خطب مختارة - [85] الخوارج وداعش ومنتحر عسير

منذ 2016-03-09

إن الواجب علينا أفرادا ووزارات ومؤسسات تربوية واجتماعية محاربة هذا الفكر الضال ببيان الفكر الصحيح والحجة والبيان، والعناية بتوجيه الناشئة التوجيه الصحيح؛ وتحذيرهم من وسائل هؤلاء المفسدين ومواقعهم وشبهاتهم، وتبصيرهم بوجوب السير خلف ولاة أمرهم وعلمائهم، للحفاظ على أمن هذه البلاد ومقدساتها، والحفاظ على أنسنا وأعراضنا وأهلينا؛ من مكر أعدائنا المتربصين بنا.

الخطبة الأولى:

عباد الله، لما بزغَ نورُ الإسلام، وظهرت هداياتُه على نفوس أتباعه، أُشرِبَت قلوبُهم محبَّتَه، وتعلَّقَت أفئِدتُهم بخدمته. فتعلَّموه وعلَّموه، وامتثَلُوه ونصرُوه، وبذلُوا لأجلِه حتى أرواحَهم.

وعندما بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإرسال السرايا والجيوش إلى الأمصار كان يوصيهم بوصايا عظيمة؛ ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم يقول لهم: «اخْرُجُوا بِسْمِ اللهِ، تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، لَا تَغْدِرُوا، وَلا تَغُلُّوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ، وَلا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ» [مسند أحمد: 4/257]. 

فهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للمجاهدين في سبيل الله وقد سار عليها خلفاؤه وأصحابُه من بعده، ثم نبتت فيهم نابتة شرٍّ انحرفت عن الحق، وكفّرت المؤمنين وتجرأت على دمائهم؛ فقتلت عثمان رضي الله عنه وهو يقرأ القرآن؛ وسال دمه الطاهر على مصحفه، ثم ناصبوا خليفته أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه العداء، وجيّشوا الجيوش لقتاله، ثم تجرأ أشقاهم فقتل عليًّا رضي الله عنه وهو خارج لصلاة الفجر. ولم تزل هذه الفئة المارقة تظهر في ديار المسلمين بأسماءَ متعددةٍ؛ لكنّ الفكر واحد، تظهر فترة وتقوى؛ وتضعف أخرى، وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما قال عند تفقده لقتلى معركة النهروان التي كانت مع الخوارج جعل الناس يقولون: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي قطع دابرهم. فقال علي رضي الله عنه: كلا والله إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، فإذا خرجوا من بين الشرايين فقَلّ ما يلقَون أحدا إلا ألّبوا أن يظهروا عليه.

أيها الإخوة المؤمنون، وهاهم اليوم يجوسون خلال ديار الإسلام إفسادًا، وبالأمة قتلًا ونكالًا، ووصل بهم الأمر أن أطلقوا على عصاباتهم المارقة وتجمعهم اسم: (دولة الإسلام في العراق والشام) ويرمز لهم اختصارًا باسم (داعش)، وهم لم يراعوا أصولًا عظيمة في الإسلام، وقد بث هذا التنظيم الفاجر أعوانَه وأنصاره ومن تبنى فكره ممن غُرِّر بهم من أبناء الأمة ليعيثوا فسادًا، وقد سمَّوا مكان تجمعهم في بلاد الشام والعراق اسم (دار الهجرة)، وجعلوا بقية ديار المسلمين (دار كفر وحرب)! وهذا حالهم من قديم كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في فتاويه، وقد نال بلادَنا منهم أذىً كثيرًا وقضى عدد كبير من مواطنينا نَحْبَهم بأيديهم الخائنةِ الآثمة، ووصل بهم الأمرُ أنهم يَعُدُّون قتلَ المسلمين والغدر بهم جهادًا، ولو كانوا في المساجد يُصلّون! ويعدُّون الانتحارَ بالأحزمة المتفجرة لقتل المؤمنين شهادة، ويعتبرون الإفساد في الأرض تحريرًا لها، هكذا سوّلت لهم شيطانُ الإنس والجن، فويل لهم مما كسبت أيديهم وويل لهم مما يقترفون.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم: "ويكفّرون من خالفهم، ويستحلون منه لارتداده عندهم ما لا يستحلونه من الكافر الأصلي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: «يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان» [صحيح البخاري: 7432]. وهذا حالُهم في بلاد المسلمين اليوم!

وقد استشرف حالَهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لما بدأت فتنتهم في بلادنا قبل عشرين سنة وذلك بعد تفجير العليا بالرياض عام 1415هـ حين قال: "اليوم يقاتلون أهل الذمة وغدًا يقتلون أهل القبلة".

وقانا الله وبلادنا وبلاد المسلمين شرهم وكيدهم، وسلّم شبابنا من ضلال أفكارهم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله.

الخطبة الثانية:

عباد الله، إنّ أول من قتل المصلين هم كفار قريش وبنو بكر قبل فتحِ مكة؛ عندما أغاروا على خزاعة حلفاء الرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية؛ فاستنجد عمرو الخزاعي برسول الله صلى الله عليه وسلم بقصيدة منها:

هم بيّتونا بالوتيرِ هجدًا *** وقتلونا ركعًا وسجدًا

وكان من أثر ذلك فتحُ مكةَ شرّفها الله وانتشارُ الإسلام. وجدد غرس قتل المصلين واستغلال اجتماعهم وتوجههم لربهم بهذه الفريضة العظيمة أبو لؤلؤة المجوسي حينما عدى على أميرِ المؤمنين عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه وقتله وهو يصلى بالناس الفجر؛ وقتل وجرح آخرين، وهذه الفعلة الشنيعة تكررت في الأسبوع الماضي بصورة بشعة عندما تسلل أحد عناصر تنظيم داعش الضال إلى مقر تدريب عسكري؛ وقت أدائهم لصلاة الظهر في المسجد؛ وفجر نفسه بحزام ناسف بين المصلين، قضى منهم مباشرة عددٌ كبيرٌ وجُرِحَ آخرون نحتسب على الله أن يجعلهم من الشهداء والمرابطين في سبيله، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جنانه. أما من اعتدى عليهم؛ وفجّر نفسه ليقتلهم؛ فقد بَاءَ باللعنات؛ لعنة الغدر، ولعنة قتل النفس المعصومة، ولعنة الإفساد في الأرض: {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}  [النساء:52].

والغدر أن يؤمَّنَ شخصٌ ثم يَقتل، والغدر والقتل سواء، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ؛ لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ» [مسند أحمد: 3/19]. (والفتك: القتل على غفلة وغرة، ومعنى الحديث: أن الإيمانَ يمنعُ المؤمنَ أن يَفْتِكَ بأحدٍ، ويحميه أن يُفْتَكَ به، فكأنه قد قيد الفَاتِك ومنعه فهو له قيد، وقد حذر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الغَدْرِ فَقَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [صحيح مسلم: 1738]، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اسْتِهِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ» [صحيح البخاري: 6178]). ومعنى (عند اسْتِهِ) أي خلف ظهره لأن لواء العزة ينصب تلقاء الوجه فناسب أن يكون عَلَمُ المذلّةِ والغدر في تلقاء ظهره في مؤخَّره. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ لِوَاءَ غَدْرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [الصحيح المسند: 1008]. 

أيها الإخوة: ولقد باء الفاعل المعتدي بلعنة قتل النفس المعصومة، فجريمته قتل عمد لأنفس معصومة حرم الله إزهاقها، وقد توعد الله القاتل بأعظم وعيد فقال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنّه: «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» [صحيح البخاري: 6862]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلاَّ مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا» [صحيح أبي داود: 4270]. وهذا العمل إفساد في الأرض{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة:64] و{إنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] ، والمفسِد مدحور بإذن الله؛ وشأنه إلى بوار.

وبعد أيها الإخوة، فإننا نرفضِ هذه الأعمالِ؛ ولا نقبلها، ونُدينها ونتبرأ من فاعليها، ونقف ضدّهم، وأمن هذا البلد ليس أمنًا لنا نحن المواطنين والمقيمين فحسب بل هو أمن لأمة الإسلام التي تؤمُّهُ؛ لما يحويه من الحرمين والمشاعر المقدسة، فحقٌ على كل مسلم أن يدعوَ الله لهذا البلد بالأمن والأمان؛ وأن يكفيه الله شر كل ماكر وحاسد وحاقد.         

وختامًا، فإن الواجب علينا أفرادا ووزارات ومؤسسات تربوية واجتماعية محاربة هذا الفكر الضال ببيان الفكر الصحيح والحجة والبيان، والعناية بتوجيه الناشئة التوجيه الصحيح؛ وتحذيرهم من وسائل هؤلاء المفسدين ومواقعهم وشبهاتهم، وتبصيرهم بوجوب السير خلف ولاة أمرهم وعلمائهم، للحفاظ على أمن هذه البلاد ومقدساتها، والحفاظ على أنسنا وأعراضنا وأهلينا؛ من مكر أعدائنا المتربصين بنا.   

  • 3
  • 4
  • 4,283
المقال السابق
[84] الخوف من سوء الخاتمة
المقال التالي
[86] الخوف والرجاء

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً