لماذا النشاط المحموم في تأييد اختلاط الجنسين في بلاد الحرمين؟!
منذ 2009-12-25
هذا خطأ يجب تلافيه، وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه...
وبعد، ففي الأربع سنوات التي مضت من ولاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله ووفقه لما فيه رضاه خطا التعليم الجامعي خطوات قوية سريعة، وقفز قفزة هائلة زاد فيها عدد الجامعات في المملكة على عشرين جامعة، وشملت جميع مناطق المملكة، وقد كانت الجامعات في ست مناطق من مناطق المملكة الثلاث عشرة، وقد كان أبناء سبع مناطق إذا أكملوا الدارسة الثانوية انتقلوا من مناطقهم إلى المناطق التي توجد فيها الجامعات وصاروا فيها غرباء عن أهليهم، وقد تحقق لهم في هذه الفترة الوجيزة فتح الجامعات في مناطقهم مما أغناهم عن الاغتراب عن أهليهم وذويهم، وذلك انجاز عظيم يُذكر ويُشكر للملك عبد الله حفظه الله.
ومن الجامعات التي قام بإنشائها خادم الحرمين حفظه الله: (جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية)، وقد أولاها حفظه الله عنايته وهيأ لها من الإمكانات ما يؤمل أن يتحقق لها من قوة في مجال اختصاصها تعود آثاره على هذه البلاد وغيرها بالنفع العظيم والفائدة الكبيرة على الوجه الذي يرضي الله عز وجل وينفع عباده، ولا شك أن من الخير لهذه الجامعة ولمؤسسها حفظه الله ولبلاد الحرمين حرسها الله أن تصان هذه الجامعة وتحفظ من أي شيء لا تقره شريعة الإسلام التي مكن الله للدولة السعودية في هذه البلاد؛ بسبب قيامها بها وتطبيقها لأحكامها، فتصان من كل ما لا يسوغ شرعاً وعلى الأخص اختلاط الجنسين في قاعات الدراسة وغيرها، وقد طلبت من عدد أثق بهم الاطلاع على موقع الجامعة في شبكة المعلومات فأخبروني بوجود التبرج والاختلاط، والواجب أن تكون دارسة الطالبات وكل ما يتعلق بهن في أماكن خاصة بهن لا يكون فيها مجال لاختلاطهن بالرجال.
وهذه الجامعة اكتسبت قوتها الحسية والمعنوية من قوة مؤسسها حفظه الله، لذلك نشطت الصحف وكثير من كتَّابها المفتونين بتغريب المرأة في بلاد الحرمين في تهوين أمر الاختلاط والنيل ممن ينادي بمنعه لتسلم هذه البلاد وأهلها من آثاره السيئة في العاجل والآجل، وتجاوز ذلك إلى استقطاب بعض الصحف بعض الكتَّاب من خارج البلاد الذين ابتليت بلادهم بالاختلاط في التعليم الجامعي فما دونه في جميع المجالات لتهوين الاختلاط وأن المحذور فيه خلوة الفتى بالفتاة فقط، كالذي ركز في كلمته في صحيفة المدينة بتاريخ 2/11/1430هـ على أن الاختلاط الجامعي ليس فيه خلوة محرمة، وكالذي قال في (صحيفة المدينة) بتاريخ 30/10/1430هـ: "إن المحرَّم في مفهوم الاختلاط هو فقط الخلوة بغير المحارم"، "وأن الحديث عن الفصل هو أمر تعسفي وغير حقيقي وغير واقعي!!".
ولو وقف الأمر على تهوين أمر الاختلاط في التعليم على الصحافيين والكتَّاب التغريبيين من داخل البلاد وخارجها لكان الأمر أخف سوءاً؛ لأنه ليس بغريب أن ينفق كل إنسان مما عنده، لكن الذي زاد الأمر سوءاً والخرق اتساعاً أن يلحق بركب الصحافيين والتغريبيين أحد المنتسبين إلى العلم الشرعي ومَن هو على رأس موقع شرعي كبير فيُهوِّن من شأن الاختلاط في التعليم الجامعي، فقد نشرت له (صحيفة الرياض) بتاريخ 5/11/1430هـ مقالاً مطولاً تخبط فيه في أمر اختلاط الرجال بالنساء في التعليم الجامعي، وأنحى باللوم على الذين يحذِّرون منه لما فيه من أضرار كبيرة على بلاد الحرمين في الحال والمآل، وهذه نماذج من كلامه المتهافت، قال: "ولقد سمعنا جميعاً عن التوجس من الاختلاط، بحجة تطبيق مفاهيم الإسلام في صيانة المرأة، وحراسة فضيلتها، وعفافها، فكان من الأسف الخلط في هذا: "الاختلاط"، وهو ما لا يعرف في قاموس الشريعة الإسلامية إلا في أحكام محدودة -كمباحث الزكاة- المنبتة الصلة عن معنى هذا المصطلح الوافد"، وقال: "وفرق بين لقاء تجمعه الحشمة والعفة على رؤوس الأشهاد، متوخياً التحفظ من أي طريق قد تفضي للمحظور الشرعي، وبين لقاء على غير هذا الهدي الإسلامي المبارك!!"، وقال: "إننا لا نجد فرقاً بين جمع عام مشمول بحسن المقصد وسمو الهدف، يجتمع ــ على نبل غايته ورحابة فنائه ــ الرجال والنساء، يحفهم السمت المنوه عنه، وبين جمع آخر بين الرجال والنساء على مقصد تعبدي نجده تحديداً في طوافهم سوياً بالبيت العتيق، وسعيهم بين الصفا والمروة، ورميهم الجمار على صعيد واحد، تتجلى في جمعهم المبارك آداب الإسلام الرفيعة، وكل هذا مشمول بالمدلول اللغوي والمصطلح المحدث للاختلاط فهل نمنعه، أو نغالي في التوجس ونقول: ينظم ذلك، فساعة للرجال وساعة للنساء؟!"، وقال: "والعجب من أناس احتاطوا تحت ذريعة سد الذرائع في أمور لم يجر الاحتياط لها في شعائر الإسلام، فناقضوا مشروعهم ونعوا على أنفسهم، ولا شك أن شيوع مصطلح الاختلاط بدل الخلوة غير الشرعية من الجناية العمدية على المصطلحات الشرعية، وتحميل نصوصها ما لا تحتمل، بل زاد الأمر حيث اكتسى هذا المصطلح الغريب حصانة منتحلة...!"، وقال: "ولا نختلف أنه ما أعاق تقدم الأمة من شيء مثلما أعاقته التوجسات والأوهام، ولا يخفى أن الفوات العلمي، وغياب معاني النصوص، واحتكار الصواب، وتلقف السائد، دون عرضه على محك النصوص، جناية على الشريعة والأمة"، وقال: "وما ظلم الإسلام مثلما ظلم بالافتراء عليه، وتعظم الفرية عندما تستعار له بعض المفاهيم الوافدة والتصورات القاصرة، على أنها من دين الله وما هي من دين الله، ويزيد الأمانة علة عندما تترسخ هذه المفاهيم على مر السنين ويشتد عودها، وتعالجها النفس من الداخل على أنها دين تدين الله به، في حين لا تعدو كونها عادة وسلوكاً سائداً أكسبه الوقت القرار في النفوس، يلوح في الأفق كالفجر الكاذب لا يجليه إلا ضياء الصبح!!".
وقد ذكّرني هذه الكلام الهابط كلاماً ساقطاً ذكره الحافظ ابن حجر في (الفتح، 4/364) وعقَّب عليه بقوله: "وهو كلام آذى قائله به نفسه، وفي حكايته غنى عن تكلف الرد عليه"، ومن الناس من يُبتلى بكلام يكون سبباً في إسقاط نفسه، وقد قيل: كم من كلمة قالت لصاحبها: دعني، ولو رفع اسم هذا المسؤول المكبَّر عن مقاله لتبادر إلى الأذهان أن كاتبه شخص لا علاقة له بالعلم الشرعي، وصدق الأديب الذي قال: حصوننا مهددة من داخلها، وقد ختم هذا الكاتب مقاله بكلمة جميلة فقال: "وكل سيحاسب على قوله وفعله، ودين الله لا يخاطر به ولا يزايد عليه"، والمأمول منه وفقه الله أن يكون أول المستفيدين من هذه الكلمة فيتقي الله في نفسه وفي غيره ويرجع عن هذا المقال الذي شانه ويتبرأ منه فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ويحضرني بمناسبة هذا النشاط الجديد في الصحف بنشر ما فيه تأييد الاختلاط في التعليم الجامعي وغيره قصة للخليفة العباسي المهدي رحمه الله ذكرها جماعة من العلماء منهم السيوطي في (تدريب الراوي، 1/285) قال في معرض ذكر أقسام الوضاعين للحديث: "وقسم تقربوا لبعض الخلفاء والأمراء بوضع ما يوافق فعلهم وآراءهم، كغياث بن إبراهيم حيث وضع للمهدي في حديث «لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر» [صححه الألباني]، فزاد فيه: "أو جناح"!!!؛ وكان المهدي إذ ذاك يلعب بالحمام، فتركها بعد ذلك وأمر بذبحها، وقال: أنا حملته على ذلك"...
وقد أحسن الخليفة المهدي في تخلصه من الحمام الذي كان يلعب به لكونه سبباً في وقوع ذلك الرجل في هذه الورطة، وخادم الحرمين حفظه الله أولى بمثل هذا الإحسان من المهدي، فالمؤمل منه حفظه الله التقرب إلى الله بإصدار أمره المطاع بمنع الاختلاط بين الرجال والنساء في هذه الجامعة التي تورط بسببها من تورط، وكذا منع الاختلاط في المجالات الأخرى في بلاد الحرمين، وحصول هذا الإحسان منه أعظم من الإحسان الذي حصل من المهدي؛ لأن لعب المهدي بالحمام الذي تخلص منه لا يتعدى ضرره إلى غيره، وأما الاختلاط فإن الإحسان في منعه فيه السلامة من الضرر العام لهذه البلاد حكومةً وشعباً، وفيه أيضاً بقاء النساء في هذه البلاد على الحشمة والمحافظة على الفضيلة التي كانت عليها منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز في عهده وعهود أبنائه من بعده: سعود وفيصل وخالد وفهد رحم الله الجميع، وفيه أيضاً بقاء الذكر الحسن في هذه الحياة الدنيا لخادم الحرمين الشريفين وفقه الله وسلامته من تبعات حدوث الاختلاط بين الجنسين في عهده يجد فائدة هذا المنع يوم يلقى ربه يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه.
وقد كتبت رسالة بعنوان: (وجوب تغطية المرأة وجهها وتحريم اختلاطها بغير محارمها)، طبعت هذا العام 1430هـ، ذكرت فيها الأدلة على وجوب الحجاب ومنع الاختلاط، ونقلت فيها نقولاً في ذم الاختلاط ومنعه عن الإمام ابن القيم والشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وعن الملك عبد العزيز والملك فهد رحمهم الله جميعاً، وأكتفي هنا بنقل كلام الإمام ابن القيم وكلام الملك فهد في تعميمه بمنع الاختلاط، قال ابن القيم رحمه الله في (الطرق الحكمية، ص: 281) : "ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفُرَج ومجامع الرجال"، وقال (ص:281): "ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة"، وقال: "فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية -قبل الدين- لكانوا أشد شيء منعاً لذلك"، وقال الملك فهد رحمه الله في تعميمه على الدوائر الحكومية رقم 2966/م بتاريخ 19/9/1404هـ: "نشير إلى الأمر التعميمي رقم 11651 في 16/5/1403هـ المتضمن أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال سواء في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمر غير ممكن، سواء كانت سعودية أو غير سعودية، لأن ذلك محرم شرعاً، ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد، وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال، فهذا خطأ يجب تلافيه، وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه..." من (مجلة البحوث الإسلامية العدد 15 ص 274)، وأكد ذلك بتعميمه رقم 759/8 بتاريخ 5/10/1421هـ، وقد ذكرت نصه في المقال المنشور بتاريخ 18/2/1430هـ بعنوان: (دعاة تغريب المرأة ومتبعو الأهواء والشهوات هم الذين وراء بدء انفلات النساء أخيراً في بلاد الحرمين).
وإن من المؤسف قيام وزارة التربية والتعليم في عهدها الجديد بالإذن لمدارس أهلية للبنات بقبول البنين في الصفوف الأولية الأول والثاني والثالث من المرحلة الابتدائية يتولى تدريسهم نساء على أن يكون تدريسهم في صفوف خاصة بهم في تلك المدارس، وهذه بداية سيئة وأمر منكر، وهؤلاء الأبناء وإن درسوا في فصول خاصة بهم فإنهم يختلطون مع البنات من جميع الفصول الستة قبل ابتداء كل درس وبعده من بدء اليوم الدراسي إلى نهايته، وهو أيضاً ذريعة إلى امتداد ذلك إلى الصفوف الأخيرة الابتدائية وما بعدها من مراحل الدراسة، وبدءُ هذا الحدث في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حفظه الله إساءة إليه وإلى سمعته، والمأمول منه حفظه الله القضاء عليه في مهده بالتوجيه لوزارة التربية والتعليم بإيقافه ومنعه، وقد كتبت كلمة بعنوان: (لا يجمع بين البنين والبنات في الصفوف الأولية الابتدائية) نشرت بتاريخ 13/9/1430هـ، وقد بعثت نسخة من هذه الكلمة برفق رسالة إلى سمو وزير التربية والتعليم في تاريخ 20/9/1430هـ، مما جاء فيها: "وقد تردد أخيراً ذكر التفكير بجعل الصفوف الأولية في المدارس الابتدائية للبنين ملحقة بمدارس البنات يتولى التدريس فيها نساء، فإن كان ذلك صحيحاً فهو تفكير في تجديد غير سديد، والواجب بقاء التدريس في الصفوف الأولية وغيرها منفصلا على ما كان عليه منذ تأسيس تعليم البنات، وقد كتبت كلمة بعنوان: (لا يُجمع بين البنين والبنات في الصفوف الابتدائية الأولية) ، تجدون برفقه نسخة منها، ومن الخير لسموكم ألا يحدث في فترة ولايتكم هذه الوزارة أي إجراء يكون فيه الإساءة لسمعتكم وسمعة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لكونه أحدث منكم في عهده، مع ما يترتب على ذلك من آثام في الحياة وبعد الممات".
وأسأل الله عز وجل أن يحفظ على بلاد الحرمين أمنها وإيمانها وسلامتها وإسلامها وحشمة نسائها، وأن يوفق خادم الحرمين الملك عبد الله لأن يكون عهده عهد صلاح وإصلاح سالماً من أن يقع فيه ما لا يرضاه الله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجمعة 18/11/1430هـ
عبد المحسن بن حمد العباد البدر
المحدث الفقيه والمدرس بالمسجد النبوي الشريف، ومدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقاً
- التصنيف: