فقراء الحق
الشفقة ليست فقط على فقراء المال؛ بل على فُقَرَاءِ الحَقِ.
واعلم يا بنيَّ أنك حين تتعمق قليلًا في دراسة العقيدة والفِرَق، لتحاور المبتدع والملحد، فستتعلم معنىً جديدًا لم يكن في حسبانكَ.
ستتعلم كيف تتصالح مع البشر كلهم؛ على خلافهم وحروبهم وعلى سموم أفواههم، التي لو أخرجت ما في أضغانهم لأفسدت الأراضين السبع.
وكيف تكون الموازنة بين حق الله فيهم الذي لا مهادنة فيه، وبين حقك الشخصي إليهم، حتى ترى الابتسامة على شفتيك منسدلة عقب كل هجوم عليك وإفك ساقوه ضدك، وتتضاءل جذوة الغضب تدريجيًا حتى تكاد تختفي.
لأن عينيك ستتفتح على البون الرهيب بين أهل الحق وأهل الباطل.
ذلك البون الذي من اتساعه قد يلزم لسانك أحيانا كثيرة بالصمت أو الاكتفاء بابتسامة تواري سَكِينة صدرك المطمئن.
ويكسوك الحلم والأناة على حفاة الزاد، عراة المنطق، ومجانين الطريق.
فإن الاغتراف من لذة الحقيقة سيشبع ما في قلبك لأعوام ضوئية، ويُزهدك فيما عندهم من شهوات قلبية، ونعرات تَهيج أمامهم، وتراها أنت مُصْفرَّة.
وإنك على الرغم من اتساع الفجوة التي بينك وبينهم -وذلك لما عرفت زيف ما يعتقدون وعوَره ووهنه-
فإن شفقتك ستزداد عليهم، ورحمتك ستنمو كفروع واسعة النطاق لم تكن في حسبانك وأنت تسقي بذورها الأولى.
فإن الشفقة ليست فقط على فقراء المال؛ بل على فُقَرَاءِ الحَقِ.
وإن الَّلهفة ليست فقط على التَائه وابن السبيل؛ ولكنّها أوْلى فيمن ضلَّ عن طريق الهُدى واغترب عن سلامة المعتقد.
- التصنيف:
- المصدر: