ثاني أوكسيد الكربون CO2
حامد بن عبد الله العلي
يجتمع غـدًا كثيرٌ من الزعماء، بمن فيهم طواغيت الغـرب المفسدون فـي
الأرض، في (قمة المناخ) ليوجّهـوا تهمة جديـدة، لـ(الإرهابي) الجديد
(CO2) أي ثاني أكسيد الكربون!
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
يجتمع غـدًا كثيرٌ من الزعماء، بمن فيهم طواغيت الغـرب المفسدون فـي الأرض، في (قمة المناخ) ليوجّهـوا تهمة جديـدة، لـ(الإرهابي) الجديد (CO2) أي ثاني أكسيد الكربون!
حتى أسموه (الشبح الذي ستلاحق لعنته مستقبل الأرض)!
غير أنَّ هذا الإرهابي الجديد مختلف جدًا عن غيره، فهو خطـر إلى درجة أنه لايدمـِّر برجين ضخمين للجشع الرأسمالي الغربي فحسب، بل يدمِّـر الكرة الأرضية بأسرها!
بينما هذا الـCO2 والله برىء، وهـم -قادة هؤلاء المجتمعون- والله هـم الإرهابيون، والأشباح المخيفة التي تلاحق مستقبل البشرية كما سنبيّن في هذا المقـال!
يقول الخبراء في الإحتباس الحراري أنَّ ثاني أكسيد الكربون -زادت نسبته 52% بسبب التلوث- هو القائد (الإرهابي) الأكبـر لأسباب إنبعاث الغازات المسببة للإحتباس الحراري الآخذ في التصاعد على كوكب الأرض، والذي إذا استمر في تصاعده فسوف يؤدي في النهاية، إلى غرق كلِّ المدن الساحلية في العالم، وجميع دالات الأنهار -دلتا مصر مثـلا ستغرق عن آخرها ويهاجر منها ملايين السكان- أما ولاية مثل فلوريدا -على سبيل المثال- فسوف تغرق بكاملها!
والحكاية بإختصار شديد هي: أنَّ الله تعالى خـلق في الأرض نظامَ تكييفٍ ربانيّ هو التيارات الباردة، والساخنة، التي تجوب الأرض كلَّها، فهي تبرِّد، وتسخِّن الأرض بالتناوب -وهذا من حكـم الليل والنهار- في توازن يحافظ على أجواء صالحـة لحياة البشر مرفّهين -وغير البشـر حتى النبات- قـد أنعم الله عليهم بتعاقب الليل، والنهار، خلفة لمن أراد أن يذَّكر نعم الله التي لاتحصى، أو أراد شكورا لها، كما خلق فيها رئة عظيمة هي الغابات التي تبعث الأوكسجين في الجـوِّ لإبقاء توازن الغازات في الغلاف الجـوي، وخلق فيها منافذ تخرج الحرارة الزائدة إلى خارج الكوكب، لئلا تحتبس فيه فتهلك البشر. كما جعل مكوِّنات الغلاف الجوي من الغازات ثابتة بتوازن مذهل عجيب، أدهش العلماء.
هذه النعم الربانية، عاملها طواغيت البشر، وعلى رأسهم أمريكا -فهي أكبر باعث لثاني أكسيد الكربون في العالم- بالكفران، فأدَّى النشاط البشري الجشع الراكض وراء الأرباح السريعـة من المصانـع، والسيطرة، والإستكبار في الأرض، إلى ضخِّ كميات خيالية من ثاني أكسيد الكربون، وغيره من الغازات، من المصانع، مصانع الطاقة، والآليات الضخمـة، والسيارات، وملوثات البيئة الأخرى، وإلـى الإفراط في إحراق النفط، والفحم، والخشب، والقش، ومخلّفات المحاصيل الزراعية... إلـخ، وإهـلاك كثير من الغابات التي تحافظ على توازن مكونات الغلاف الجوي. فزاد معدل الكربون والغازات الملوثة الأخرى بالجـوِّ، فاحتبست الحرارة في الغلاف الجوي، غير قادة على النفاذ خارجه، فاختل توازن التيارات الباردة، و الساخنة، بسبب الإحتباس الحراري، واضطرب المنـاخ بشكلِّ عام في الكوكب. ولهذا ظهرت أعصاير في أماكن لم تكن موجودة من قبل، وانتشرت حرائق الغابات الضخمة، ونزول الأمطار بالفيضانات المفاجئة الهائلة. ويتكلم الخبراء عن كوابيس أخرى غير غرق المدن الكبرى، وانتشار التصحُّر، فيما لو استمر -لاسمح الله- الإحتباس الحراري على وتيرته، حتّى إنه يؤدّي إلى نموّ الفيروسات، والجراثيم، وغيرها من أسباب الأمراض، وانتشار القوارض، والبعوض، والذباب، وهلاك ثلث الأنواع الحيوانية، و النباتية، والمجاعـات، والكوارث... إلخ.
ولاريب أنَّ سببَ هذا الكابوس الكارثي المدمّر على البشريّة هو طغيان الإنسان، الذي يقوده في هذا العصر طغيان الرأسمالية الغربية الجشعة، فهي كما تدمّر النظام المالي بجشع الربا، تدمّر النظام البيئي أيضا بجشع المصانع الملوِّثـة.
وما أصدق ما قاله الخبير الإقتصادي الغربي لستر ثرو Lester. Thurow: "النظام الرأسمالي نظام لا تحكمه مبادئ، بل تحكمه المصالح، ولكل شيء ثمنه، يخلق غابة من المجتمع ينتج عنه الإجرام، والتشرد، والمظالم الاجتماعية".
هذا الجشع الذي أدى إلى جوع خمس سكان العالم، حتى ورد في التقريـر الذي أطلقة البرنامج الإنمائي بالأمم المتحدة -تقرير التنمية البشرية السنوي العاشر والأخير-: "متوسط الدخل في أغنى خمس دول في العالم يبلغ (74) ضعف متوسط الدخل في أفقر خمس دول في العالم والتي تتركز جميعها في أفريقيا".
هذا التفاوت المخيف، لاريب سببه ذلك الجشع المجنون لطغيان الرأسمالية المادية التي لاتبالي سوى بالكسب المالي من أيِّ وجه كان، وإلى الثراء السريع بأيّ طريق، حتّى لو أدّى ذلك إلى إفساد النظام البيئي، وإلى تخريب ما أنعـم الله به على البشرية كلِّهـا مـن غلاف جوّي يحمي البشرية من الهلاك، كما يحمي جلد الإنسان جسده مما حوله من الإخطار المحدقة.
لقد كانت أوّل سورة نزلت في غار حـراء على المبعوث رحمة للعالمين، تحذِّر من طغيان الإنسان، قال تعالى في سورة العلق: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ} [العلق:6-7].
وهذا الطغيان العالمي المدمـِّر، لن يتوقف حتى تشرق شمس الإسلام على البشرية من جديد، وتتولى رسالته الهادية قيادة الإنسانية إلى شكر نعمة الله تعالى، فالإسلام، نعمة الله على البشرية جمعاء، جاء ليعظم المبادىء الداعية إلى نشر الصلاح، ومحاربة الفساد، داعيا إلى غرس كلِّ ما فيه صلاح الأرض.
في الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة. وما سرق له منه صدقة. وما أكل السبع منه فهو له صدقة. وما أكلت الطير فهو له صدقة. ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة» [صحيح مسلم].
وقال: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها» [صحيح الأدب المفرد].
وفي هذين الحديثين مبدأ عظيم، وهو أن لايحتقر الإنسان أي إسهام ولو كان صغيرا، وفي أي وقت كان، لتعزيز مبدأ من مبادىء الخير العامة في الأرض، فإنها إنما تقوم على مجموع الجهد البشري، والعكس بالعكس، فأي إفساد صغير، يتراكم مع غيره، فقـد يؤدي في النهاية إلى تعاسة البشرية جمعاء، والإحتباس الحراري مثال.
وإذا كنا سنوجه رسالة في ختام هذا المقال لقمة المناخ الذي ستعقد غدا فهي: أن ياطواغيت الغرب، وعلى رأسهم أمريكا، كفاكم نفاقا، تفسدون في الأرض، وتملؤونها خبالا، ثم تعقدون مؤتمرات لمجرد إرضاء الخبراء الخائفين على الحياة على كوكب الأرض من طغيانـكم، ثم لاتفعلون شيئا، لتخفيض مصانعكم المدمرة، وترسانات السلاح المخيفة، ومفاعلاتـكم النووية الملوثة، سوى السيطرة على المزيد من النفط، والغاز، لمزيد من التلويث، والإستكبار، والتخريب، والدمار.
فيا مجرمي الـ (CO2) (سيئوا) ما شئتم، فـ {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء:123]، وسيرتد عليكم جشعكـم بالخسران.
أما الإسلام الذي تحاربونه، وتتهمونه، فسوف يبقى شامخا أبـدًا، حاملا بيده بذور الخير للبشرية، والمستقبل له بإذن الله تعالى.