كم تجيد توظيف المواقف؟
كم نحتاج في كثير من الأحيان لنعيد قراءة المواقف التي تمر علينا كل يوم ونعيد توظيفها واستخدامها بما يعود علينا بفهمٍ جديد أو توظيف أكثر نفعاً، فمن يدري ربما بهذه الميزة الاستثنائية نصبح أيقونات في هذا العالم!
وُلِدَ محمد علي كلاي في عام 1942م في مدينة لويزفيل بولاية كينتاكي الأمريكية، لأسرةٍ فقيرة من الزنوج الأمريكان، وعانى مع أسرته من سياسة التفرقة العنصرية التي كانت سائدة في هذه الفترة. وكانت بدايته في عالم الملاكمة عام 1954م، في تلك الأثناء لم يكن الصبي كاسيوس مارسيلس كلاي قد تجاوز الـ12 من عمره عندما سرق أحدُ الأشخاص دراجته الهوائية وهو يلعب مع أحد أصدقائه في إحدى صالات الألعاب بالمدينة، وثار الصبي ثورةً عارمة عندما اكتشف سرقة دراجته، وتلفظ بألفاظ التهديد والوعيد قائلاً: إنه سيسحق السارق سحقًا أو يضربه ضربًا مبرحًا عندما يعثر عليه. وتوجه بالكلام إلى رجل شرطة وجده أمامه، فما كان من رجل الشرطة إلا أن سخر من الصبي الطويل النحيف قائلاً له: "من الأفضل لك أن تتعلم الملاكمة أولاً قبل أن تحاول ضرب أحد". ولم يخطر ببال هذا الشرطي أنه -بهذه الجملة الساخرة- كان سببًا في تغيير مسار حياة هذا الصبي، وتوجيهه إلى تعلُّم الملاكمة ثم احترافها.
تعجبت كثيرًا وأنا أقرأ قصة هذه الأيقونة العالمية التي أبهرت العالم بإصراره وصبره على هذه الرياضة العنيفة والمرهقة، إذ تعد الملاكمة من أكثر الرياضات إجهادًا وإيلامًا وأكثر خطورة على حياة ممارسها. وتعجبت أكثر من هذا الشرطي عندما رد عليه بهذه الكلمات الباردة وهو يستشيط غضبًا بسبب سرقة دراجته، ولم يكن يعلم أنه بهذه الكلمات الباردة رغم قساوتها قد أشعلت نارًا لا يخمد أُوارها داخل قلب هذا الشاب اليافع، وتعجبت أكثر من طريقة تلقي محمد علي لهذه الكلمات ووقعها عليه وكيف أنها كانت سببًا لأن يفكر بطريقة استثنائية في رياضة الملاكمة ليسجل اسمه بعد ذلك في سجلٍّ قلَّ أن ينساه الناس يوماً. ولا ينقضي العجب من هذه القصة إذا كيف استثمر هذا الشاب هذه الواقعة المأساوية بالنسبة إليه في حينها لتكون سبباً في حرف مساره لاتجاهٍ يجيد الخوض فيه.
كم تمرُّ علينا في اليوم والليلة من مواقف مشابهة؟ وربما أقل قسوة من قصة محمد علي وربما أكثر، وكم نستفيد منها ونوظفها لصالحنا؟
يقول الباحث زاهد بخاري -وهو زميل في مركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون-: "إنه إذا طُلب من المسلمين في جميع أنحاء العالم أن يذكروا أسماء أكثر خمس شخصيات إسلامية محبوبة في القرن الـ20، فإنني واثق من أن هناك شخصيتين ستكونان ضمن الخمس: وهما محمد علي، ومالكولم إكس".
كم نحتاج في كثير من الأحيان لنعيد قراءة المواقف التي تمر علينا كل يوم ونعيد توظيفها واستخدامها بما يعود علينا بفهمٍ جديد أو توظيف أكثر نفعاً، فمن يدري ربما بهذه الميزة الاستثنائية نصبح أيقونات في هذا العالم!!
خاطرة:
ما أجمل قول المتنبي:
وكلُّ امرئٍ يوْلِي الجميلَ محبَّبٌ *** وكلُّ مكانٍ ينبتُ العزَّ طيِّبُ
محمد بن عبد الله الفريح
- التصنيف:
- المصدر: