ أيضًا.

والإسلام يقرر ذلك حتى في العبادات الدينية، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعًا: "إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا أرضًا قطع، ولا ظهرا أبقى." – رواه البيهقي -
ومادام الأمر كذلك؛ فلنتعرف أولًا على معنى التدريب.

كلمة التدريب تعني:
التدريب لغة: يقال: درَّب فلان فلانًا بالشيء ودرَّبه على الشيء: عَوّده ومَرّنه. – المعجم الوسيط: د.ر.ب -
اصطلاحًا: عبارة عن نشاط منظم يركز على الفرد لتحقيق تغير في معارفه ومهاراته وقدراته لمقابلة احتياجات محددة في الوضع الحاضر أو المستقبلي، في ضوء متطلبات العمل الذي يقوم به المرء، وفي ضوء تطلعاته المستقبلية للوظيفة التي يقوم بها في المجتمع.

التدريب لماذا؟
- التدريب طريق الارتقاء: إن الذين لا يشعرون بالحاجة إلى التدريب هم أولئك الذين يعيشون على هامش الحياة، وكلما اقتربت الأمة من بؤرة الحياة المعاصرة شعرت أن حاجتها إلى التدريب والتطوير أشد، ولذا فمن غير المستغرب أن تكون أمريكا على رأس قائمة الدول المهتمة بالتدريب حيث تنفق عليه بسخاء بالغ، وتذكر بعض الإحصاءات أن أمريكا حكومة وشعبًا تنفق على التدريب سنويًا 120 مليار دولار.

ومن اللافت للانتباه أنه كان في أمريكا عام 1958 (32) محطة تلفازية تعُني بالتعليم والتدريب، ومعظم دولنا الإسلامية خالية من أية محطة تعليمية أو تدريبية إلى اليوم! (د.محمد موسى الشريف:التدريب وأهميته في العمل الإسلامي، ص:19)

- وهو طريقنا لاستيعاب التقنية الحديثة: فالتطور السريع الذي يعيش فيه العالم اليوم يوجد في كل ساعة آلات جديدة ومواد جديدة، وبرامج جديدة، تكشف وتبِّين قوانين ونظمًا جديدة في كل شيء، إلى جانب الثورة الهائلة في وسائل الاتصالات الحديثة، والتي جعلت العالم – بحق – قرية صغيرة جدًا، واستيعاب كل ذلك يحتاج إلى أن يسعى الناس إلى التدريب مهما كانت المشاق أو الصعوبات.

- الثقة في النفس وقدراتها وطاقاتها: ومن أهم الجوانب التي تبرز أهمية التدريب القصوى؛ أنه يكسب الشخص المتدرب ثقة في نفسه، وقوة في انطلاقته لم يكن يجدهما في نفسه من قبل؛ إذ المرء مجبول على الخوف مما يوكل إليه ويُناط به، ويحسب لذلك حسابات متعددة، فإن دُرِّب على ما هو مقدم عليه فإنه يزول بذلك ما يجده في نفسه من تخوف وتحسس وجهود وقصور، ويقبل راضيًا سعيدًا على ما كلف به من أعمال مهما عظمت أهميتها وصَعُب القيام بها.

- التدريب يصنع ما يُظن أنه خرافة: وهذا يعني أن التدريب والتطوير يصنعان ويحققان ما يظن المرء أنه مستحيل وغير ممكن، ومهما يكن لدى الإنسان من مواهب وقدرات وملكات؛ فستظل هذه الأشياء كلها على عظمتها وأهميتها غير ذات جدوى، ما لم يوجِد الإنسان لنفسه برنامجًا تدريبيًا تطويريًا يحوّل هذه القدرات من الحياد إلى التفاعل والإيجابية، ولكن هل هذا الكلام يفهم منه إلغاء دور الموهبة التي تأتي بقدر من الله محض ليس للإنسان فيها أي تدخل، فالموهوب يولد موهوبًا، ولا أظن أنه ظل يتدرب في بطن أمه على إتقان هذه المهارة؟

بالطبع لا، ولكن دعونا نجزم أن الموهبة بلا تدريب وتطوير وصقل لا تنفع صاحبها، فمما لا شك فيه أن الناس كلهم موهوبون، وإنما يكون الفرق بين من صقل موهبته بالتدريب والتطوير، وبين من أهمل هذه الموهبة وحطمها حتى لم يعد لها فيه أي أثر.

وانظر بنفسك عزيزي القاريء، وابحث عن أي شخص من الناجحين المميزين في أي مجال من المجالات العلوم - الرياضة – الفن – الإلقاء – التجارة وغيرها، ثم حاول أن تقارن بين بداياتهم المتعثرة وبين ما وصلوا إليه الآن من موهبة وإبداع، والفضل في هذا يعود بعد الله تعالى إلى التدريب والتطوير.

يقول أحد المدربين، وهو ينقل لنا تجربته: "لا زلت أتذكر حين بدأت محاولاتي البسيطة والضعيفة في التحدث أمام الناس، وكيف كنت في وضع لا أحسد عليه، حيث التلعثم، والتلكأ، وارتعاد القدمين، وتأتأة اللسان، وكان هذا قبل عشر سنوات، أما الآن فقد أصبح التحدث أمام الناس من المتع المحببة إلى قلبي، بل بحمد الله أصبح الكثير من الإخوة الذين يحسنون الظن يأتون إليّ طالبين مني توجيههم بأفضل الطرق للتحدث أمام الناس، وهكذا كلما بحثت في سير وقصص هؤلاء الناجحين المميزين فستجد العجب العجاب، بين بدايات بسيطة وربما تثير الضحك وبين وضع هؤلاء الناجحين الآن، حيث فعل التدريب والتطوير فعلته معهم، وحلّق بهؤلاء الأشخاص عاليًا في سماء النجاح والإبداع".

كيف يطوّر التدريب قدراتك؟
والسر الذي يخفى على الكثير ممن يتعجبون من هذا التغير الإيجابي والفرق النوعي الذي يحدثه التدريب والتطوير، هو أن التدريب يرتقي بالموهبة بطريقة بطيئة جدًا وخفية، قد لا يلاحظها المشاهد العادي، كمثل النبتة التي تسقيها كل يوم ولا تلاحظ أنها تنمو، ولكنها في الحقيقة تنمو ويزداد حجمها حتى إذا غبت عنها برهة من الزمن وعدت لتلقي نظرة إليها وجدتها شجرة باسقة وارفة الظلال، وهذا بالضبط هو أثر التدريب والتطوير ومفعوله في بناء الشخصية وتطوير الذات.

فكن على ثقة تامة من أنك مادمت تتدرب وتجتهد لتطور من نفسك فإنك ولاشك ستنمو وتنهض، حتى وإن لم تلاحظ أنت ذلك التغير، فاعقد عزمك من الآن وصمم على تطوير ذاتك ولا تقل لم أستفد شيئًا، وودّ الشيطان ودعاة الكسل والبطالة لو ظفروا منك بذلك!

التدريب أنقذ صاحبنا من الموت!
وشحذًا لهممنا في التدريب والتطوير فأنقل لكم هذه القصة الواقعية عن أحد المناضلين السياسيين في إحدى الدول، حيث يقول: حدث انقلاب ضد حكومتنا، وأودعت السجن، وأنا في السجن استطعت الحصول على بعض الأوراق وكتبت فيها منشورًا يفضح ويندد بهذه المؤامرة، ولكني لم أكتبه بيدي اليمنى بل كتبته بيدي اليسرى، وقد تدربت على الكتابة باليد اليسرى منذ فترة، ولما وقع المنشور في أيدي قوات الأمن توقع الجميع أن كاتبه هو أنا، فلما دقّقوا في الخط وقارنوه بما كنت أكتبه دائمًا قالوا كلهم بكل ثقة: هذا ليس خط فلان! وبهذا نجوت من المصيبة التي كانت ستؤدي بي إلى الإعدام ربما. (مقال:التدريب يصنع الخرافة: أ.راشد الشريف).

وأخيرًا، عزيزي القاريء: اعلم أن رحلة التطوير والتدريب لا تضمن لك النجاح إلا مع الاستمرار، وحين تقف، تقف موهبتك! فانظر أين تريد أن تقف؟ والله يضاعف لمن يشاء، والآن، هل ما زلت متراخيًا متوانيًا في تطوير قدراتك؟ قم الآن وانهض فأنت لها والله يعينك ويوفقك.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام
  • 4
  • 1
  • 6,507

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً