الخلافات الزوجية سكين يذبح الأبناء
مجموعة من النصائح لكل زوج وزوجة في كيفية التعامل مع الخلافات الزوجية أمام الأبناء.
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - تربية الأبناء في الإسلام -
الخلافاتُ الزَّوجيةُ من أشدِّ الأمورِ التي تؤثِّرُ نفسياً على الأبناء؛ لأنَّها تزرعُ الخوفُ داخِلَهم نتيجةَ الشعورِ بِفَقْدِ الاستقرارِ والأَمَان، فالأطفالُ في حاجةٍ إلى مُحيطٍ أُسَرِيٍّ هادئ، يُشْعِرُهُم بالطُّمَأنينةِ والأمْنِ، أمَّا النِّزاعات والاختلافات فهي بمثابةِ عاصفةٍ عاتيةٍ تُدَغْدِغُ مَشَاعِر الطفلِ، وتقْذِفُ في قلبِهِ الخَوْفَ والقلقَ، فالابتسامةُ والحنانُ والمحبَّةُ والرِّعايةُ هي حقُّ الطُّفولةِ، وهِي من واجباتِ الوالدينِ.
هناك العديدُ من المضاعفاتِ النفسيةِ والجُسْمانِيةِ التي تُلازِمُ الأولادَ الذين يعيشون في ظلِّ أجواءٍ عنيفةٍ داخل العائلة، فحالةُ التَّوتُّرِ التي يعيشُ فيها الطفلُ تُوقِعُهُ في أزماتٍ تجعلُهُ يَفقِدُ القدرةَ على السيطرةِ الذاتيةِ والتَّأقلم؛ وبالتالي تؤدِّي إلى خطرِ الفشلِ المدرسيِّ خاصةً، والفشلِ في الحياةِ عامةً، فالأبناءُ هم أولُ من يحصُدُونَ النتائجَ السَّلبيةَ المُترتِّبةَ على المشكلاتِ الزوجيةِ.
ومن الغريب أن نعرفَ أنَّ الخلافَ الصامتَ الذي يُحاوِلُ الوالدانُ إخفاءَهُ ظاهريًا عن الأبناءِ أشدُّ تأثيرًا على الأبناءِ من الخلافِ الصاخِبِ؛ وقد عَزَت بعضُ الآراءِ العلميةِ الحديثةِ أحدَ أسبابِ الرَّبْوِ في سنواتِ الطفولةِ الأولى إلى الخلافِ المكتومِ بَيْنَ الأبوين الذي يستشعرُهُ الطفلَ وإنْ كانَ خافيًا.
وعلى الجانب الآخر فالطفلُ الذي ينشأُ في كنَفِ والِديْنِ يبدو أنهما غاية في الاتفاق - أوهكذا يمثِّلانِ أمَامَه - يَنقُصُ تربيتَهُ جانبَ كبيرٍ يحتاجُه لمواجهةِ الحياةِ الواقعيةِ بمكوِّناتِها، فالطفلُ لا بُدَّ أن يعرِفَ أنَّ هناكَ غضبًا يحتاجُ للتنفيس أو التعبيرِ عنه، وأنَّ هناك انفعالاتٍ ثائرةٍ تحتاجُ للتعبير، بشكل لايتجاوزُ حدودَ اللائِقِ.
وبما أنَّ منعِ الخلافاتِ تمامًا مُنافٍ للطبيعةِ البشريةِ، بل ولطبيعة الاجتماعِ البشريِّ وما يحملُه من احتكاكاتٍ يوميةٍ لا تخلو من اختلافاتٍ في وِجْهاتِ النَّظرِ، الأمرُ الذي يجعلُ من الصعب - إنْ لَمْ يكنْ من المستحيل - منعها، فسبيلُ الحلِّ هو إيجادُ أُسلوبٍ للتَّفاهمِ، الذي لا يُقَلِّلُ فقط من أثرِ تلك الخلافاتِ على الأبناءِ، بل يتجاوزُه إلى تدريبِهم على فنِّ إدارةِ الخلافاتِ في حياتهِم بشكلٍ عام.
إلى كلِّ زوجٍ وكلِّ زوجةِ:
1. لا يشُّكُ أحدٌ في أنَّ أَوْلَى حاجاتِ الطفلِ في هذه الحياةِ هي أنْ يكونَ له أبٌ وأمٌ بينَهما حبٌ قويٌّ لا ينتهي؛ لأنَّ الاثنيْنِ هما أساسُ حياتِه، والطفلُ يرغبُ في أن يكونَ عالَمَهُ الخاصُ به متماسكًا لا تَمَزُّقَ فيه ولا تَصَدُّعَ، ولا يوجد حلٌ لذلك إلا أن تجعلا الشيءَ الوحيدَ الذي تتفقان عليه أنتِ وزوجِكِ -إنْ لمْ تَجِدا أيَّ نِقاطٍ أخرى للاتفاق- هي مصلحةُ هذا الطفلِ البريء.
2. لا يوجدُ في العلاقاتِ الإنسانيةِ بين البشر بصورةٍ عامةٍ، وبين الزوجينِ بصورةٍ خاصةٍ، قراراتٍ نهائيةٍ قاطعةٍ ُتستخدَمُ فيها لغة: (لقد رَفَضتُ رفضًا قطعيًا) أو (إذا لم يستجبْ لطلِبها فسوف تطلبُ الطلاقَ) ... فالوصولُ بالأمورِ إلى حافةِ الهاويةِ هو وسيلةٌ للتفاوضِ والضغطِ بين الدول، أو للتعاملِ بين الأفرادِ في القضايا الاقتصاديةِ أو غيرِها، ولكن لا تصلحُ أساسًا للعلاقةِ بين زوجينِ تقوم حياتُهما على التفاهمِ والحوارِ في كلِ أمرٍ من أمورِ حياتِهما.
3. تَجَنُّبُ الاختلافِ والمشاجرةِ الدائمةِ أمامَ الأبناءِ والتَّعهُدِ على ذلك، فينبغي أن لا تكونَ الخلافاتُ الزوجيةُ أمامَ الأطفالِ هي الحالةُ الغالبة؛ إذ لا بأسَ أن يرى الأطفالُ خلِافًا بين الحينِ والآخر؛ لكن لابدَّ أنْ يروا حالاتِ الصفاءِ والودِّ بين الزوجينِ أكثرَ وأغلب.
4. عدمُ انتقادِ أحدِ الزوجينِ للآخرِ على أُسلوبِهِ في تربيةِ ابنِه أو ابنتِه في حضورِهما، ولْيؤجِّلْ هذا النَّقدَ إلى وقتٍ آخر بعيدًا عن الأولادِ.
5. مُضاعفةُ التَّسامحِ بين الزوجينِ في الأوقاتِ الحرجةِ، والتَّغافلُ عن هفواتِ بعضِهما، وعدمُ تتَّبعِ الأخطاءِ والمحاسبةِ على كل شاردةٍ وواردةٍ.
6. مراعاةُ مشاعرِ الآخر وفَهْمُها؛ لأنَّ من أسبابِ الجفاءِ الذي يُباعدُ بين الزوجينِ إهمالِهما الثناء، أي إشادة كل منهما على إيجابيات صاحبه.
7. كونا نموذجين يُحتذَى بهما، فالأطفالُ يتعلَّمون من آبائهم الكثير، فمن الممكنِ أنْ يتعلموا أنَّ تَعَدُّدَ الآراءِ أمرٌ صحيٌّ، وأنَّ الاختلافَ في الرأيِّ لا يجعلُ صاحبَه (جيداً) أو (سيئاً)، فينبغي أن يكونَ الخلافُ خلافًا لا يَتجادَلُ فيه الزوجان لإثبات صحةِ رأيِّ أيٍّ منهما أو الدفاعِ عن نفسه. ولا يتحول إلى سُبابٍ أو شتامٍ، أو أن يحاولَ كلُّ طرفٍ إيذاءَ الطرفَ الآخرَ بالإهانةِ أو السَبِّ أو الضَرْبِ أو نحو ذلك، أو التذكيرِ بأخطاءٍ أو عيوبٍ سابقةٍ.
8. تَعوَّدا أن ينتهي الأمرُ في الخلافِ بالوصولِ إلى حلٍّ يُرضِي الطَّرفيْن، وذلك أمام الأطفال، وهذا في غايةِ الأهمية؛ إذ من خلالِ ذلك يتعلمُ الأطفالَ أُسلوبَ حلِّ المشكلاتِ، كما يتعرَّفونَ على الواقعِ أيضًا.
9. الحذرُ من إقحامِ الأطفالِ في قضيةِ الخلافِ، فقد يميلُ أحدُ الأبوين - خصوصًا الأم - إلى استمالةِ أطفالهما ليكونوا في صفِّ أحدِهما، هذا الموقفُ له آثارًا خطيرةً على نفسيةِ الأطفالِ، ويَضعْهُم في موقفٍ صعبٍ؛ إذ عليهم أن يختاروا بين أحدِ الأبوين، وهذا جِدُّ عسير على وجدانِ الطفل.
10. إذا فَقَدُّتُمَا أعصابَكما سريعًا أو رفعْتُما صوتيْكُمَا، سيتعلمُ أطفالَكما أن يفعلوا نفسَ الشيءِ، فحاوِلا أن تتحكَّما قدْرَ الإمكانِ في ردودِ أفعالِكما، وانتبِها للألفاظِ التي تستخدِمانِها، والأسلوبُ الذي تتحدثانِ به كيْ لا يَخْرجُ عن حدودِ اللياقةِ والآدابِ المعروفةِ.
11. في حالةِ وجودِ أطفالٍ صغارِ (حتى سنِّ سبعةِ أو ثمانيةِ أعوامٍ) غالباً يكونُ من الأفضلِ عدم اختلافِ الأبوينِ أمامهم، لأنَّ الأطفالَ في هذا السنِّ يتَّسِمونَ بالجُمودِ النَّفسيِّ، ولا يستطيعونَ فَهْمَ أنَّ الشخصَ يُمكِنُ أنْ يتجادلَ مع شخصٍ آخرٍ دونَ أنْ يكْرَهَهُ.