(6) أهمية دراسة التاريخ ونقده
وقد يكون من أسباب العزوف عن التحليل والتفسير التاريخي، وتحقيق الاعتبار المطلوب: الانحياز العاطفي للتاريخ الإسلامي، والشعور بقدسيته (اختلاط قدسية النص ببشرية الاجتهاد والتطبيق)، والتوهم أن البحث في الأخطاء، وتحديد الإصابات، وكشف أسبابها، يحط من قدر الإسلام نفسه، وينال من الحضارة الإسلامية.
- التصنيفات: التاريخ الإسلامي -
وقد يكون من أسباب العزوف عن التحليل والتفسير التاريخي، وتحقيق الاعتبار المطلوب: الانحياز العاطفي للتاريخ الإسلامي، والشعور بقدسيته (اختلاط قدسية النص ببشرية الاجتهاد والتطبيق)، والتوهم أن البحث في الأخطاء، وتحديد الإصابات، وكشف أسبابها، يحط من قدر الإسلام نفسه، وينال من الحضارة الإسلامية.
وقد يكون من الأسباب أيضًا: الرغبة في التستر على الحاضر، والحيلولة دون تحديد موقعه بدقة من خلال المسيرة التاريخية للأمة، وبيان الخلل الذي يحكمه، الأمر الذي لا يروق لكثير من أصحاب النفوذ والسلطان السياسي.. فإذا تتبعنا الثقافة التاريخية لمعظم مراحل التاريخ الإسلامي، ومنها الحقبة الأندلسية، نجد أنها لا تخرج عن الإعجاب ببعض الإنجازات والمشخصات المادية، التي غالبًا ما تستهوي السُيَّاح، بعيدًا عن النظر في العمق الحضاري والثقافي، الذي وصل بالأمور إلى ما وصلت إليه، والوقوف أمام التاريخ وجهًا لوجه، واكتشاف السنن، التي عملت عملها في المسلمين هـناك من التناحر، والصراع على السلطة، وأدت إلى هجرة العقول، وإقامة الكيانات، والدويلات والطائفيات الصغيرة، والاستعانة بالأعداء وموالاتهم، ودفع الجزية لهم من الأموال الطائلة، ليقوموا بحماية تلك الكيانات الهزيلة، التي لا تستحق البقاء في الحكم، والتي لم تغنها الحماية الأجنبية شيئًا، حتى انتهت متسارعة إلى الاستسلام قبل الموعد المتفق عليه للاستسلام، خوفًا من غضبة جماهير المسلمين.. وكأن بعض فترات التاريخ الإسلامي أقدس وأكرم عند الله من فترة السيرة والنبوة والوحي، حيث حدد القرآن المسؤولية عن الفعل التاريخي بقوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هـَذَا قُلْ هـُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165].
ولم يقتصر القرآن على رصد الظاهر المادي وتحديد المسئولية الذاتية، وإنما تجاوزه إلى بيان السبب والعامل النفسي الذي يبدأ من داخل النفس: {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:152]: (الغنيمة).. ونحن هنا لسنا ضد إرادة الدنيا في الفعل التاريخي، فإرادتها منزع بشري طبيعي، في منشئه، لكن المشكلة في السقوط، وعجز وسائل التربية الإيمانية عن تشكيل المناعة الحضارية المطلوبة، وضبط التوازن بين المبادئ والمصالح، أو تحصيل القناعة بأن المبادئ هـي المصالح.
ولعل التوهم بأن التستر على الخطأ في التاريخ والواقع، وأن ذلك أدعى للسلامة، كان وراء الكثير من التراجعات والارتكسات، وتكريس وتكرار الخطأ، وتعطيل أدوات النقد والتقويم، والقدرة على الاعتبار، الأمر الذي أدى إلى الاستنقاع الحضاري.. لذلك نعود إلى القول: إن الإشكالية الثقافية التاريخية لا تزال تتحكم بعقلية المسلم اليوم، وتتسرب إلى حكم بعض مؤسسات ومنظمات العمل الإسلامي التي تؤثر إخفاء الخطأ، والتستر عليه، وعدم طرحه ومناقشة أسبابه، خوفًا من الانكشاف وتبصير العدو بنقاط الضعف، وبذلك تستمر الأخطاء وتتراكم، وتصبح أشبه بالألغام الموقوتة التي تنفجر بين حين وآخر، وقد تقضي على كل شيء عندما تتعاظم وتحيط بالإنسان {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هـُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:81]، وكأن الإسلام بدأ فينا وبنا ينتهي، وكأن تصرفاتنا واجتهاداتنا هـي الإسلام، بحيث نصبح نحن الإسلام.. والإسلام نحن! لذلك نتوهم أن أي تقويم لفعلنا ومسالكنا، هـو تقويم للإسلام، وأي خطأ في حركتنا هـو خطأ في الإسلام، وأي نقد لتاريخنا هـو نقد لقيمنا المعصومة! فيكف يصح النقد لأعمالنا الإسلامية، والإسلام معصوم ونحن مسلمون!؟