علة تحريم الدخان والأدلة عليه
يجمع الدُّخَان أوصافًا عديدة مُسْتَخبثة، كل واحدة منها كافية للقطْعِ بتحريمه؛ ولذلك أفتى العلماء المحقِّقون في كل عصر ومصر بتحريمه، وهذه الأوصاف هي..
يجمع الدُّخَان أوصافًا عديدة مُسْتَخبثة، كل واحدة منها كافية للقطْعِ بتحريمه؛ ولذلك أفتى العلماء المحقِّقون في كل عصر ومصر بتحريمه -منهم مَن سَبَقت الإشارة إليهم-، وهذه الأوصاف هي:
1- أنَّه خبيثٌ معدود من الخبائث عند ذَوي الطباع السليمة، ولا ينازع في خبثه إلاَّ مُعانِد مكابر، فإن خبثَه واضحٌ في طَعْمه الْمُرِّ ورائحته الكريهة التي تُؤذِي الناس الذين لا يستعملونه، خصوصًا في مَجامع العبادات كالصلوات وغيرها، فالخبيث يُعْرَف بآثاره وما يترتَّب عليه من مفاسد، وقد جعَلَ الله تعالى من صفات محمد صلى الله عليه وسلم أنَّه: يحلُّ لأُمَّته الطيِّبات، ويُحَرِّم عليهم الخبائث، فقال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف من الآية:157]، ويصدق وصْفُ الخبيث على كلِّ ما لا نفْع فيه إطلاقًا، أو ما مَضرَّته أكثر من نفْعه، ولكن رائحته تغلب نفْعه بإيذاء الناس في كل مكان، خصوصًا أماكن العبادة.
2- كونه مُخدِّرًا ومُفتِّرًا؛ أي: يُورِث الفتور والخدر في الأطراف، وهو مُفتِّر باتفاق الأطبَّاء وكلامهم حُجَّة، ثم هو قد يُسْكر أحيانًا لبعض الناس، خصوصًا إذا فَقَده ثم شَرِبه أو أكثر منه، كما صرَّح بذلك غيرُ واحدٍ من أهل العلم، وغيرهم ممن جرَّبه ثم تَرَكه.
والمراد بالإسكار أيضًا مُجرَّد تغطية العقْل، وإن لَم تكنْ معه الشدَّة المطربة، ولا ريبَ أنَّ ذلك يحصل لِمَن يَشربه، خصوصًا لأوَّل مرَّة، ولا يُماري في ذلك إلا مُكابر للحسِّ والواقع، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر أنه قال: « »، وفي رواية لمسلم: « » (صحيح مسلم: [2003])، وفي روايةٍ لأبي داود والترمذي عن عائشة مرفوعًا: « » (سنن أبي داود: [3687]، سنن الترمذي: [1866]).
وروى الإمام أحمد وغيره عن أُمِّ سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نَهَى عن كل مُخَدِّر ومُفَتِّر".
3- كونه مضرًّا بالصحة من جهات مختلفة، ومن أخطر أسباب الهلاك، وقد ثبتَ ذلك بإخبارالأطبَّاء المعتبرين كما سبَق بيانُه، وكلُّ ما كان كذلك يَحْرُم استعماله اتِّفاقًا، وقد قال تعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، وقال سبحانه: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93].
وأخبر صلى الله عليه وسلم: أنَّ قاتِلَ نفسه يكون في النار يوم القيامة؛ فمتناوِل الدُّخَان قد عرَّض نفسه للقتْل السريع أو البطيء، وسبَّب لها شقاء الدنيا وعذاب الآخرة.
4- كونه مُسْرفًا، فالنفقة فيه من الإسراف المذموم فاعلُه؛ إذ ليس فيه نفْع مُباح خالٍ من الضرر؛ بل فيه الضرر المحقَّق بإخبارأهْل الخبرة، وقد قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، وقال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:26-27].
فكيف يرضى عاقلٌ أن يَعْصي ربَّه، ويُفَرِّط في ماله، ويُطيع الشيطان عدوَّه فيما يضرُّه، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينهى عن إضاعة المال، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنَّ مما يسأل الإنسان يوم القيامة عنه: ماله « » (سنن الترمذي: [2417])، والنصوص في النهي عن الإسراف في كل شيء أكثرُ من أن تُحصر.
من كتاب: البيان في أضرار الدخان
- التصنيف:
- المصدر: