رواية قواعد العشق الأربعين في ميزان التصور الإسلامي - (8): الرواية و وصف الله تعالى بما ليس صفته.

منذ 2016-03-08

نقد الرواية الجزء السادس: من المعلوم أن صفات الله تعالى توقيفية لا تثبت إلا بنص شرعي ودليل من الكتاب والسنة؛ إلا أن الرواية مليئة بالكثير من الصفات والأفعال التي تنسبها الكاتبة لله تعالى ولم تنص عليها النصوص الشرعية؛ مما أوقعها في الإلحاد في أسمائه وصفاته -سبحانه وتعالى- وذلك حين تنسب له عز وجل ما لا يليق بكماله وجلاله وعظمته وجماله.

ثامنًا وصف الله تعالى بما ليس صفته:
من المعلوم أن صفات الله تعالى توقيفية لا تثبت إلا بنص شرعي ودليل من الكتاب والسنة.
ومعنى توقيفية أي: (تتوقف على ما ورد في الكتاب والسنة ولا مجال للعقل فيها إلا تأييد ما دل عليه السمع من الصفات، فلا نثبت لله من الصفات إلا ما دل الكتاب والسنة على ثبوته.)، [محمد بن عبد الرحمن الخميس، شرح الرسالة التدمرية، ص347].

إلا أن الرواية مليئة بالكثير من الصفات والأفعال التي تنسبها الكاتبة لله تعالى ولم تنص عليها النصوص الشرعية؛ مما أوقعها في الإلحاد في أسمائه وصفاته -سبحانه وتعالى- وذلك حين تنسب له عز وجل ما لا يليق بكماله وجلاله وعظمته وجماله.

* فتصف الله تعالى أنه يظل مخفيًا:

يقول الرومي "لقد خلق الله المعاناة حتى تظهر السعادة من خلال نقيضها فالأشياء تظهر من خلال أضدادها وبما أنه لا يوجد نقيض لله فإنه يظل مخفيا" [الرواية- ص١٧٨].
ومعلوم أن ما ورد في الكتاب والسنة أن الله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: الآية3].

* وصف الله بالحلول في الأشخاص –حاشا لله-:

في قوله شمس التبريزي لحسن الشحاذ بعد أن قدم له مرآة: "احتفظ بها لقد قدمها لي رجل طيب في بغداد لكنك تحتاجها أكثر مما احتاجها أنا إنها ستذكرك بأنك تحمل الله في داخلك" [الرواية- ص181].

*وصف الله تعالى بالعجز وأنه ليس سوى انطباع وشعور المرء له.

يقول صاحب الحانة:
"إن كان الله هنا فهو لا يحرك ساكنا ونحن نعاني من أسوأ النهايات فماذا يعني ذلك؟"
فقلت: إنها القاعدة الأولى يا أخي:إن الطريقة التي نرى فيها الله ما هي إلا انعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا فإذا لم يكن الله يجلب إلى عقولنا سوى الخوف والملامة فهذا يعني أن قدرا كبيرا من الخوف والملامة يتدفق في نفوسنا أما إذا رأينا الله مفعما بالمحبة والرحمة فإننا نكون كذلك" [الرواية- ص48]
وهذا من وصف الله بما لم يصف به نفسه وبما لا يليق بكماله وجلاله، وكأنه تعالى ليس سوى انطباع أو شعور كامن في ذوات البشر فصفاته تنبع من تصرفاتنا الداخلية وهو موجود ومتصف فقط بقدر وجوده الذهني الداخلي في كل شخص ليس إلا.
وهذا الكلام لا يجوز في حق الله جل جلاله ولو تحجج البعض أنه على سبيل المجاز والخيال - وما قدروا الله حق قدره، فالله تعالى متفرد بصفات الكمال والجلال والجمال وأفعاله سبحانه وتعالى كلها حكمة، وليس الكمال رد فعل لنا أو انعكاس لله تعالى بل الله رحمته وسعت كل شيء وسبقت غضبه وليست رؤيتنا نحن هي التي تحدد صفاته وأفعاله.

* ادعاؤها جواز تكليم الله:

يقول شمس " ومنذ طفولتي كنت أرى رؤى وأسمع أصواتا وكنت أكلم الله وكان يرد عليّ على الدوام وفي بعض الأيام كنت أصعد إلى السماء السابعة بخفة شديدة ثم أهبط في أعمق حفرة في الأرض تفوح منها رائحة التراب" [الرواية- ص ٥٨].
وقد أجمع العلماء على أن تكليم الله تعالى للبشر في الدنيا لم يرد إلا في حق الأنبياء والمرسلين يقول تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}[الشورى: الآية51].
يقول ابن كثير في تفسير الآية "هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الله، عز وجل"
ويقول عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "تكليمه تعالى لا يكون إلا لخواص خلقه، للأنبياء والمرسلين، وصفوته من العالمين، وأنه يكون على أحد هذه الأوجه.
إما أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ وَحْيًا بأن يلقي الوحي في قلب الرسول، من غير إرسال ملك، ولا مخاطبة منه شفاها.
{أَوْ} يكلمه منه شفاها، لكن {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} كما حصل لموسى بن عمران، كليم الرحمن.
{أَوْ} يكلمه الله بواسطة الرسول الملكي، فـ { يُرْسِلَ رَسُولًا} كجبريل أو غيره من الملائكة.{فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ} أي: بإذن ربه، لا بمجرد هواه، {إِنَّهُ} تعالى علي الذات، علي الأوصاف، عظيمها، علي الأفعال، قد قهر كل شيء، ودانت له المخلوقات. حكيم في وضعه كل شيء في موضعه، من المخلوقات والشرائع.

أمّا مقصد الباطنية المتصوفة هو عدم تفضيل الأنبياء في مسألة التكليم رغم أنها خاصة لا تكون إلا للرسل وتكليم الله لموسى هو في المقام الأول قبل إرسال الوحي بواسطة كما هو معلوم عند أهل السنة، يقول ابن تيمية رحمه الله: "هؤلاء يزعمون أن تكليم الله لموسى فيض فاض عليه، ومنهم من يقول أنه كلم أفضل مما كلم موسى وكان في زماننا من يقول هذا ويقول أن موسى كلم من وراء حجاب الحرف والصوت وهو يكلم دون ذلك الحجاب ومقصوده أنه سمع في نفسه حروفا وأصواتا وهي التي سمعها.
فإنه ليس عند هؤلاء أنه سمع شيئا خارجا عن ما في نفسه وتلك الحروف والأصوات الخيالية هي التي تبين له المعاني العقلية قالوا ونحن خوطبنا بتلك الحقائق العقلية من غير احتياج إلى هذه الواسطة." [ابن تيمية، الصفدية، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط2 (مكتبة ابن تيمية-مصر) (1/ 251,250)].

"ثم صاحب الفصوص – أي ابن عربي - وأمثاله بنوا الأمر على أن الولي يأخذ عن الله بلا واسطة، والنبي يأخذ بواسطة الملك، فلهذا صار خاتم الأولياء أفضل عندهم من هذه الجهة، وهذا باطل وكذب، فإن الولي لا يأخذ عن الله إلا بواسطة الرسول إليه، وإذا كان محدثاً قد ألقي إليه شيء وجب عليه أن يزنه بما جاء به الرسول من الكتاب والسنة...

-وفي دعوتهم- أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء من بعض الوجوه:
وأعظم من ذلك زعمه أن الأولياء والرسل من حيث ولا يتهم تابعون لخاتم الأولياء وأخذوا من مشكاته، فهذا باطل بالعقل والدين، فإن المتقدم لا يأخذ من المتأخر، والرسل لا يأخذون من غيرهم. وأعظم من ذلك أنه جعلهم تابعين له في العلم بالله الذي هو أشرف علومهم، وأظهر من ذلك أن جعل العلم بالله هو مذهب أهل وحدة الوجود القائلين بأن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق. [ابن تيمية، مجموعة الرسائل والمسائل - رشيد رضا (4/ 66-64) بتصرف].

* وصف الله بأنه أفضل حكواتي -حاشا لله:
يقول شمس لعلاء الدين بن جلال الدين الرومي: "إن الرجل الذي لا وقت له لسماع القصص لا وقت لديه من أجل الله ألا تعرف ان الله أفضل حكواتي؟" [الرواية-ص 396].

* الحديث عن الله جل جلاله بسوء أدب وبطريقة التشبيه والندية ووصفه بصفات سلبية وأنه يحتاج للتنظيف والغسل – تعالى الله عما يقولون- حتى أن الراعي يعرض على الله تعالى أن يفليه من القمل.

ففي قصة الراعي يدعو الله ويناجيه بما لا يليق بكماله وجلاله وهذا لا يجوز شرعا ولا ينطوي فطرة ولا عقلا فإن كل عاقل لا يحدث الله تعالى مهما بلغ جهله عنه بهذا الأسلوب المغرق في سوء الأدب والتشبيه والتمثيل والندية بل أن معرفة الكمال الإلهي فطرة جُبل عليها البشر ومعلومة لا يختلف عليها إلا الملاحدة والمشبهة.

والقصة لا تقاس أبدا على الراعي الذي فقد غنمه فأخطأ من شدة الفرح في الحديث النبوي، فالراعي الذي في الرواية يتحدث حديثا مطولا لإله مشخصن يفتقر إلى التنظيف ولذة المأكل والمشرب مسلوب الإرادة وليس الحديث عن مجرد خطأ لفظي عارض وقع فيه راع بسيط من لم يتدارك عقله للحظات عابرة.
وأسلوب الكاتبة في حديث الراعي يذكرنا بأقاصيص اليهود في الكتاب المحرف ووصف الله تعالى بما لا يليق به على سبيل التمثيل والتشبيه والندية بما لا يجعل فارق بين الإله والعبد حتى أن العبد يتغلب على إلهه ويفقأ عينه ويوبخه...الخ
ودعونا نستعرض كلام الراعي في الرواية والذي يغني عن كل نقد، يقول الراعي: "يا إلهي إني أحبك أكثر مما قد تعرف سأفعل أي شيء من أجلك فقط قل لي ماذا تريد حتى لو طلبت مني أن أذبح من أجلك أسمن خروف في قطيعي فلن أتردد في عمل ذلك أشويه وأضع دهن إليته في الرز ليصبح لذيذ الطعم...ثم سأغسل قدميك وأنظفك وأفليك من القمل هذا هو مقدار محبتي لك".
    وبهذه الحجة تبرر الكاتبة لقاعدتها وهي أن لكل واحد طريقته التي يتواصل بها مع ربه وهو تطبيق جيد لما تقدمت به في مساواتها بين جميع الملل والنحل في ما ادعته من العشق الإلهي.

تقول الكاتبة على لسان شمس التبريزي: " فكما ترى لا تحكم على الطريقة التي يتواصل بها الناس مع الله فلكل امرئ طريقته وصلاته الخاصة إن الله لا يأخذنا بكلمتنا بل ينظر في أعماق قلوبنا وليست المناسك أو الطقوس هي التي تجعلنا مؤمنين بل إن كانت قلوبنا صافية أم لا". [الرواية- ص79].

وتعويلا على الباطنية يؤصل شمس لقاعدة اخرى من قواعده وهي: "تنبع مشاكل العالم من أخطاء لغوية ومن سوء فهم بسيط لا تأخذ الكلمات بمعناها الظاهري مطلقًا وعندما تلج دائرة الحب تكون اللغة التي نعرفها قد عفى عليها الزمن فالشيء الذي لا يمكن التعبير عنه بكلمات لا يمكن إدراكه إلا بالصمت" [الرواية- ص101].

وأخيرًا أعلم أنني لم آتي على نقد الرواية بالكامل إلا أن التعليق الإجمالي للرواية يصرح بالكثير من المعتقدات الباطنية الكفرية التي لا ينبغي التغاضي عنها ولا يمكن وصفها بأنها من التصوف المتزن بحال، ويبقى الأدب في مقامه ومكانته ومثاليته وخياله أدبا ما لم يمس العقيدة والشريعة وإلا فهنا نقول له لا خيال ولا مثالية ولا عاطفة ولا شاعرية ولا أدبا بل هو فجرا وكفرا والله المستعان وعليه التكلان.

المصدر: فريق عمل طريق الإسلام
  • 2
  • 1
  • 9,107
المقال السابق
(7): الرواية والغزل والحب
 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً