خطب مختارة - [62] أهمية الإخلاص
إن ربَّنا جل وعلا أغنى الشركاء عن الشرك؛ وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، في الحديث القدسي قال الله: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه»[صحيح مسلم: 2985].
الخطبة الأولى:
أما بعد، فإن الله خلق الخلق وبعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
إخوة الإسلام، إن عبادة الله لا تقوم ولا تستقيم إلا بالإخلاص له، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. فالإخلاص لله هو حقيقة الدين ولب العبادة وشرط قبول العمل، فهو بمنـزلة الأساس للبنيان وبمنـزلة الروح للجسد، فلا عبادة ولا عبودية لمن لا إخلاص له، قال الله سبحانه وتعالى مخبرًا عن أعمال الكفار التي لا إخلاص فيها ولا توحيد: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]، فهذا الإحباط للعمل والإبطال للسعي نصيب كل من لم يخلص لله تعالى في قوله وعمله قال الله سبحانه وتعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15:16].
ما هو الإخلاص؟ عرفه الإمام أحمد رحمه الله: إذا عملت عملًا لا تريد به الدنيا. وهذا الإخلاص يحتاج إلى مجاهدة النفس، قال أحد السلف: ما عالجت شيئًا أشد عليّ من نيتي فإنها تتقلب عليّ.
إخوة الإيمان، إن ربَّنا جل وعلا أغنى الشركاء عن الشرك؛ وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، في الحديث القدسي قال الله: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه»[صحيح مسلم: 2985].
واسمعوا لهذا الحديث العظيم الذي أخاف الأخيار وأبكاهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « » [صحيح مسلم: 1905]. نعوذ بالله من حال أهل النار. هؤلاء الثلاثة عملوا أعمالًا عظيمة جليلة؛ لو أخلصوا فيها لنالوا الدرجات العالية في الجنة، لكنهم لما أرادوا الدنيا بعمل الآخرة كان مصيرهم أو من تُسعّر بهم النار.
عباد الله، إن من أعظم أسباب غياب الإخلاص في أعمال كثير منا هو طلب الدنيا ومحبة المدح والثناء؛ فإن الإخلاص لا يقر في قلب مليء بمحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس. قال ابن القيم رحمه الله: "فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولًا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص.
وإن مما يعينُنا على ترك الطمع في إرادة الدنيا ويسهله علينا يقيننا أن الخير كلَّه بيد الله تعالى لا يملكه غيره فمن أراده طلبه منه وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله علمك أنه ليس أحدٌ ينفعُ مدحُه ويزين؛ ويضرُّ ذمُّه ويشين إلا الله تعالى. فازهد يا عبد الله في مدح من لا يزينك مدحه وفي ذم من لا يشينك ذمه. وارغب في مدح من كل الزين في مدحه وكل الشين في ذمه. وكن ممن يعمل، وكن ممن يعمل العمل الصالح ولا يريد بذلك من الناس جزاء ولا شكورًا.
وإنَّ مما يعين على الإخلاص تذكر أن الله لا يقبل العمل الصالح ما لم يكن مصاحبًا له الإخلاص لله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: «البخاري: 1]، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « » [صحيح الترغيب: 1331].
» [صحيحومن فوائد الإخلاص؛ أن العمل القليل مع الإخلاص سبب للفوز برضا الله تعالى والنجاة من سخطه وأليم عقابه. ومن أمثلة ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «صحيح البخاري: 6539].
» [ومن فوائد الإخلاص؛ أن الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من التوحيد والإخلاص، فتكون صورة العملين واحدة وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض، وفي الحديث: « » [صحيح أبي داود:796]. فاتقوا الله أيها المؤمنون وأخلصوا لله رغبتكم وعملكم فإنه تعالى لا يُضيع عملَ المخلصين.
الخطبة الثانية:
أما بعد، فإن من بركات الإخلاص؛ أنه سبب لقوة القلب وثبات اليقين عند توارد الفتن والزيغ فهذا نبيكم صلى الله عليه وسلم لما كمَّل مراتب الإخلاص أنزل الله على قلبه السكينة فثبت فؤاده ونصره على أعدائه فالعبد يُنصر بإخلاصه لله تعالى. فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » [صحيح الجامع: 2388]
إخوة الإيمان، إن الله سبحانه وتعالى يقول في معرض خطابه لإبليس: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِين} [الحجر: 42]، واستثنى إبليس عباد الله المخلصين واعترف بأنه لا يستطيع أن يتسلط عليهم: {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 40]، فالمخلصون الموحدون محفوظون بحفظ الله {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]. فلنجاهد أنفسنا في إخلاص العمل لله عسى أن نُحصِّل تلك الفضائل والمناقب.
اللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل.
- التصنيف:
- المصدر: