التفاحة المتعفنة، إيران من الداخل (02)
في الجزء الثاني من هذا المقال سنناقش قانون "زواج المتعة والمسيار" وكيف يعتبر أكبر موارد الدخل لرجال الدين في إيران، بالإضافة إلى تشريع الخميني عقب الثورة الإيرانية قانوناً يسمح للمتحولين جنسياً بالزواج القانوني ومقدار مساهمة الحكومة الإيرانية في تكاليف تلك العمليات. وسنناقش باستفاضة الأسباب التي تبررها الحكومة الإيرانية لهذا الأمور بعيداً عن الزواج المعروف به، وأثره على إيران.
استكمالاً للجزء الأول من مقالة "التفاحة المتعفنة، إيران من الداخل" سنحاول التطرق في الجزء الثاني إلى موضوع "زواج المتعة والمسيار" في إيران وكيف ساهمت الحكومة الإيرانية في تفشيها بسبب الرغبة الاستثمارية لرجال الدين في "الحوزات والمزارات" والخروج من ورطة فشل الحكومة في إدارة الاقتصاد.
في عام 2014م تم التصويت على قانون ظل مثار جدل في البرلمان الإيراني (مجلس الشورى الإسلامي)، يفيد بضرورة إنشاء "مراكز للزواج المؤقت" أو ما يصطلح عليه بزواج المتعة.
وفي مارس 2012م صادق البرلمان على تعديل يتعلق بقانون الزواج الموقت (زواج المتعة) فيمدِّد نطاقه بحيث يتسنى للرجل معاشرة أي عددٍ يرغب فيه من النساء.
تميز فيلم "في سوق الجنسين" الذي عُرض عام 2015م بوجود لقاءات حقيقية، مثل اللقاء الذي جرى في مكتب أحد رجال الدين، ويسلِّط هذا الفيلم الوثائقي الضوء على ظاهرة زواج المتعة في إيران المعاصرة، ومن أجل إنجاز هذا الفيلم التقت المخرجة النمساوية من أصل إيراني (سودابه مرتضي) بعض رجال الدين وأبناء الطبقة الوسطى والشباب، وقد سأَلَتهم حول هذا الموضوع الذي يعرفونه جميعهم معرفة جيدة، ويشترط في هذا الزواج ألا تتزوج المرأة إلا بعد شهرين من الزواج السابق، ويصف في الفيلم رجل دين مسن هذه القاعدة بأنها معقولة ويقول: "إذا تزوَّجت المرأة بشكل دائم فأين سيكون الاختلاف في ذلك عن الدعارة؟".
ودائماً عندما يتكلم رجال الدين، يبدو أنَّهم يتحدَّثون من عالم خاص بهم، وتبقى أقوالهم مثلما هي ومن دون تعليقات، وكذلك نادراً ما يسمع المشاهد أسئلة المخرجة، وبهذا يكسب الفيلم صيغته المباشرة.
وتنتشر هذه المراكز بشكل أكبر في المراكز المقدسة (قم) و (مشهد)، ويروي سائق التاكسي في مدينة مشهد لمراسل جريدة "الغارديان" كيف أنه اختلف مع راكب عراقي قصد المدينة بحثاً عن النساء والمتعة، مضيفاً: "الزائر العراقي دوَّن رقم السيارة وقدم شكوى ضدي، وبدلاً من أن يشكروني بسبب أنني غضبت لشرفي، فإنهم عاقبوني بغرامة 140 دولاراً، واحتجزوا سيارتي مدة شهرين منعوني خلالها من العمل".
وكان المسؤول عن التخطيط والتنمية في مدينة مشهد (محمد مهدي باراداران) أعلن مطلع 2015م أن المدينة تستقطب 1.5 مليون زائر أجنبي سنوياً، من بينهم 23% يأتون من العراق. وقال باراداران: "الكثير من الزوار الأجانب يأتون الى إيران من أجل زيارة مرقد الإمام رضا في مشهد"، مشيراً الى أن كافة المدن الإيرانية مجتمعة لا يمكن أن تتفوق على عدد زوار مدينة مشهد وحدها، ولأجل كل ذلك انتشرت مواقع إلكترونية من أجل هذا الزواج مع تحديد الأسعار بالوقت، ويدير هذه المواقع رجال الدين داخل إيران.
لكن السؤال لماذا يُصرُّ رجال الدين في إيران على استمرار "زواج المتعة" بالرغم من أنه يتعارض مع العادات والتقاليد الإيرانية؟
الإجابة على هذا السؤال قال (محمدود غولزاري) مساعد وزارة الشباب والرياضة الإيراني: "إن المواقع التي تروج لزواج المتعة يجب حظرها، رغم أن هذه المواقع تعتبر من أهم موارد الدخل لرجال الدين، إلا أنها يجب أن تغلق؛ لأنها تعود بالضرر الكبير بحق الأسر والمجتمع".
ووَفقاً لوكالة (إيلنا) العمالية الإيرانية، فإن الوزير أكد أن هدف رجال الدين الشيعة من الترويج لهذه الظاهرة هو إيجاد الحلول للمشاكل الجنسية لدى الشباب، وليس حل المشاكل الأسرية.
وسبب تلك المشاكل "الجنسية" أرجعته صحيفة (كارون) الإيرانية إلى زيادة نسبة الفقر، وزيادة نسبة العنوسة لدى الشباب في إيران؛ إذ تفوق 47%، وتزداد البطالة لدى هذه الشريحة إلى ما يفوق 48% من نسبة البطالة الإجمالية بـ 25%.
يحاول رجال الدين في إيران امتصاص غضب الشباب من عدم إمكانية الاستقرار وفتح عائلة جديدة، وهو ما سيولد انفجاراً ضد النظام الحاكم الأكثر فساداً في المنطقة؛ حيث جاءت إيران في أسفل مؤشر مدركات الفساد عام 2014م.
تحولت الهيئات الدينية المسؤولة في إيران عن عقود التوثيق إلى ممارسين لهذه العملية كوسطاء، بحيث تتيح للراغبين في زواج المتعة من انتقاء من يرغبون بهن من ألبوم صور يملكونه في مكاتبهم، مقابل مبالغ مالية معينة، خارجة عن إطار العقد، وهو ما كوَّن ثروة هائلة لدى هذه المؤسسات تموَّل من خلالها التدخلات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكان محمود أحمدي نجاد قد أكد في مطلع عام 2013م امتلاك وثائق فساد بالمئات تدين رجال الدين في معسكر المحافظين.
استطاعت القيادة الإيرانية إحالة المشاكل الاقتصادية والسياسية داخل تلك الدولة إلى حلول يمكنهم من استثمارها، وتدر عليهم دخلاً مربحاً، لكن مع كل ذلك يذهب المجتمع الإيراني نحو الانفجار وتهديد الحكومة الدينية، ليتمكن من صناعة نظام حكم يمكنه من الحكم والسيطرة على مقاليد السلطة في البلاد بعيداً عن الطائفيين.
-----
عدنان هاشم
- التصنيف:
- المصدر: