حكاية المساجد التي صارت عصية على مسلمي إسبانيا !

منذ 2010-02-15

.. ومنذ ذلك الحين لم يتم بناء إلا عدد قليل من المساجد، ممّا يضطر الأقلية المسلمة في إسبانيا إلى استخدام مباني بالية، أو مستودعات، أو جراجات كأماكن لأداء الصلاة.



رغم أن المسلمين حكموا معظم أرجاء إسبانيا لقرون عدة، وأقاموا بها حضارة عظيمة، إلا أنهم دُحروا في القرن الخامس عشر الميلادي فتهدمت مساجدهم أو حُولت إلى كنائس.

ومنذ ذلك الحين لم يتم بناء إلا عدد قليل من المساجد، ممّا يضطر الأقلية المسلمة في إسبانيا إلى استخدام مباني بالية، أو مستودعات، أو جراجات كأماكن لأداء الصلاة.

وتزيد معاناة المسلمين في هذا البلد مع الاعتراضات الشديدة التي يواجهونها من قبل السكان عند محاولة افتتاح مسجد، أو مصلى جديد، فضلا عن قيام الشرطة الإسبانية بإغلاق العديد من المصليات في مختلف المدن بدعوى الافتقار إلى إذن لممارسة ذلك النشاط، أو لفقدان الاحتياطات الأمنية.


سجالٌ في بنييل

ويعد شارع "دكتور مارانيون" في مدينة بنييل بمنطقة مرسية، جنوبي شرق اسبانيا، شاهدًا على المعاناة التي يواجهها مسلمي إسبانيا في سبيل الحصول على حقهم في افتتاح مساجد، أو مصليات؛ حيث تحول الشارع منذ شهر يونيو الماضي إلى ساحة سجال بين المسلمين وسكان المنطقة إثر الإعلان عن خطط افتتاح مصلى في أحد المخازن المهجورة هناك.

وحول ذلك، ذكرت (صحيفة لا برداد) الاسبانية، أن اتحاد ملاك مبنى فلوريدابلانكا؛ أحد مباني شارع دكتور مارانيون، قدم شكوى ضد إقامة المصلى إلى بلدية بنييل حملت توقيعات 1898 من سكان المنطقة. وأوضحت الصحيفة في تقرير نشرته مؤخرًا أن الموقعين على الشكوى ادّعوا أن افتتاح المصلى سيشكل "ضربة قوية للمنطقة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي وسيؤثر سلبيا على التعايش بين السكان".

سكان بعض المباني الأخرى مثل مبنى سيسيليا برروا اعتراضهم على افتتاح المصلى بالزحام الذي قد ينجم عن تجمع الأشخاص والسيارات وقت الصلاة.

وأعرب آخرون عن مخاوفهم من أن يشجع فتح مسجد في المنطقة المسلمين المقيمين في مناطق أخرى على التوجه إليه.


مسجدٌ في النهر!

ويتضح ذلك الشعور بالتوجس من المسلمين بشكل أكبر في المحال التجارية، بحسب (صحيفة لا برداد)؛ حيث برر ملاك المحال التجارية الواقعة في شارع دكتور مارانيون والشوارع المجاورة له معارضتهم لفتح المسجد بأنه سوف يؤثر سلبًا على قيمة المنازل، والمحال التجارية في المنطقة وعلى إقبال الزبائن؛ الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى انخفاض المبيعات.

ونوهت الصحيفة الاسبانية إلى أنه بالرغم من اعتراف السكان باحتياج المسلمين لمكان للصلاة، إلا أن ذلك لا يغير موقفهم الرافض لفتح المسجد في ذلك المكان، مشيرةً إلى أن البعض اقترح إقامة المسجد "في الحديقة أو النهر"!

حزب الشعب اليميني استغل بدوره التوقيعات التي قدمها اتحاد ملاك مبنى فلوريدابلانكا، ليطالب البلدية بعدم تجاهل ما وصفه بـ "رغبة 20 % من سكان بنييل". جاء ذلك ردًا على تصريحات أدلى بها رئيس البلدية يوم 16-12-2009، وأكد فيها عدم وجود مستند في سجل البلدية يدل على رفض السكان لمشروع إقامة المصلى.

ولم يكتفِ الحزب اليميني بذلك بل أعلن المتحدث باسمه (راؤول نورتس) أن الحزب سيراقب المسار القانوني للعملية الإدارية المتعلقة بإمكانية إصدار ترخيص بفتح المصلى، وأنهم بمجرد انتهاء العملية سيطلبون الاطلاع على الملف الخاص بها لمراجعته.

من جانبه، ذكر رئيس بلدية بنييل، الاشتراكي (روبرتو جارثيا)؛ أن موقفه من افتتاح المصلى يتمثل في "احترام شرعية أي ملف"، وأضاف أنه "لن يتم السماح بفتح ذلك المصلى حتى تتوفر فيه الشروط المطلوبة من قِبل المختصين"، مشيرًا إلى أن مجلس البلدية لم يصدر حتى الآن أي قرار بافتتاحه.

ولا يتوفر لدى الأقلية المسلمة في بنييل في الوقت الراهن سوى مُصلى صغير لا يتسع للجميع؛ حيث لا تتجاوز مساحته نحو 80 متر مربع.


وكان إمام المُصلى قد أشار في لقاء سابق مع (صحيفة لا برداد) إلى أن عدد الأقلية المسلمة في بنييل يبلغ حوالي "500 شخصًا"، وبالتالي فهم يعانون من عدم اتساع المكان للجميع، موضحًا أنه يتردد على المسجد ما يقرب من 150 شخصًا بشكل يومي، الأمر الذي يضطر البعض للصلاة بالخارج.

وبينما يمر الوقت ويجري العمل على إصلاح الإثنى عشر نقصًا الذين يحولون بين الجالية الإسلامية في بنييل وبين تصريح فتح المصلى، تتناقص التبرعات الخاصة بالمشروع، الأمر الذي ندد به إمام بنييل قائلا: "لقد أنفقنا منذ يونيو الماضي 14 ألف يورو في الإيجارات والإجراءات الإدارية والرسوم والمشروع".

ويرى الإمام أن الاعتراض على فتح المسجد يرجع إلى "الجهل بديننا، فنحن لا نريد سوى مكان للصلاة".


مساعي في جليقية

ورغم العراقيل العديدة إلا أن محاولات الأقلية المسلمة في مختلف الأقاليم الإسبانية لفتح مساجد، أو مصليات جديدة لا تتوقف، ففي إقليم جليقية، شمالي غرب إسبانيا، تعتزم الأقلية المسلمة هناك فتح مسجدين في مدينتي "أوردس" و"فيرول".

وفي تصريحات لصحيفة (لا بوث دي جاليثيا) الإسبانية ، قال رئيس الأقلية المسلمة في جليقية؛ مصطفى الهندي: إننا بصدد "مشروع طويل الأمد، لكننا بدأنا بالفعل في دراسته إزاء الطلبات التي تلقيناها من قِبل بعض المسلمين الذين يعيشون في تلك المنطقة".

وأضاف قائلا: "رغم أن مدينة فيرول تعد إحدى مدن جليقية الكبرى، إلا أنها الوحيدة من بينهم التي لا يوجد بها أي مسجد حتى الآن"؛ مشيرًا إلى أن "آخر مسجدين تم فتحهما منذ بضعة أشهر في مدينتي فيغو وبونتيفيدرا".

وأشارت الصحيفة إلى أن الوقت لازال مبكرًا على تحديد تاريخ لبدء المشروع، فلم يتم حتى الآن البحث عن مكان للمسجد المستقبلي في مدينة فيرول، إلا أن مصطفى الهندي يرى أنه سيتم تنفيذ المشروع عاجلاً أم آجلاً؛ كي يتمكن المسلمون المقيمون في المدينة من أداء الصلاة فيها؛ حيث يضطرون في الوقت الراهن للانتقال إلى مدن "سانتياجو" أو "كورونيا" أو "أرتيكسو" لتأدية الصلاة.

وأوضحت الصحيفة الإسبانية أن الخطوة الأولى التي ينبغي على الأقلية المسلمة في جليقية اتخاذها لفتح مصلى في "فيرول" تتمثل في العثور على محل أو مستودع للإيجار، مشيرة إلى أن بناء مسجد يعد حلاً مستبعدًا نظرًا لما يتطلبه من تكاليف مادية كبيرة.

وتم فتح أول مسجد في إقليم جليقية -وفقًا لمصطفى الهندي- في منتصف السبعينات في مدينة سانتياجو، إلا أنه عقب مرور ثلاثين عامًا وصل عدد المساجد في الأربعة مقاطعات التي يضمها الإقليم إلى ستة عشر مسجدًا.


المساجد في إسبانيا

وبحسب تقرير نشرته مؤسسة البيت العربي ، التابعة لوزارة الخارجية الإسبانية، يعيش في إسبانيا ما يقرب من 1.3 مليون مسلم (2.5% من إجمالي عدد السكان)، ويوجد بها 13 مركزا إسلاميا (مسجدًا كبيرًا)، و480 مُصلى، إلا أنّ تقديرات قوات أمن الدولة ووزارة العدل تصل بها إلى أكثر من 600 مُصلى.

وأوضح التقرير الذي نشرت (صحيفة الموندو) الإسبانية مقتطفات منه في إبريل 2009؛ أنه ينبغي التفرقة بين المراكز الإسلامية الكبيرة؛ مثل مسجد إم-30 في مدريد، وبين المُصليات التي يتم فتحها إما في جراج أو متجر أو مخزن، والتي حذر من أنها غالبًا ما تكون غير "معدة كما ينبغي لأداء الصلاة الجماعية بها".

وأشار التقرير إلى أنه من بين العراقيل الرئيسة التي تواجهها المساجد والمصليات في إسبانيا "ردود الفعل الاجتماعية ضد فتح تلك الأماكن"، الأمر الذي أرجعه إلى الخوف من وجود أشخاص يرونهم "غرباء مجهولين، ومثيرين للريبة". وإزاء ذلك الرفض من قِبل السكان تضطر الجالية الإسلامية إلى فتح المصليات في مناطق صناعية، أو في الضواحي، الأمر الذي أكده التقرير؛ مشيرًا إلى خطورة ذلك الوضع وآثاره على مدى المشاركة الاجتماعية للأقلية المسلمة.


كما أبرز التقرير نقطة ضيق المساجد، حيث أوضح أن المصليات المتاحة قد أصبحت "صغيرة إزاء التزايد الديموغرافي" للأقلية المسلمة، مشيرًا على سبيل المثال إلى عدم وجود مركز إسلامي رسمي في إقليم كتالونيا، حيث يتركز أكبر جزء من الأقلية المسلمة.

ونوه التقرير إلى عدة عوامل أخرى؛ من بينها عدم توفر الموارد المادية.

تجدر الإشارة إلى أن 32 في المئة من الإسبان يعارضون وجود مسجد في منطقتهم، وأن 60 في المائة يشعرون بعدم الثقة والريبة تجاه المسلمين، طبقًا لتقريرٍ أصدره المرصد الأندلسي التابع لاتحاد الجاليات الإسلامية في إسبانيا عام 2007، الأمر الذي أرجعه رئيس الرابطة الإسلامية في إسبانيا "منصور إسكوديرو" إلى: "استمرار الخوف والكراهية اللذين زرعتهما الكنيسة الكاثوليكية لمدة خمسة قرون".

وأضاف أن هذا الخوف غالبًا ما يتبدد لدى معرفة الإسبان للإسلام، والمسلمين عن قرب، مشيرَاا إلى دخول الكثير من الإسبان في الإسلام، والذين قدر عددهم بمئة ألف شخص.


الاثنين 24 صفر 1431 الموافق 08 فبراير 2010 م

المصدر: مروة عامر - رسالة الإسلام
  • 0
  • 0
  • 5,900

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً