نفوس (متلصمة)

منذ 2016-02-06

إن من الأنفس البشرية ما تصلح كلمة عامية جامعة لأن تكون عنوانا لها (متلصمة)؛ نفوس يمكنك أن تقول عنها أنها: نفوس (متلصمة).

ومتلصمة كلمة عامية شهيرة مفادها أن هذا الشىء الموصوم بالتلصيم أقل شىء يكسره وأهون مؤثر يغيره وأتفه حدث يؤذيه ويزعجه.

وكذلك تلك الأنفس.. أقل شيء يكسرها وأهون ابتلاء يزلزل أركانها وأي معصية أو غلطة تدمرها وأتفه فتنة تذهب بها ويكأنها تتأرجح على حافة السقوط تنتظر دفعة يسيرة لتقع بعدها وتتهشم ثم تتردى مهزومة أمام تلك المؤثرات بضعف منقطع النظير!

من أشهر تلك المؤثرات أخطاء المتدينين أو من يظن بهم الصلاح؛ أن تطلع على عيوب بعض المتدينين أو تنكشف لك سوءات وعورات تخص بعض من كنت تحسبهم على خير؛ فذلك اختبار صعب بلا شك؛ لكن لا تظن أبدا أنك وحدك من تتعرض لهذا الاختبار أو إن شئت فقل: لتلك الفتنة!

الحقيقة أنها فتنة واختبار وامتحان متكرر ولا أظن أن منا من لم يتعرض لمثله بل ربما لأبشع منه كثيرا وللأسف قليلون من يثبتون في مواجهة هذا الاختبار ولا تتغير نظرتهم للدين نفسه أو يسوغوا لأنفسهم الشك في الطريق والمنهج بسبب تلك السوءات من بعض المنتسبين له!

هذه هي المشاهدة الواقعية التي ينبغي ألا يتم إغفالها وتجاهل حقيقة أن أكثر الناس يتأثرون وربما يفتنون بأفعال المتدينين وأخلاقهم وينظرون دوما إلى صنيعهم ولذلك راعى النبي هذا الأمر واعتبره فقال: «إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ» (رواه البخاري ومسلم).

ولو كانت مسؤولية كل شخص عن نفسه وحسب وليس له علاقة بمن يفتنون بسببه فلماذا أقر النبي أن هناك من ينفر عن الدين بسبب أهل الدين من المنفرين.

نعم هي ليست حجة مبررة لأفعال وتفريط النافر لكنها حجة على المُنَفِّر والمستهين بكونه في موضع الاقتداء والمتغافل عن كون مقام الرجل الصالح في نفس الإنسان البسيط -حتى ولو كان هذا الإنسان عاصيا- هو مقام كبير ومهم ينبغي أن يُصان وأنه إن سقط في النفس كانت النتيجة لا تحمد عقباها.
يقول الله: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيم} [النحل:94] .

قال ابن كثير مفسرا هذه الآية: "حذر الله عباده من اتخاذ الأيمان دخلاً: أي خديعة ومكراً لئلا تزل قدم {بَعْدَ ثُبُوتِهَا} مثلٌ لمن كان على الاستقامة فحاد عنها، وزل عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة، المشتملة على الصد عن سبيل اللّه".

كل هذا وغيره يضاعف من مسؤولية القدوات وأهل الديانة وأصحاب السمت ويجعل من الضروري أن يتم الالتفات إلى خطورة دعوة الحال والمعاملة وعدم الاكتفاء بدعوة اللسان والكلام وأن كثيرا مما يتهاون فيه البعض من الأفعال يعد من الصد عن سبيل الله وسبب لأن تزل قدم عن طريق هداية كانت قد ثبتت عليه يوما ما؛ لكن كثرة المتساقطين في هذه الفتنة لن تبررها أبدا ولن تصححها إلا في أنظار أولئك المتساقطين..

كثرة الهالكين لا تثبت شيئا أو تنفي شيئا {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ .... وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [يوسف:103و106].

طالما لم يثبتوا أن الدين أو المنهج هو الذي يأمر بتلك الزلات ويؤدي لهذه السقطات والسوءات فحينئذ فما هي إلا معاذير وحجج فارغة يبررون بها سقوطهم مع من سقط ويسكنون بها جراح فطرتهم التي نكسوها عمدا بهذا التربص والتعذر و"الحرف" الذي كانوا يعبدون الله عليه {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج:11]؛ أو كما يقال بالعامية: (كانوا بيتلصموا وما صدقوا يلاقوا عيب).

نعم هذه حقيقة الأمر باختصار؛ (تلاصيم)؛ ساعدهم عليها أقوام قبلوا أن يكونوا فتنة وتناسوا دعاء الصالحين الذي علمهم إياه رب العالمين {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة: 5].

  • 1
  • 0
  • 7,626

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً