[9] مقاصد سورة الفاتحة
سورة الفاتحة هي أول سور القرآن ترتيباً لا تنزيلاً. وهي سورة مكية، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وروي عن عطاء بن يسار وغيره أنها مدنية، ورُوي أنها نزلت مرة بمكة حين فُرضت الصلاة، وبالمدينة أخرى حين حُوِّلت القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام.
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
تعريف بالسورة
سورة الفاتحة هي أول سور القرآن ترتيباً لا تنزيلاً. وهي سورة مكية، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وروي عن عطاء بن يسار وغيره أنها مدنية، ورُوي أنها نزلت مرة بمكة حين فُرضت الصلاة، وبالمدينة أخرى حين حُوِّلت القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام.
والإجماع على أنها سبع آيات، إلا ما شذ فيه من لا يُعتبر خلافه. فعدَّ الجمهور المكيون والكوفيون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} آية، ولم يعدوا {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، وسائر العادِّين -ومنهم كثير من قراء مكة والكوفة- لم يعدوها آية، وعدوا {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} آية، قال ابن عطية: وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} [الحجر من الآية:87] هو الفصل في ذلك.
أسماء السورة
ذكر المفسرون أسماء عديدة لسورة الفاتحة، منها: الحمد، وفاتحة الكتاب، وأم الكتاب، والسبع المثاني، والواقية، والكافية، والشفاء، والشافية، والرقية، والواجبة، والكنز، والدعاء، والأساس، والنور، وسورة الصلاة، وسورة تعليم المسألة، وسورة المناجاة، وسورة التفويض. وكل هذه التسميات دالة على معنى واحد، وهو أنها تضمنت مقاصد القرآن كله، فهي أساسه.
وهذه التسميات ثبت بعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وورد بعضها عن السلف.
وذكروا أسباباً لبعض هذه التسميات، فقالوا:
- قال البخاري: "سميت أم الكتاب؛ لأنها يُبدأ بكتابتها في المصحف، وبقراءتها في الصلاة". وقال أبو السعود: "سميت أم الكتاب لكونها أصلاً لكل الكائنات".
- وقال ابن تيمية: "سميت الواجبة؛ لأنها تجب في الصلوات، لا صلاة إلا بها. وسميت الكافية؛ لأنها تكفي من غيرها، ولا يكفى غيرها عنها".
- قالوا: سميت بـ (المثاني)؛ لأنها تثنى في كل ركعة. وقيل: سميت بذلك؛ لأنها استثنيت لهذه الأمة، فلم تنزل على أحد قبلها؛ ذخراً لها.
- وسميت أمَّ القرآن؛ لكونها أصلاً ومنشأً له، إما لمبدئيتها له، وإما لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله عز وجل، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده. وقال البقاعي: سميت أمَّ القرآن؛ لأن القرآن جميعه مفصل من مجملها.
- قالوا: وسميت سورة الحمد؛ لأنه سبحانه افتتحها بحمده، فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، و(حمدُه) جل وعلا هو الذي تدور عليه السورة.
- قال المفسرون: سميت سورة الشكر، والدعاء، وتعليم المسألة؛ لاشتمالها عليها. وسميت الشافية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه الدارمي).
- وسميت سورة (الصلاة) لقول الله تعالى في الحديث القدسي: « » الحديث، (رواه مسلم).
أحاديث في فضل السورة
وقد ورد في فضل سورة الفاتحة بعض الأحاديث، منها، ما رواه البخاري عن سعيد بن المعلى، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: « »، ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: "ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟"، قال: «{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] ».
ومنها، ما رواه مسلم في صحيحه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه، فقال: "هذا باب من السماء فُتح اليوم، ولم يُفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، ولم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته".
ومنها، ما رواه مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: « {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] {الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] » .
ومنها، ما رواه الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: « {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف:4] ».
ومنها، ما جاء في حديث آخر عند الطبراني، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: « ».
مقاصد السورة وأهدافها
قال البقاعي ما حاصله: "إن سورة الفاتحة جامعة لجميع ما في القرآن؛ فالآيات الثلاث الأُول شاملة لكل معنى تضمنته الأسماء الحسنى والصفات العلى، فكل ما في القرآن من ذلك فهو مفصل من جوامعها، والآيات الثلاث الأُخر من قوله: {اهْدِنَا} شاملة لكل ما يحيط بأمر الخلق في الوصول إلى الله، والتحيز إلى رحمته، والانقطاع دون ذلك، فكل ما في القرآن فمن تفصيل جوامع هذه، وكل ما يكون وصلة بين ما ظاهره من الخلق ومبدؤه وقيامه من الحق فمفصل من آية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]".
وذكر ابن القيم في مقدمة كتابه (مدارج السالكين) أن هذه السورة اشتملت على الرد على جميع طوائف أهل البدع والضلال، كما بينت منازل السائرين، ومقامات العارفين.. وبيان أنه لا يقوم غير هذه السورة مقامها، ولا يسد مسدها؛ ولذلك لم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل مثلها.
وهذه السورة على إيجازها -كما قال الشيخ السعدي- احتوت على ما لم تحتوِ عليه سورة من سور القرآن، فقد تضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، يؤخذ من قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة من الآية:2]، وتوحيد الإلوهية، وهو إفراد الله بالعبادة، يؤخذ من لفظ: {اللَّهِ} [الفاتحة من الآية:1]، ومن قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة من الآية:5].
وتوحيد الأسماء والصفات، وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى، التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعطيل، ولا تمثيل، ولا تشبيه، وقد دل على ذلك لفظ {الْحَمْدُ} [الفاتحة من الآية:2].
وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4]، وأن الجزاء يكون بالعدل؛ لأن {الدِّينِ} معناه الجزاء بالعدل.
وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى، عبادة واستعانة في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].
وتضمنت إثبات النبوة في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]؛ لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة.
وتضمنت إثبات القدر، وأن العبد فاعل حقيقة، خلافا للقدرية والجبرية. بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع والضلال في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]؛ لأنه معرفة الحق والعمل به. وكل مبتدع وضال فهو مخالف لذلك.
أما سيد قطب رحمه الله، فقد قال: "إن في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية، وكليات التصور الإسلامي، وكليات المشاعر والتوجيهات، ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كل ركعة، وحكمة بطلان كل صلاة لا تُذكر فيها".
وقد قال بعض أهل العلم: أنزل الله تعالى كتباً، وجمع هذه الكتب كلها في ثلاثة، هي: (الزبور، والتوراة، والإنجيل)، ثم جمع هذه الثلاثة في القرآن، وجمع القرآن في الفاتحة، وجمعت الفاتحة في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].
وعلى العموم، فقد حوت سورة الفاتحة معاني القرآن العظيم، واشتملت على مقاصده الأساسية، فهي تتناول أصول الدين وفروعه، العقيدة، والعبادة، والتشريع، والاعتقاد باليوم الآخر، والإيمان بصفات الله الحسنى، وإفراده بالعبادة، والاستعانة، والدعاء والتوجه إليه سبحانه بطلب الهداية إلى الدين الحق والصراط المستقيم، والتضرع إليه بالتثبيت على الإيمان، ونهج سبيل الصالحين، وتجنب طريق المغضوب عليهم والضالين، وفيها الإخبار عن قصص الأمم السابقين، والاطلاع على معارج السعداء، ومنازل الأشقياء، وفيها التعبد بأمر الله سبحانه ونهيه، وغير ذلك من مقاصد وأهداف، فهي كالأم بالنسبة لباقي السور الكريمة.