أسرار منطق التفكير السياسي للإسلاميين ودوره في خلق واقعنا المعاصر
لماذا يقرأ البعض بنية التصيد أو الاتهام أو بنية التحفز ضد الأنظمة التي يعتبرها معادية لمنهجه، ولا يتعامل بهدوء نفس مع ما يقرأه.
أمور غريبة جدا اكتشفتها في منطق تفكيرنا السياسي مؤخرا وأكشفها لكم كالتالي:
منذ عدة أيام وأنا أنشر على صفحتي على الفيس بوك تحليلات تتعلق بالوضع في سوريا وأقول ستفعل تركيا كذا أو السعودية كذا ..
فوجئت أن أغلب القراء (وهم كثربفضل الله) يفهمون من هذا أنني أؤيد النظام السعودي وأمدحه، (ولماذا لم يفهموا أني أمدح تركيا وأؤيدها؟؟)
وأني أتمنى دخولها وأؤيده.. وهنا انكشف لي أول أمر غريب فالأخوة والأخوات القراء لم يعتادوا على قراءة تحليلات سياسية تستشرف المستقبل، فلم يقرأوا مثلا تحليلا أمريكيا أو أوروبيا يتوقع ضربة لداعش أو القاعدة داخل أوروبا أو أمريكا في فترة كذا، هل الكاتب الأمريكي حينئذ يؤيد داعش و يتمنى ضرباتها أو يستدعيها؟
أمر في منتهى الغرابة فعلا...
يا سادة التحليل المستقبلي هدفه أن يكشف توقعات عما سيكون كي يستعد له المعنيون أو يمنعون حدوثه أو يعجلون حدوثه، فالتوقعات المستقبلية هدفها أن تساعد ذوي الشأن على بناء السلوك السياسي أو الاستراتيجي أو الاقتصادي أو الإداري المناسب، فتوقع ما سيكون ليس انحيازا له أبدا ولا مناوءة له وإنما هو جزء من الاستعداد له بما يناسبه.
ثم الأمر الغريب الثاني هو لماذا التحسس (أو التصيد) تجاه السعودية رغم أني قلت دائما تركيا لماذا لم يومئ أحد لتأييدي لها وانصبت التعليقات على توجيه الاتهام بتأييد السعودية، لماذا يقرأ البعض بنية التصيد أو الاتهام أو بنية التحفز ضد الأنظمة التي يعتبرها معادية لمنهجه، ولا يتعامل بهدوء نفس مع ما يقرأه.
ويأتي الأمر الغريب الثالث وهو شديد الخطورة كسابقيه بل أخطر، وهو الخلط وعدم تفكيك عناصر الموضوعات الكبرى فالتحليل نفسه في لغتنا العربية مأخوذ من تفكيك المركب الكبير إلى مفرداته الأولية لتتضح الصورة الحقيقية للموضوع، فضلا عن أني تعمدت تقسيم تحليلي للأزمة لعدة فقرات وأنشر كل يوم فقرة كبوست على الفيس بوك وتويتر لتسهيل انتشار الفكرة بدلا من كتابة موضوع متكامل في مقال طويل ونشرها على موقعي كاملا، ورغم هذا فنجد التعليقات تخرج بنا عن تحليل موقف السعودية من هزيمة معارضة بشار بسوريا وانتصار روسيا وإيران نجدها تستدعي موقف السعودية من إسرائيل ومن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ومن علاقات السعودية بأمريكا وعلاقات السعودية بالسيسي وبن علي/تونس..الخ..
ما هذا يا قوم؟ إذا كيف تحللون وتصلون لشئ محدد لتبنوا عليه أعمالا محددة مؤثرة وناجحة، سبحان الله.. أهكذا هو تفكيرنا، ولعل هذا يوضح لنا لماذا تشكل واقعنا السياسي والاجتماعي على النحو الذي نعيشه الآن.
الأمر الرابع هو انتشار الذاتية في التفكير السياسي بمعنى أننا إذا أردنا أن نتوقع ما سيفعله أوباما أو روسيا أو تنظيم النصرة فإننا نفكر بمنطقنا الخاص ونتوقع سلوكيات تتناسب مع طريقة تفكيرنا ومشاعرنا وردود أفعالنا الذاتية أو في أفضل الحالات نفكر حسب ما نظن أنه منطقهم وطريقة تفكيرهم بينما يكون ظننا هذا خاطئ جدا في الحقيقة، وهذا يشير إلى ما سبق وانتقدناه من طريقة تفكير سياسية خاطئة بل هي ليست تفكيرا علميا حقيقيا، إذ التفكير العلمي يقتضي أن تحاكي هذا الشخص أو الجهة التي تريد أن تفهم وتتوقع سلوكها ولهذا نجد الباحثين السياسيين والاجتماعيين الغربيين المتخصصين في الشأن العربي يتعلمون اللغة العربية ويعيشون فترات طويلة بين الشعوب العربية يأكلون كما يأكلون ويشربون كما يشربون ويقلدون العرب في كل شئ من أجل أن يصل بعقله لكل جوانب الشخصية العربية كي يتمكن من مراعاة هذا كله عند إجراءه التحليل السياسي أو الاجتماعي.
الأمر الخامس هو العاطفة الجياشة التي تعتري الأكثرين عند تقدير أي موقف إذ انبرى الكثيرون يقولون: أنتم مغررون بالتدخل السعودي أو التركي في سوريا فهم لن يدخلوا إلا لضرب الحركات الاسلامية والتمكين للعلمانيين، والغرابة هنا أن هذا منطق غريب جدا في هذا الوقت الذي أبادت فيه روسيا وإيران وحزب اللات الحجر والشجر في حلب وما قبلها واقتربت من حدود تركيا لتطوق الثورة من كل الجهات.
وسؤالي الآن هو: إذا شبت النار في بيتك وأوشكت على أن تأتي عليه جميعه وتحرقك أنت وأسرتك كلها ولم تجد أي وسيلة لإطفائه ثم لاح لك فجأة مصدر لماء غزير سوف يطفئ النار كلها أو أغلبها إلا أنه ماء بول فهل تطفئ بيتك به وتنجو أنت وأهلك؟ أم أنك ستقول لا.. وألف لا.. لأنه ماء نجس وسينجس بيتي، وهذا ما فعله الكثيرون من رفض أي تدخل بري تركي سعودي لأنه سيكون ضد الفصائل الإسلامية حسب رأيهم.
الأمر السادس هو أمر قديم جديد، فهو قديم لأني منذ عشرات السنوات أتناقش حوله كثيرا مع إخواننا إلا أن الجديد فيه أني أدركت له بعدا لم أكن أفهمه من قبل وهو متعلق بما إذا كان حكام وقادة العالم الإسلامي هم عملاء كاملون لأوروبا وأمريكا يطيعونها في كل صغيرة وكبيرة حتى فيما يضر هؤلاء الحكام أنفسهم أم انهم أحيانا يطيعون الغرب و أحيانا يعصونه وفق تفاصيل معينة، فأنا دائما كنت أقول بالرأي الثاني بينما كان أغلب الأخوة يقولون بالرأي الأول وهذا الرأي الأول يترتب عليه ألا نتوقع من تدخل سعودي تركي إلا كل شر.
وهنا أجد نفسي مضطرا لكتابة موضوع آخر منفصل عن هذا الأمر إن شاء الله، وأقصد أمر طبيعة تبعية حكامنا للغرب الصليبي.
- التصنيف: