خطب مختارة - [46] الانتخابات البلدية ودورنا

منذ 2016-02-08

الانتخابات آلية يُقصد منها أن يَسعى بها الناس إلى اختيار من يرونه الأمثلَ لولاياتٍ محددة، ولذلك يُعتبر صوت الأغلبية عاملًا مرجحًا في هذا الاختيار.

الخطبة الأولى:

الإخوة الكرام، تبدأ هذه الأيام مراحل الانتخابات البلدية. والانتخابات آلية يُقصد منها أن يَسعى بها الناس إلى اختيار من يرونه الأمثلَ لولاياتٍ محددة، ولذلك يُعتبر صوت الأغلبية عاملًا مرجحًا في هذا الاختيار.

والمقصود هنا التصويت على اختيار المسؤول، وليس التصويت على سن التشريعات كما هو في الحكم الديمقراطي، وشتان بين هذا وذاك، فإن رأي الأغلبية عنصر يمكن أن يسترشد به صاحب القرار فيما يسوغ فيه الاجتهاد البشري، ولقد أعمله النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا - في خروجه لأُحد حينما نزل عن رأيه ورأي أبي بكر إلى رأي أغلب الصحابة، لكنه لم يعتبر رأي أحدٍ من الناس فيما أتى فيه التوجيه الرباني،   {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]. 

أيها الإخوة، إن هذا الاختيار الذي وُكِلَ إلينا نحن المواطنين سلاح ذو حدين، إن أحسنا أداءه كان نافعًا وإيجابيًا، وإن أسأنا عاد بالوبال علينا وعلى مجتمعنا الحبيب.

فيجب أن ندركَ جميعًا أننا هنا إزاء واجبين. وهذا ينطبق على ما نحن بصدده من مناسبة الانتخابات البلدية، وعلى ما يشابهها من فرص إصلاحية نتطلع إلى المزيد منها، طالما أنها لا تتصادم مع شريعتنا الغراء ولا تتعارض مع أحكامها وتوجيهاتها السامية الكريمة، وهي تعمل على تفعيل مبدأ إصلاحي في غاية الأهمية: ألا وهو تنصيب الأكفأ واختيار الأولى، فما هما هذان الواجبان في مثل هذه الفرص الإصلاحية ؟ والجواب:

أما الواجب الأول فهو واجب كفائي، يتجسد في حرص المسلم على أن يستثمر صوته الذي أتيح له، وهو جزء من واجب الإصلاح المنشود، لمن يحرص على تحقيق المصالح في نفسه ومجتمعه وينشد الخير والنفع في أمور الدين والدين.

وأما الواجب الثاني فهو أن يكون الاختيار للأكفأِ والأمثلِ والأصلح، بعيدًا عن كل الاعتبارات العنصرية أو الشخصية، فهاهنا لا قبلية ولا مناطقية ولا حزبية فضلًا عن المصالح الشخصية أو المنافع المادية التي تَعني بيعَ الأمانة وضياعها. إن هذا الصوت المتاح أمانة يقدّمه المنتخِبُ لمن يرى أنه الأصلحُ في هذه المسؤولية تحديدًا.

إن اختيار الأصلحِ في المسؤوليات، والسعيَ إلى تعيين الأكفأِ؛ واجب شرعي لا يجوز التفريط فيه قدر المستطاع، فاختيار الأكفأ فيه حفظٌ لحقوق الناس، وأداءٌ للأمانات، ووصولٌ إلى ما هو أمثل؛ من مصالح المجتمع الدينية والدنيوية. وإن في تضييع ذلك مفاسدَ عظيمةً على الأفراد والمجتمع. ولقد عانت كثير من المجتمعات والشعوب بسبب تولي من ليس بأهلٍ في المواقع المختلفة التي ترتبط بها مصالِحُهم وأمورُ معاشهم ؟ سواءً كان ذلك من أمور الدين أو أمور الدنيا.

يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء: 58]، قال الإمام السعدي تعليقًا على هذه الآية: فالأمانات يدخل فيها أشياءُ كثيرة، من أجَلِّها: الولاياتُ الكبيرةُ والصغيرة والمتوسطة، الدينيةُ والدنيوية، فقد أمر الله أن تؤدى الأماناتُ إلى أهلها بأن يُجعل فيها الأكْفاء لها، وكلُّ ولاية لها أكْفاءُ مخصوصون، وإن صلاح الأمور بصلاح المتولين والرؤساء فيها والمدبرين لها والعاملين عليها، فيجب تولية الأمثل فالأمثل، فإن صلاح المتولين للولايات الكبرى والصغرى عنوان صلاح الأمة، وضده بضده. ا.هـ [القواعد الحسان 1/98- 99    بتصرف )

إخوة الإسلام، لقد حسمت الشريعة الغراء معاييرَ الكفاءة فيمن يُختارون للولايات المختلفة صغيرةً كانت أم كبيرة، إنهما معياران رئيسان نص عليهما كتاب الله تعالى، وحفلت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعمالهما في كل المجالات.

المعيار الأول: الأمانة، والمعيار الثاني: القوة، قال تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26]

إن المعيار الأول وهو الأمانة: وهي تعني مراقبةَ ذلك المتولي لله تعالى فيما تولاه، وحرصَه على تحقيق المصالح العامة؛ أداء للواجب وقيامًا بحقوق الآخرين، هي تعني –كذلك- إدراكَه بأنه مؤتمن فيستشعر المسؤولية التي سوف يسأله الله تعالى عنها يوم القيامة.

أما المعيار الثاني وهو القوة: فهي تعني القدرةَ على القيام بهذه المسؤولية وما تتطلبه من علم أو مهارة أو صفات، ولذا فإن هذه القوة تُطلب بحسب نوع تلك الولاية ومجالها، فقوة الطبيب مثلًا تكون في قدرته على تشخيص الأمراض، ووصف العلاج المناسب للداء، وقوة المهندس في قدرته على التخطيط والأداء الهندسي، وقوة الإداري تتجلى في حسن إدارته للفريق وتحقيق الأهداف من خلالهم بنجاح، وقوة المدرس في علمه وفي قدرته على إيصال المعلومة إلى طلابه، وقوة العالم في سعة علمه وفي قوة استنباطه وفي وعيه بأحوال الناس وواقعهم، وهكذا فالقوة بحسبها في كل مجال.

نسأل الله التوفيق والسداد فيما نقول ونعمل ونختار. أقول قولي هذا وأستغفر الله...

الخطبة الثانية:

سئل العلامة الشيخ عبدالله بن جبرين عضو هيئة كبار العلماء رحمه الله عن المشاركة في هذه الانتخابات البلدية بالتسجيل والترشيح، فأجاب:

نظرًا لأهمية هذه الانتخابات وآثارها المنتظرة في تحسين وضع البلاد، واختيار ما له أهمية ومصلحة في البلاد والعباد، فإننا نرى أهمية المشاركة في هذه الانتخابات، واختيار الأفضل من المرشحين من أهل الخبرة والمعرفة والصلاحية، لخدمة المشاريع البلدية، ورجاء أن يكون المرشحون من أهل الصلاح والإصلاح، والعمل فيما يكون سببًا في الاستقامة واختيار ما يناسب البلاد، واختيار الأشخاص الصالحين المصلحين، ممن يرجُون الله والدار الآخرة، وينصحون لولاة الأمر وللمواطنين، فمتى تقدم أهل الخبرة وأهل المعرفة وأهل الاستقامة لاختيار من لهم صلاح ومعرفة، فإن ذلك خير في الحال والمآل والله أعلم.

أيها الإخوة الكرام، إن مأمول المسلم الواعي من الإصلاح المجتمعيِّ كبير، فالمجتمع المسلم ينشده الجميع مجتمعًا نموذجيًا تنعكس عليه معالم الرقي الديني والدنيوي، فلنكن إيجابيين مع كل خطوة تتجه إلى الإصلاح.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا. اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم في شرارهم يا رب العالمين.

  • 22
  • 3
  • 41,902
المقال السابق
[44] الامتحانات
المقال التالي
[47] الباب الذي لا يغلق؛ التوبة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً