ظاهرة (الشخر) بين التحليل و التحريم
شخر: الشخير: صوت من الحلق وقيل: من الأنف وقيل: من الفم دون الأنف.
- التصنيفات: التصنيف العام - محاسن الأخلاق - مساوئ الأخلاق -
قد يستنكر أو يستعجب البعض من فكرة المقال؛ و لكن ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع أن العوام يتداولون أراء خاطئة ومخالفة؛ فمنهم من يقول أن من يقوم بهذا الفعل "يظل فمه نجسا أربعين يوما ولا يقبل منه في الأربعين يوما صرفا ولا عدلا".
ومنهم من يقول أنه من الكبائر ويقول بعضهم أنه من الصغائر ومنهم أيضا من يقول أن الفعل حلال؛ وكل هذه الأقوال ليس لها نصيب من الحق؛ فالتحليل والتحريم لابد أن يكون بنص من الكتاب أو السنة.
فهل الشخر حلال أم حرام؟
قبل الحكم عن هذا الفعل بالتحليل أو التحريم يجب أن يكون لدينا التصور الكامل عن هذا الفعل فكما قال الأصوليين "والحكم عن الشئ فرع عن تصوره".
فما معني الشخر؟ وهل هذا الفعل وليد هذا العصر أم كان معروفا عند العرب قبل ذلك؟
الشخر في اللغة كما قال ابن منظور في كتاب لسان العرب:
شخر: الشخير: صوت من الحلق وقيل: من الأنف وقيل: من الفم دون الأنف. وشخير الفرس: صوته من فمه والشخير أيضا: رفع الصوت بالنخر، والشخر أو النخر كان موجودا في الأزمنة التي كانت من قبلنا وليس هذا الفعل وليد هذا العصر فكان يستخدم كمظهر من مظاهر الاعتراض.
ففي تاريخ الطبري "وبعد قراءة كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... أمر هرقل ببطارقة الروم فجمعوا له في دسكرة وأمر بها فأُغلِقَت أبوابها عليهم ثم اطلع عليهم من علية له وخافهم على نفسه وقال يا معشر الروم إني قد جمعتكم لخير إنه قد أتاني كتاب هذا الرجل يدعوني إلى دينه وإنه والله للنبي الذي كنا ننتظره ونجده في كتبنا فهلموا فلنتبعه ونصدقه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا؛ قال فنخروا نخرة رجل واحد ثم ابتدروا أبواب الدسكرة ليخرجوا منها فوجدوها قد أغلقت فقال كروهم علي وخافهم على نفسه؛ فقال يا معشر الروم إني قد قلت لكم المقالة التي قلت لأنظر كيف صلابتكم على دينكم لهذا الأمر الذي قد حدث وقد رأيت منكم الذي أسر به؛ فوقعوا له سجدا وأمر بأبواب الدسكرة ففتحت لهم فانطلقوا"
و في سيرة ابن هشام "لما سئل النجاشي المسلمين عن قولهم في عيسي ابن مريم وقال جعفر بن أبي طالب للنجاشي أنه عبد الله ورسوله فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ منها عودا، ثم قال: والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، قالت: فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي".
ومن الظاهر في الروايات الموجوده في كتب التاريخ أن الشخر كان معروفا وموجودا وأن من قام بفعل الشخر هم وجهاء القوم ولكن لم يكن يقابل الفعل قديما بالتحريم أوحتي الاستهجان والاستنكار.
فهل جاء الاسلام بتحريم هذا الفعل؟ الإجابة: لا.
لأنه لا يوجد نص في القرآن ولا السنة الصحيحة بتحريمه؛ والأصل في الأشياء الإباحة ما لم يوجد نص بتحريمه؛ إذن ففعل الشخر ليس من المحرمات.
ولكن تعارف أهل هذا الزمن فيما بينهم بأن هذا الفعل شئ قبيح لا يفعله إلا من اشتهر بسوء خلقه؛ فهو يعد من خوارم المروءة بحسب العرف السائد.
فخوارم المروءة التي تكون بحسب العرف السائد لا ينظر إليها سواء بسواء مع تلك الخوارم التي ترجع إلى مخالفة أصل شرعي؛ لجواز أن يتغير العرف السائد، فما يعدُّ من الخوارم في زمن لا يكون كذلك في زمن آخر، وما يعدُّ من الخوارم في بلد لا يكون كذلك في بلد آخر... (لاختلاف العرف في هذين البلدين، مثل: كشف الرأس، فقد يكون مستقبحًا في بلد للعرف السائد فيه، فيكون قادحًا في المروءَة والعدالة، وقد لا يكون مستقبحًا في بلد آخر، فلا يكون قادحًا في العدالة) ولهذا فإن المروءَة في مثل هذا هي مراعاة العرف السائد .
_____________
أحمد عز الدين