بل هو الكفر بعينه
منذ 2010-01-15
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ }
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ
اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . فَتَرَى الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن
تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ
أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي
أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:
51-52].
أجرت صحيفة الدستور المصرية الغراء هذا اليوم- يوم الثلاثاء الخامس من يناير- حديثا مع الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين جاء فيه سؤالها له عن رأيه في بناء الجدار العازل بين رفح المصرية وغزة الفلسطينية؛ فأجاب فضيلته بجواب جاء فيه: إن هذا الجدار فيه شبهة الاقتراب من الكفر، فيجب أن لا نوافق عليه؛ وأن نجاهر برأينا صراحة ؛ لأنه لا يحمي إلا أمن العدو الصهيوني" أ0هـ
ومع عظيم تقديرنا للأستاذ الدكتور ولعلمه فإنا نقول:
بل إن هذا الصنيع هو الكفر بعينه، وذلك لما يلي:
أولا: هذا الجدار هو في حقيقته إعلاء لمقتضيات السياسة الاستعمارية الكافرة التي وضعت تلك الخطوط الوهمية لتمزيق الأمة حتى يسهل عليهم فيما بعد عصور الاستقلال الزائف ابتلاع الدول مرة ثانية على ما عرف تاريخيا بخطوط سايكس بيكو، فجاء هذا الجدار محققا للاستعمار غايته في الأمة على حساب دين الله الذي قال فيه منزله {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [سورة المائدة: 48]، وإن من مقتضيات حكم الله في تلك القضية هو قوله جل جلاله {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [سورة المؤمنون: 52]، وقوله {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الانبياء: 92]، فإذا بالجدار وصانعيه ومنفذيه والمدافعين عنه يحكمون في الأمة بما يوجب الكفر لمستحليه حيث قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، وقد كان من هؤلاء المدافعين من قام على رؤوس الأشهاد بسب الدين للمنكرين لهذا الصنيع في مجلس الشأن أن أنه من أرفع المجالس، فإذا بهم يسلكونه سبيل أحط المجالس بالصمت على تلك الجريرة، فإن سب الدين معلم فاضح من معالم الردة، والمدافع عن هذا المجرم والحامي له شريك له في الإثم والحكم كما لا يخفى.
ثانيا: أن في هذا الصنيع حصار للمستضعفين والمجاهدين، مما يؤدي يقينا إلى قتلهم صبرا بسبب دينهم وجهادهم، وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء: 93]، وأي إيمان يرجى لمن قال فيه صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان والترمذي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبي شُريح الخزاعي: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» ، قيل: "ومن يا رسول الله"، قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه»، وفي لفظ: «لقد خاب وخسر من هو» وفي حديث كعب: «من خاف جاره بوائقه»، والبوائق على ما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد والإسماعيلي هي شر الجار، فأي شر أشر مما يجره هذا الجدار اللعين على المجاهدين وذويهم، وذراريهم ممن لا يملكون حيلة ولا يهتدون سبيلا؟، مما يجعل الدفاع عنهم فريضة مفروضة منكرها كافر بيقين لا حصارهم والتضييق عليهم لصالح عدوهم وعدو الله وعدونا قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ﴿٧٥﴾ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 75-76].
وبهذه الآية يتحقق ثالثا...
ثالثا: أن في هذا تمكين للصهاينة واليهود، فإنه قتال في سبيل الطاغوت، وقد قال جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51] كما سبق.
رابعا: أن في هذا الصنيع قلب للحقائق بالكذب المدفوع بدافع الحرص على متاع الدنيا الزائف بكل صنوفه، فإن الذي يهدد أمن مصر القومي هي إسرائيل وليس إخواننا وعشيرتنا من أبناء غزة المجاهدين - وليس من معنى هذا أننا ندعوا لتدليل من يثبت عليه جرم في حق مصر أو في حق غيرها من الدول ذات الاحترام المشروع والأفراد المعصومة دماؤهم وأموالهم، فمثله ينبغي أن يعرض على قضائها النزيه ليقول فيه حكمه ، ولا نقبل أن يعامل المجرم من العرب وغيرهم مثل ما يعامل به أبناء القردة والخنازير الذين يقبض عليهم متلبسين بأشنع الجرائم ثم تعفوا عنهم الدولة مجاملة لإسرائيل-.
وفي استحلال الكذب ثبوت الردة والكفر ،فقد قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل: 105].
خامسا: أن في هذا الصنيع تقطيع للأرحام التي أمر الله أن توصل حيث قال: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 27]. وقال أيضا جل جلاله من رب: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴿٢٢﴾ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22-23]، وهذا الأمر هو الذي به محق الله الأمم قبلنا حيث قال تعالى لهؤلاء الذين وقع سادتنا فيما وقعوا فيه من قبل نحو أهليهم وذراريهم {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ﴿٨٤﴾ ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 84-85]، وكل هذا قد كان في تلك السياسات الجائرة، خذلناهم بعد أن خدعناهم، ثم طا ردنا هم خوفا منهم وحاصرناهم، ثم علَّقناهم في المعابر، ومنعناهم وهم من أنفسنا منعناهم من التواصل مع ذويهم على ما أمر الله، وانشغلنا بقتالهم وحصارهم ورميهم بالنقائص عن قتال عدونا وعدو الله وعدوهم، ثم سوّقنا ظلمنا لهم بكلام السياسة الفاجرة والسياسيين الذين انقلبوا على دينهم ودين الأمة بعلم أو بغير علم، وحملنا الذين كان ينبغي أن نصون ولو في الظاهر مكانتهم لصالح الدولة والأمة حملناهم على العبث بمقتضى وظائفهم، والعبث بدينهم ودين الأمة على وفق ما جاء في كلام الأستاذ فهمي هويدي الذي يشبه التقرير في مقاله الفذ (عبث السياسة بالدين) الأمر الذي سقطت به هيبة ذوي الشأن بما أتوا من مكر وخداع قال فيه صلى الله عليه وسلم وفي أصحابه «والمكر والخداع في النار» [صححه الألباني]، يعني أصحاب المكر والخداع.
إننا لازلنا غير متجاوزين للفعل إلى كثير من الفاعلين -غير السابِّ لدينه والمستحل لدماء وحرمات المسلمين والمعاهدين- بهذا البيان آملين أن يسارع الذين سقطوا في حبائل الشياطين أن يراجعوا مع الله ومع الأمة دينهم، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل قبل أن تعم الكوارث وتفشوا الفواجع وتستمكن منا المواجع التي لا رجاء معها ولا حيلة عندها.
{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: من الآية88].
الثلاثاء 19 من المحرم 1431هـ الموافق 5 يناير 2010م
أجرت صحيفة الدستور المصرية الغراء هذا اليوم- يوم الثلاثاء الخامس من يناير- حديثا مع الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين جاء فيه سؤالها له عن رأيه في بناء الجدار العازل بين رفح المصرية وغزة الفلسطينية؛ فأجاب فضيلته بجواب جاء فيه: إن هذا الجدار فيه شبهة الاقتراب من الكفر، فيجب أن لا نوافق عليه؛ وأن نجاهر برأينا صراحة ؛ لأنه لا يحمي إلا أمن العدو الصهيوني" أ0هـ
ومع عظيم تقديرنا للأستاذ الدكتور ولعلمه فإنا نقول:
بل إن هذا الصنيع هو الكفر بعينه، وذلك لما يلي:
أولا: هذا الجدار هو في حقيقته إعلاء لمقتضيات السياسة الاستعمارية الكافرة التي وضعت تلك الخطوط الوهمية لتمزيق الأمة حتى يسهل عليهم فيما بعد عصور الاستقلال الزائف ابتلاع الدول مرة ثانية على ما عرف تاريخيا بخطوط سايكس بيكو، فجاء هذا الجدار محققا للاستعمار غايته في الأمة على حساب دين الله الذي قال فيه منزله {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [سورة المائدة: 48]، وإن من مقتضيات حكم الله في تلك القضية هو قوله جل جلاله {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [سورة المؤمنون: 52]، وقوله {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الانبياء: 92]، فإذا بالجدار وصانعيه ومنفذيه والمدافعين عنه يحكمون في الأمة بما يوجب الكفر لمستحليه حيث قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، وقد كان من هؤلاء المدافعين من قام على رؤوس الأشهاد بسب الدين للمنكرين لهذا الصنيع في مجلس الشأن أن أنه من أرفع المجالس، فإذا بهم يسلكونه سبيل أحط المجالس بالصمت على تلك الجريرة، فإن سب الدين معلم فاضح من معالم الردة، والمدافع عن هذا المجرم والحامي له شريك له في الإثم والحكم كما لا يخفى.
ثانيا: أن في هذا الصنيع حصار للمستضعفين والمجاهدين، مما يؤدي يقينا إلى قتلهم صبرا بسبب دينهم وجهادهم، وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء: 93]، وأي إيمان يرجى لمن قال فيه صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان والترمذي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبي شُريح الخزاعي: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» ، قيل: "ومن يا رسول الله"، قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه»، وفي لفظ: «لقد خاب وخسر من هو» وفي حديث كعب: «من خاف جاره بوائقه»، والبوائق على ما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد والإسماعيلي هي شر الجار، فأي شر أشر مما يجره هذا الجدار اللعين على المجاهدين وذويهم، وذراريهم ممن لا يملكون حيلة ولا يهتدون سبيلا؟، مما يجعل الدفاع عنهم فريضة مفروضة منكرها كافر بيقين لا حصارهم والتضييق عليهم لصالح عدوهم وعدو الله وعدونا قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ﴿٧٥﴾ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 75-76].
وبهذه الآية يتحقق ثالثا...
ثالثا: أن في هذا تمكين للصهاينة واليهود، فإنه قتال في سبيل الطاغوت، وقد قال جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51] كما سبق.
رابعا: أن في هذا الصنيع قلب للحقائق بالكذب المدفوع بدافع الحرص على متاع الدنيا الزائف بكل صنوفه، فإن الذي يهدد أمن مصر القومي هي إسرائيل وليس إخواننا وعشيرتنا من أبناء غزة المجاهدين - وليس من معنى هذا أننا ندعوا لتدليل من يثبت عليه جرم في حق مصر أو في حق غيرها من الدول ذات الاحترام المشروع والأفراد المعصومة دماؤهم وأموالهم، فمثله ينبغي أن يعرض على قضائها النزيه ليقول فيه حكمه ، ولا نقبل أن يعامل المجرم من العرب وغيرهم مثل ما يعامل به أبناء القردة والخنازير الذين يقبض عليهم متلبسين بأشنع الجرائم ثم تعفوا عنهم الدولة مجاملة لإسرائيل-.
وفي استحلال الكذب ثبوت الردة والكفر ،فقد قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل: 105].
خامسا: أن في هذا الصنيع تقطيع للأرحام التي أمر الله أن توصل حيث قال: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 27]. وقال أيضا جل جلاله من رب: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴿٢٢﴾ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22-23]، وهذا الأمر هو الذي به محق الله الأمم قبلنا حيث قال تعالى لهؤلاء الذين وقع سادتنا فيما وقعوا فيه من قبل نحو أهليهم وذراريهم {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ﴿٨٤﴾ ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 84-85]، وكل هذا قد كان في تلك السياسات الجائرة، خذلناهم بعد أن خدعناهم، ثم طا ردنا هم خوفا منهم وحاصرناهم، ثم علَّقناهم في المعابر، ومنعناهم وهم من أنفسنا منعناهم من التواصل مع ذويهم على ما أمر الله، وانشغلنا بقتالهم وحصارهم ورميهم بالنقائص عن قتال عدونا وعدو الله وعدوهم، ثم سوّقنا ظلمنا لهم بكلام السياسة الفاجرة والسياسيين الذين انقلبوا على دينهم ودين الأمة بعلم أو بغير علم، وحملنا الذين كان ينبغي أن نصون ولو في الظاهر مكانتهم لصالح الدولة والأمة حملناهم على العبث بمقتضى وظائفهم، والعبث بدينهم ودين الأمة على وفق ما جاء في كلام الأستاذ فهمي هويدي الذي يشبه التقرير في مقاله الفذ (عبث السياسة بالدين) الأمر الذي سقطت به هيبة ذوي الشأن بما أتوا من مكر وخداع قال فيه صلى الله عليه وسلم وفي أصحابه «والمكر والخداع في النار» [صححه الألباني]، يعني أصحاب المكر والخداع.
إننا لازلنا غير متجاوزين للفعل إلى كثير من الفاعلين -غير السابِّ لدينه والمستحل لدماء وحرمات المسلمين والمعاهدين- بهذا البيان آملين أن يسارع الذين سقطوا في حبائل الشياطين أن يراجعوا مع الله ومع الأمة دينهم، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل قبل أن تعم الكوارث وتفشوا الفواجع وتستمكن منا المواجع التي لا رجاء معها ولا حيلة عندها.
{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: من الآية88].
الثلاثاء 19 من المحرم 1431هـ الموافق 5 يناير 2010م
المصدر: جبهة علماء الأزهر
- التصنيف: