محنة المرأة المسلمة في أوروبا
ملفات متنوعة
تعاني المرأة المسلمة في أوروبا من ضغوط كثيرة، ما بين رغبتها الشديدة
في الحفاظ على دينها وهيئتها الإسلامية، وما بين حملات عنصرية تشنها
الحكومات الغربية ...
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
تعاني المرأة المسلمة في أوروبا من ضغوط كثيرة، ما بين رغبتها الشديدة
في الحفاظ على دينها وهيئتها الإسلامية، وما بين حملات عنصرية تشنها
الحكومات الغربية والتي ترفع شعارات الحرية الزائفة من أجل أن تخلع
المرأة المسلمة حجابها ..فالمرأة المسلمة ممنوعة بحكم القوانين
الغربية المجحفة من أبسط حقوقها في الالتزام بتعاليم الإسلام وممارسة
شعائره، وفي حين سوّغت الدنمارك وغيرها من الدول التي أعادت نشر
الرسوم المسيئة للرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- هذه الأفعال
الشنيعة بحرية الرأي والتعبير، تظل حكومات هذه الدول مستمرة في انتزاع
حرية المرأة في ارتداء حجابها، بل وحرية المسلمين في ممارسة شعائرهم.
وعلى الرغم من إقامة أكثر من (11) مليون مسلم في البلدان الأوروبية
الكبرى تبدو قضية التنظيم المؤسسي للإسلام قضية أوروبية ترتبط
بخصوصيات العلاقة بين الدولة والكنائس أكثر منها بعجز المسلمين عن
التكيّف، وترجع مقاومة الاعتراف بالإسلام إلى العقليات الأوروبية أكثر
منها إلى العوائق القانونية أو المؤسسية.
كما يظل المسلمون في أوروبا عاجزين عن إيصال صوتهم بشكل متكافئ، وقد اضطر مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) للتدخل مؤخراً لدى القنصلية الفرنسية في (شيكاغو) لصالح شابة مسلمة كي تتمكن من ارتداء الحجاب عندما تُلتقط لها صورة جواز السفر، وهذا ما لم يحصل عليه المسلمون داخل فرنسا.
كذلك بدأت هولندا في تنفيذ قانون لحظر ارتداء النقاب؛ إذ أوصت دراسة أعدها مجلس الوزراء الهولندي بتطبيق هذا القانون تحت مزاعم أن هذا النقاب يسيء للمرأة، ويذكّر بالقرون الوسطى حينما تسير امرأة في الشارع مغطاة تماماً، وهذا في عرفهم يمثل إهانة لكل من يؤمن بالمساواة في الحقوق، في خطوة لخنق كل ما هو مرتبط بالإسلام من زي شرعي أو شعائر دينية.
ولعل هذه الأفعال ليست بغريبة على السلطات التي سمحت بتعاطي المخدرات المصنوعة من نبات القنب وممارسة الدعارة علنا، كما اتخذت عدة إجراءات أمنية مشدّدة بالتنسيق بين وزارتي الخارجية والعدل والاستخبارات من شأنها حرمان المسلمين من الاشتراك في أندية التدريب على رياضات الغوص أو الطيران أو الرماية وإطلاق النيران، وذلك ضمن حزمة من الإجراءات التي تتخذها هولندا تحت مزاعم ما يُسمّى بـ"مكافحة الإرهاب".
وفي هذا السياق حذّر مدير مركز (ملتقى متعدد الثقافات) من "استمرار هذا التوجه، وهذه السياسة، مما يعني أننا بذلك نودع زمن التسامح والتعدد والتواصل" داعياً "من يسيّرون الدولة ومثقفيها للتوقف عن تصريحاتهم العدائية وإثارة النعرات".
معاناة المرأة المسلمة
وعلى الرغم من هذه الإجراءات فإن المرأة الهولندية المسلمة
مازالت مصرة على التمسك بحقها في ممارسة شعائر الإسلام فتقول (هوب)
إحدى مسلمات هولندا في محاولة للتعبير عن غضبها الشديد من هذا القرار:
"سأرتدي قناعاً كقناع الجرّاحين، حتى لا أخالف تعاليم الإسلام .. أو
أرتدي واحداً من تلك الأشياء التي كان الناس يرتدونها وقت انتشار مرض
سارس إذا اضطررت لذلك".
وعبرت (هوب) عن تمسكها بتعاليم الإسلام وحبها الشديد في الالتزام بقولها: إنها اختارت ارتداء النقاب بدافع حبها لله، وهو الحب الذي تريد أن تريه للعالم بأسره؛ إذ أمضت (هوب) وقتاً طويلاً في محاولة إقناع والديها بأنها لم تتعرض لعملية "غسيل مخ"، ولم تكتسب ميولاً متطرفة.
وتعتقد (فاميلي أرسلان) وهي محامية هولندية مسلمة أن هذا الحظر لن يكون من شأنه سوى تعزيز العنصرية السائدة في الوقت الراهن، وتشجيع المزيد من النساء على ارتداء النقاب كأسلوب احتجاجي، مضيفة: "نحن نخشى كثيراً أن ما سيبدأ بفرض حظر على النقاب سينتهي بفرض حظر على الحجاب.. فالدولة التي كانت من قبل تشتهر بتسامحها أصبحت تشتهر بجهلها".
ولعل هولندا من أكثر الدول الأوروبية التي تميز بين مواطنيها على أساس
الدين، فالمسلمون مستهدفون بشكل خاص؛ فقد كشف التقرير السنوي 2004
للمركز الهولندي لرصد مظاهر التفرقة العنصرية عبر شبكة الإنترنت أن
تلك المظاهر تزايدت في المواقع الهولندية بنسب كبيرة للغاية، وأن
المسلمين هم أكثر الفئات تضرراً من التفرقة العنصرية على تلك المواقع،
وهو ما اعتبره ناشط هولندي مسلم "نتيجة حتمية للسياسة المتبعة من قبل
الحكومة والسياسيين الهولنديين تجاه المسلمين".
والتقرير أكد على أن المسلمين هم الفئة الأكثر تعرضاً للتفرقة العنصرية بهولندا؛ إذ تضاعف تقريباً عدد المواقع التي احتوت على دعوات صريحة مناهضة للإسلام والمسلمين لترتفع من (231) واقعة عام 2003 إلى (409) عام 2004.
ولمجرد أن خرجت وزيرة المواصلات والمياه (كارلا بايس) بتصريح قالت فيه: إنها ترحب بوجود وزيرة ترتدي الحجاب داخل الحكومة، وإنها تعتبر مسألة ارتداء الحجاب أمراً يتعلق بالحرية الشخصية، وأيدتها زميلتها في الحزب الديمقراطي (ميريام استرك) في هذا الرأي قائلة: إن من حق المرأة أن تختار ارتداء الحجاب أم لا، ثارت المعارضة الهولندية ضدهم، ونشبت حرب كلامية بين عدة شخصيات سياسية وحزبية من العنصر النسائي كانت وسائل الإعلام مسرحاً لها.
حملة أوروبية
وما يصيبنا بالحزن والأسى أن هذا التصاعد في الممارسات
المعادية للمسلمين بهولندا تزامن مع تزايدها أيضاً في دول الغرب بشكل
عام بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حيث تتذرع السلطات في الدول
الغربية بما يسمى "مكافحة الإرهاب" للتراجع عن الكثير من الحقوق التي
يتمتع بها مسلموها، أو التضييق عليهم.
ففي عام 2004 حظرت فرنسا في خطوة مثيرة للجدل ارتداء الحجاب في
المدارس زاعمة أن ذلك يتعارض مع مبادئ فصل الدين عن الدولة، وفي العام
نفسه حظرت بلدة (ماسايك) البلجيكية النقاب بتفعيل قانون قائم بأن يكون
الناس مستعدين للتعريف بهويتهم في الأماكن العامة.
وفي ألمانيا كشفت دراسة حديثة عن المضايقات التي يتعرض لها مسلمو ألمانيا في مواقع عملهم بالشكل الذي يحول دون ممارستهم شعائرَهم الدينية (الصلاة، والصيام، وارتداء النساء المسلمات للزي الإسلامي الشرعي في القطاعات العامة) بشكل طبيعي مثل باقي الطوائف الأخرى.
وأضافت الدراسة أن المسلمين يتعرضون لتلك المضايقات عند بناء المساجد وتسيير أعمالها، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالذبائح حسب الطريقة الإسلامية، علاوة على شؤون دفن موتى المسلمين وفقاً لأحكام دينهم، كما يتعرضون لصعوبات في مجال توفير الرعاية الدينية والروحية لنزلاء المستشفيات والسجون من أبناء دينهم.
كما منعت البلدية المحلية في مدينة (ديلانبرج) غرب ألمانيا المسلمين
من إنشاء مسجد بدعوى أن صوت الأذان يؤدي إلى إزعاج المواطنين الألمان
في المدينة، و مُنِع إنشاء مسجد في مدينة (أشيم)؛ بدعوى أنه قد يؤدي
إلى مشاكل مرورية بسبب كثرة عدد المصلين، ولعدم وجود (جراج) لسيارات
مئات المسلمين.
أما في مدينة (كلوهرسو) فقد أصدر مجلس البلدية قراراً بمنع إنشاء مسجد؛ بزعم أن ارتفاع مئذنة المسجد سوف يشوّه المنظر العام للمدينة ذات المنازل متوسطة الارتفاع، وفي مدينة (نورمبرج) مُنِعت منظمة أهلية للأتراك بألمانيا من شراء قطعة أرض بعدما أعلنت عن نيتها في بناء مسجد عليها.
ومن ناحية أخرى، نشبت أزمة جديدة في برلين بشأن إمكانية الشروع في
تعليم حصة الدين الإسلامي للتلاميذ المسلمين في المدارس العامة فيها؛
إذ رأت إدارة المدارس ببرلين أنّ المناهج التي وضعها الاتحاد الإسلامي
المكلّف بشؤون التدريس والمناهج "تتعارض مع الدستور"؛ لذا فإنه من
المرجّح أن يتعذّر الشروع في تدريس الحصة الإسلامية في مدارس برلين مع
بداية العام الدراسي الجديد.
ومنذ أيام قليلة قضت محكمة مجلس اللوردات ـ أعلى المحاكم البريطانية ـ بأحقية إحدى المدارس في إجبار الطالبات على تغيير الزيّ الإسلامي (الحجاب) أو طردهن من المدارس.
وتظل هذه الهجمة الشرسة في مواجهة مع المرأة ـ العضو الفاعل داخل
البنيان الإسلامي في أوروبا ـ طالما تمادت الحكومات الأوروبية في
مطاردتها للأسرة الإسلامية في أوروبا.