مضى زمن الرجال

منذ 2016-02-10

غداً يومٌ في حياتنا آخر.. فقد اعتدنا.. على الحياة على هامش كل شيء.. والسَّير بمحاذاة الجُدُر والأطلال.. ولا تنظُر أعيننا الزجاجية إلا إلى ما قد يعتري صحن الطعام أو البَدَن..

مضى يا قومُ زَمَنٌ ترتعد فيه قلوب الرجال إذا قيل لهم.. اتقوا الله..!

مضت أيامٌ كان يقضي فيها الفرسان ليلهم يُناجون رَبَّهم عشِيّة كَرٍّ وفَرّ.. على ظُهور الدُّهم الغُرّ..

مضت نفوس الذّين يؤثرونَ على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.. وما بَقي سوى الذين تحسبهم أغنياء من التّعَفُّف.. حتى دَلَّت عليهم أجسادهم الهزيلة.. وجوارح الأرض تتداعى عليهم تأكُل ما تَبَقّى منهم..

مَضى صباح الأوَّلين.. وظهيرة من تبعهم وعَصر المعتصم..
وما بَقيَ سوى رُسل ليلٍ مُدلَهِم.. لن تُغني السّامرين فيه النُّذُر..

مضى يا أُمَّتي عَهد الضياغِم.. وما ظَلّ إلا بقايا أُسدٍ لا تُغيرُ ولا تَزيرُ..

سَلي الذين عاينوا كأس المنايا.. ماذا فعلتم .. وبأي رَحمةٍ لانَت لَكُم أرحام اللُّحود..؟

كيف كانت قلوبكم.. وجوارحكم.. وكيف صانَ الأمانة ما بَينَ فَكَّيكُم..؟

كيف كُنتُم يا خَيرَ سَلَفٍ.. وأين نحن الآن منكم..؟

كيف احتملتم جوعاً وظَمأً وظُلماً وهَجراً.. وحملتم الرايّة بعد أن تقطعت الأوصال بِعَضُدِكُم..؟

كيف ارتقيتُم.. كيف ذَلّلتُم الدَنِيّة وامتهنتموها.. وصارتَ حُرمة الذين قالوا الله رَبّنا عندكم.. تَعدِلُ الدُّنيا ونا فيها.. حقيقة لا من ضَرب الخَطابة والفصاحة والخَيال..؟

وكيفَ بِرَبّكم ما هانَ الدّمُ في أعينكم.. ودموع الثّكالى وصرخات اليتامى.. وجَيَّشتُم الجيوش لامرأة ملتاعة على عرضها أو ولدها..؟

وكيف أصبحنا وأمسينا بلا قلوب.. كالصُّم البُّكم العُمي.. أو كأنّا على قيد موتٍ نأكل ونشرب.. والحق أنا أعجاز نَخلٍ خاوية..؟

نتصحف الأخبار كما الأسعار كما الطّرائف.. كأنّا عن الحَياة بِمَعزِل.. كأنّا وَقَّعنا عقد إسلامٍ بلا أُخُوّة.. بلا تراحُمٍ.. بلا نُصرةٍ أو مروءة..

تَمُرّ الصّرخات عبر آذاننا فلا نلتفت.. وتخترق صور الذَّبيح ومن قتله الجّوع والقَذيفةُ وسحائب النيران.. فلا نرتاع ولا نلتاع.. ولا تَتَمَعَّر وجوهنا ولا تختلج قلوبنا.. ولا نترك الجريدة أو نُغَيّر القناة.. ولكنّا نُطرِقُ لحظة في أَسَفٍ زائفٍ.. ولربما مَنَنّا ببضع دراهم.. ونكتفي..!

وغداً يومٌ في حياتنا آخر.. فقد اعتدنا.. على الحياة على هامش كل شيء.. والسَّير بمحاذاة الجُدُر والأطلال.. ولا تنظُر أعيننا الزجاجية إلا إلى ما قد يعتري صحن الطعام أو البَدَن..

اعتدنا الهوان حتى أنّا أصبحنا لا نعرف كيف عنه ببضع كلماتٍ نَعتذر..

ولا أقول.. يا مَضايا وأخواتها..
إلا إنّي آسفٌ أني مَحسوبٌ على أُمّة الذَّود عن الحق..

فَلَقَد مضى يا مضايا.. إلا من رَحِم.. زمن الرجال..

ولَسَوف يأتي.. يقينا..
زَمَنٌ.. ورجالٌ.. آخذين كلمة الله بحَقّها..

رجالٌ.. يُحبّهم ويُحبّونَه..!

بسمة موسى

مهتمة بالقراءة في مجالات مختلفة والمجال الأدبي خاصة بفروعه المختلفة

  • 3
  • 0
  • 5,239

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً