أول معارك إبليس
أبو محمد بن عبد الله
إن إبليس كان يعلم أن فساد العالم يبدأ بخراب البيوت.. وما زال عند توعُّدِه لنا، فهل نرجع إلى عهدنا مع ربنا: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ، وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}[يـس:60-62].
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - الدعوة إلى الله -
إبليس اللعين، المخذول المتكبر على الله سبحانه وعلى خلقه، رغم أنه طلب الإنظار من الله تعالى إلى يوم القيامة، وتوعَّد ليحتنكنَّ ذرية آدم عليه السلام: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:62]، وتخيَّل كم هو حَقود وعدوٌّ لَدود في تعبيره المتشدد {لَأَحْتَنِكَنّ}، بتشديد النون..
ومع ذلك لم يدعُ أبانا آدم وأمَّنا حواء إلى الشرك الصريح أو الكفر بالله، وإنما اختار أن يكون أول سهم يصوبه إلى الأسرة ليفسدها، ويشتتها، ويوقعها في مخالفة أمر الله، ويُعرِّيها ويُبدي عوراتها ويكشف سوءاتها... وما ذاك إلا أنه يعلم أن فساد العالم يبدأ بفساد الأسر وخراب البيوت...
وكأنه يعلم أن الأسرة التي ليس فيها سكن ولا طمأنينة فإن عاقبتها إلى خراب وفساد، وأن أعضاءها إلى تشرد، وأنها بدلا من أن تصبح مصنع خير تصبح تصدر الأشرار إلى المجتمع، فتهلَك وتُهلِك..
فبعد أن أكرم ربُّنا سبحانه أَبَوَيْنَا عليهما السلام بِسُكنى الجنة، وحذّرهما من عدوهما، وبين لهما عاقبة ذلك: {فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى، فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى، فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[طه: 117-121]، أغراهما اللعين وأوق عهما في المخالفة، فانكشاف العورات وظهور السوءات-المادية والمعنوية- كلها تتابعت بعد معصية الله وإطاعة الشيطان.
{وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ، فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}[الأعراف:19- 22].
فلاحظ القصد والمفعول لأجله: {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا}، فكشف السوءات مقصود إبليس، ومن ثم عرض الفتن للمفتونين.. كما في الآية الآتية: {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}، ليبدي ، ليوري، لينزع..
وها قد وقع بنو آدم أيضا، رغم أن الله تعالى خصَّهم بالتذكير وأعاد عليهم التحذير بعد أبويهم، وذكّرهم بما حدث لهما: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ، يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}[الأعراف: 26-27].
فوقع بنو آدم في المعصية، وكان هدف إبليس نفسه، تخريب البيوت وكشف السوءات، فقامت الحروب في البيوت كما لم تقم من قبل، وانكشفت العورات وبدت السواء حتى ملأت البر والبحر والأرض والسماء، والماء والهواء.. وانطلقت عبر الفضائيات والشبكات والشواطئ... خاصة في هذا العصر، يا للهول!!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «»(مسلم، صحيح مسلم، برقم:[ 2813]).
إن إبليس كان يعلم أن فساد العالم يبدأ بخراب البيوت.. وما زال عند توعُّدِه لنا، فهل نرجع إلى عهدنا مع ربنا: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ، وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}[يـس:60-62].
فمن رزقه الله أسرة فليعصِ الشيطان فيها، ولا يجعل له سلطانًا عليها ولا سبيلا إليها، وليستعن بالله تعالى في ذلك، ليأمرهم بالصلاة فإنها صلة بين العبد وربه وحبلٌ متين تمسكهم-بإذن الله- من السقوط في الفتن وحبائل الشيطان، وتنهاهم عما يأمرهم به من فحشاء ومنكر، وهي بركة البيوت وزكاة النفوس، وتنظم حياتهم وتقيم سلوكهم..
16/ 02/ 2016