المُؤخـَّــر .. آت !!
حامد بن عبد الله العلي
قرَّرت الأنظمةُ العربيّةُ أن تتعاون مع ما أسمّتـْه أمريكا (الحرب
على الإرهاب)؛ وهي الحرب على الإسلام وأهله، كما تباهـت جهـاراً بما
تفعله من ملاحقة المجاهدين، وقتلهم..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
قرَّرت الأنظمةُ العربيّةُ أن تتعاون مع ما أسمّتـْه أمريكا (الحرب
على الإرهاب)؛ وهي الحرب على الإسلام وأهله، كما تباهـت جهـاراً بما
تفعله من ملاحقة المجاهدين، وقتلهم، وسجنهم، وعقوبتهم بسبب غِيرتِهم
على دينهِم، وإنفَتِهم من إحتلال الأجنبيّ الكافـر لأرض الإسلام،
وبسبب ما تحـرَّك في قلوبهم مما يحبّه الله من الغضب على أعداء
الإسلام.
وتمادت تلك الأنظمة حتى جاوزت ما يريده الغرب المتصهين منها؛ فأعطته
أكثـر مما يطلـب، وتحوّلت إلى وكالات له ـلأنه ترفّع أن يَنسب إليه
هذا الإنحطاط في الظاهـرـ تقوم بالتعذيب البشع، وتُنشئُ المعتقـلاتِ
السّريّة؛ لإنتزاع الإعترافات المزيّفـة؛ لإدانة مواطنيها، وألقتهم في
غَياهِب السجون، كلُّ ذلك لإرضاء فرعون البيت الأبيض!.
فما كان جزاؤُهم من سيدهـم؟!؛.. كان جزاؤهـم إدراج تلك الدول على
قائمة تفتيش وفحص (المُؤخـَّرات)!؛ وذلك؛ بعد تصويرهـم حفـاةً، عـراةً
ـ وهـي دول تفتخر أنها حليفة لأمريكاـ لايُستنثى من ذلك وزير، ولا
حقير، و لا أمير، حتى يقال إنَّ وزيرا فرنسياً من أصل جزائري، طُلب
منه في أمريكا تفتيش ما هنالك، فغضِب واحتجـَّت فرنسا!.
وقـد أرادت الأنظمة العربية أن تمنـع، أو تُؤخـِّر عن نفسهـا الضَّرر؛
إن هي واجهـت الغطرسة الأمريكية؛ أرادت أن تفعل ذلك بالذلِّ للصليبي
الكافر الحاقـد ـخلافاً لبعض الدول حتَّى غير الإسلامية منهـا التي
عارضت أمريكا وتَحدَّتهاـ أرادت ذلك ونسيت أنَّ كل هـو (مؤخَّـر..
آتٍ)، كما أنَّ كل آتٍ قريب؛ حتَّى الموت الذي يفـرُّ منه النّاس،
إنّمّا هو في قِبَالتهم، يلاقيهم بينما هم يفرُّون منها، كما في
القرآن العظيم:
{ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ
فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ}
[الجمعة:8].
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
:"من تَرك الجهاد عذّبه الله عذاباً أليماً بالذلّ
وغيره، ونَزع الأمر منه فأعطاه لغيره، فإنَّ هذا الدّين لمن ذّبّ عنه؛
وفي الحديث عن النبيّ صل الله عليه وسلـم: «عليكم بالجهاد، فإنّه باب من
أبواب الجنة، يُذهِب الله به عن النفوس الهمّ، والغمّ»
[رواه السيوطى فى الجامع ،وصحّحه
الألبانى]، وقال صلى الله عليه وسلم:«لن يُغلب إثنـَا عشر ألفٍ من
قِلّة» [ رواه السيوطى فى الجامع،
وصحّحه الألبانى]،
«واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع
العسر يسرًا» [أخرجه السيوطى فى
جامعه، وصحّحه الألبانى]، ومتى جاهدت الأمة عدوّها ألّف الله بين
قلوبها؛ وإن تركت الجهاد شَغَل بعضَها ببعض" جامع المسائل لشيخ
الإسلام ابن تيمية 5/ 300؛ وصَدَقَ هذا الإمام الجليل؛فهي من سنن الله
العظمى.
فكما؛ أنّ من ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه، كذلك من أسخط الله
برضا الناس؛ أسخط الله عليه الناس حتّى أذلـُّوه، ومن طلب العـزّ
بالله؛ أذلَّ الله له أعـداءه، ومن طلب العـزّ بغيـر الله؛ أذلّه الله
لمـن طلب العـزَّ عنده؛ومن طلب الموت في سبيل الله أعطاه الله حياة
الخلود، وخلود الذّكر في الدنيا؛ ومن هرب من الموت في سبيل الله،
إرضـاءًا لأعداء الله؛ عوقب بحياة الذلّ.
وقوله: "ونَزع الأمر منه فأعطاه لغيره"، هـو كما قال تعالى:
{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا
أَلِيمًا﴿138﴾ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ
عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ
جَمِيعًا﴿139﴾}
[النساء:138:139]، وقال:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ
وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا
يَعْلَمُونَ} [المنافقون:
8].
ولهذا؛ ترى الدول التي أعانت الكفار على أهل الإسلام؛ هـي في رعبٍ
دائم من تآمر الكفـَّار عليهم ، فهـم في ريبهم يتردَّدون، لا يهنأ لهم
بال، ثم لا يُمتّ عـون إلاّ قليـلاً حتى يأتي دورهـم، فيُنزع الأمر
منهم، ويُعطى لغيرهم، فلا هُـم عاشوا أعـزّة بجهـادهـم في سبيل إعـزاز
دينهـم؛ أو ماتوا شرفاء بعزّتهـم؛ ولا سلمت لهم دنياهم؛ وهذا هو معنى
قوله تعالى:{وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [ البقرة: 195]، كما فسّرها
الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه
؛ "فإنَّ إمساك المال عن إنفاقه في
الجهاد؛ طريق إلى الهلاك، بتسلُّط الأعداء، فيتحوَّل المال إلى نقمة"؛
كما قال
شيخ الإسلام أيضا؛
في أثناء غزو التتر للشام وهو يحّرض المسلمين على قتال الغـزاة:"وأيضا
فإنَّ التهلكة والهلاك لايكون إلاّ بترك ما أمر الله به، أو فعل ما
نهى الله عنه، فإذا ترك العباد الذي أُمروا به، وإشتغلوا بما يصدُّهم
عنه من عماره الدنيا؛ هلكوا في دنياهم بالذلّ، وقهـر العدوّ لهم"
(جامع
الرسائل 5/327).
وكذلك كلَّ من انتسب إلى الدين؛ ممن أسخط الله بإرضاء الغربيين،
بقوله، أو فتواه، أو مواقفه؛سيرتدّ عليه ذلك وبالاً؛ وستكون عاقبة
السوء عليه بسببهـم، ثم يلقونـه في مزابلهم.
ومن الأمثلـة الحيَّـة على أنَّ من اعتـزَّ بغير الله ذلّ ـسوى مثال
(فحص المؤخَّرات)ـ أن دول الخليج تحالفت مع الغرب المتصهين ضـد
العراق، فأدى ذلك إلى قتل، وتهجير الملايين من أهله، وتدميـر ما فيه
مما لايُقدّر بثمن، في مجازر صليبية لم يشهد التاريخ كحجمها، وهذه
الدول لازالت لاتجرؤ أن تسمّـي ما فعله القتلـة من إبادة جماعية في
العراق (إرهابًا)؛ فالإرهاب عندهم هو الجهـاد فحسـب!؛..
فكان عاقبة الأمـر أن صـاروا في خوف عظيم من أمرين، لامناص من
أحدهـما، غير أنَّ أحلَاهمـا أشـدّ مرارًة من العلقَـــم:
أحدهما: تمكين الغرب المتصهيـن للمجوس ـوهم أشـدّ ما كانوا حقدًا على
العرب والمسلمين ـ على دول الخليج؛ في صفقة يتقاسم فيها الطرفـان
أطماعَ الشياطين المتآمرة على أمة المسلمين.
والثاني: حرب جديدة تحـوّل ما أنفقـوا عليه المليارات إلى دُثـور، ثم
لايدري بعدها إلى أين تصيـر الأمـور.
وهذا كلُّه إنما جرى على الأمـّة بسبب طائفتين:
1) الزعماء الخونة؛ الذين باعوا الأمة واشتـروْا استمرارهـم على
كراسيهم التي لن تبقى لهم.
2) وعلماء السوء؛ الذين مازالوا يزّيّنون لهم ما هم فيه من الباطل،
متَّبِعيـن المتشابه من القرآن؛ مبتغين الفتنة بين المسلمين، حتى
صيـَّروا الجهـاد إفسادًا، وإعانـة غـزو الكفار لبلاد الإسلام حكمةً
وإصلاحًـا، و(الوطنيـَّة)التي مزقـَّت الأمـَّة شريعـةً!
3) وتقديس الزعيم الممعـن في الصـدِّ عن سبيل الله (طاعة لولي
الأمر).
4) وفتح الباب لتنصير المسلمين، ونشر الكنائس في بلادهـم، وتخريب
ثقافتهم؛ (حواراً بين الأديان).
5) وتشويـه صورة الجهـاد؛ والمجاهديـن.
6) ومقاومة المستعمـر الجديد (وسطيـَّة)، وإدخال الإنحراف الأخلاقي
على أمّتنا (تسامحًـا)؛
وذلك بدل أن يكون دورهم حشد الأمة لصد العدوان عليها، وحماية
ثوابتهـا، ومواجهة الهجمة الإعلامية على ثقافة المقاومة، ونهج
الجهاد.
وعلى أيّة حال؛ فإنه مهما حاول المتخاذلون تأخيـر الصدام مع الباطل
ـحتـّى حيــن ـ أن يبلغ ذروته؛ فإنَّ هذا المؤخَّـر.. آتٍ؛ وسيقع
لامحالة؛ وسيقذف الله تعالى بالحـق على الباطل؛ فيدمُغُـه فإذا هـو
زاهـق، ولهم الويل مما يصـفون.
وهو كما هو الآن؛ تَمايز حوله الناس؛ إلى أهل الحق المدافعين عن
الإسلام؛ ومقدساته؛ وأرضه؛ وكرامـة المسلمين؛ وإلى أهل الباطل
المصطّفين مع الحملة الصليبية الغربية الصهيونية؛ ومع أذنابهـم من
خونة الزعمـاء؛ وبطانتهم الخبيثـة.
ها هـو ذا كما تشهد الأيـام، سيشتد فيما يأتي من الزمان تَمايزهم، حتى
يصطدم الباطل بصَـولة الحـق فيتهاوى كأن لم يكن.
قال الحق سبحانه:
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا
الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا
لَهُمُ الْغَالِبُونَ، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ،
وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ}
[الصافات: 171-175].
والله حسبُنا، عليه توكّلنا، وعليه فليتوكل المتوكـلون..