المسيح الدجال - [9] المطلب الثالث: مقارنة بين ابن صياد والدجال، وأقوال العلماء في ذلك

منذ 2016-03-16

يقال له: ابن صائد، وابن صياد، واسمه: صافي، أو صاف، أو عبد الله، (كلها وردت في الأحاديث)، وهو من يهود المدينة، عاش في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وحينذاك كان يناهز الاحتلام، وعاش بين الصحابة مسلماً إلى أن فقدوه يوم الحرة.

من هو ابن صياد؟
يقال له: ابن صائد، وابن صياد، واسمه: صافي، أو صاف، أو عبد الله، (كلها وردت في الأحاديث)، وهو من يهود المدينة، عاش في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وحينذاك كان يناهز الاحتلام، وعاش بين الصحابة مسلماً إلى أن فقدوه يوم الحرة.

وقد أنجب ابناً من كبار التابعين، وهو عمارة بن عبد الله بن صائد، روى عنه مالك رحمه الله، وغيره  وابن صائد أسلم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو تابعي، له رؤية  هذا على قول من يرى أنه ليس الدجال، كما سيأتي تفصيل ذلك.

ولقد كانت الشكوك تدور حول ابن صيّاد، هل هو الدجال أم لا؟
قال النووي: "قال العلماء: وقصته مشكلة، وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره؟ ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة، وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره (شرح النووي لمسلم).

ومما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شاكاً في أمر ابن صياد، ولم يوح إليه بشيء: محاولته صلى الله عليه وسلم اختبار ابن صياد عدة مرات، والتخفي خلف جذوع النخل؛ لمحاولة سماع تمتمات ابن صياد، ليعرف منها إن كان هو الدجال أم لا؟

فقد روى مسلم في صحيحه، عن عبد الله قال: "كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررنا بصبيان فيهم ابن صياد، ففر الصبيان، وجلس ابن صياد، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «تربت يداك، أتشهد أني رسول الله»، فقال: "لا"، « بل تشهد أني رسول الله»، فقال عمر بن الخطاب: "ذرني يا رسول الله، حتى أقتله"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يكن الذي ترى فلن تستطيع قتله»، وفي حديث آخر قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد خبأت لك خبأ»، فقال: "دخ"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اخسأ فلن تعدو قدرك»، وفي حديث آخر سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترى؟»، قال: "أرى عرشاً على الماء"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترى عرش إبليس على البحر، وما ترى؟»، قال: "أرى صادقين وكاذبين، أو كاذبين وصادقاً"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لبس عليه دعوه».

وبعد هذه الوقائع حاول رسول الله صلى الله عليه وسلم استكشاف أمر ابن صياد، وعن طريق سماعه له بدون أن يشعر، فعن سالم بن عبد الله قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: "انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بن كعب الأنصاري إلى النخل التي فيها ابن صياد، حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل طفق يتقي بجذوع النخل، وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة. فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: "يا صاف - وهو اسم ابن صياد - هذا محمد"، فثار ابن صياد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تركته»، بيّن هذا هو موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن صياد، أما صحابته رضي الله عنهم، ومن بعدهم فقد اختلفوا في أمر ابن صياد، وهل هو الدجال أم لا؟

وانقسموا إلى فريقين:
1. منهم من قال: إن ابن صياد هو الدجال، وهم: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبو ذر رضي الله عنهم أجمعين، فكانوا يقطعون بأن ابن صياد هو الدجال، وتابعهم على هذا التصريح: القرطبي الذي قال في تذكرته: "الصحيح أن ابن صياد هو الدجال".

ومال الشوكاني رحمه الله إلى أن ابن صياد هو الدجال وقد مال ابن بطال إلى القول بأن ابن صياد هو الدجال وكذلك ظاهر كلام النووي يشير إلى ميله للقول بأن ابن صياد هو الدجال.

وهؤلاء احتجوا بأن عمر رضي الله عنهم كان يحلف عند النبي صلى الله عليه وسلم أن ابن صياد هو الدجال، ولم ينكر عليه ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري في صحيحه، عن محمد بن المنكدر قال: "رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال"، قلت: "تحلف بالله؟"، قال: "إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم".

أما ما ذكر من خبر ابن صياد من أنه أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل مكة والمدينة، وكان له من الولد ما ذكرنا، فقد سأل أبو سلمة جابراً رضي الله عنهم عن ذلك، فشهد جابر رضي الله عنهم أن الدجال هو ابن صياد. فقال أبو سلمة: "إنه قد مات؟"، قال: "وإن مات"، قلت: "فإنه أسلم"، قال: "وإن أسلم"، قلت: "فإنه دخل المدينة"، قال: "وإن دخل المدينة".

ففي كلام جابر إشارة إلى أن أمره ملبس، وأنه يجوز أن يكون ما ظهر من أمره إذ ذاك لا ينافي ما توقع منه بعد خروجه في آخر الزمان.

وقال النووي رحمه الله: "أما احتجاجه بأنه مسلم، والدجال كافر، وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له هو، وأنه لا يدخل مكة والمدينة، وأن ابن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة، فلا دلالة له فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته، وخروجه في الأرض".

ومن أسباب تمسك ابن عمر رضي الله عنهم وغيره بالقول: بأن ابن صياد هو الدجال: المواقف التي حدثت مع ابن عمر وابن صياد من انتفاخ ابن صياد حتى ملأ الطريق لما سمع من ابن عمر كلاماً أغضبه.

وكذلك نفور عين ابن صياد، وسؤال ابن عمر له عن ذلك، وضربه له بعصا كانت في يده دون شعور من ابن عمر لهذا التصرف ولكن هل حلف وقسم عمر رضي الله عنهم أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ابن صياد هو الدجال، وسكوت الرسول عن هذا القسم دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقر بأن ابن صياد هو الدجال؟ وهل في هذا القسم حجة؟

تكلم ابن دقيق العيد رحمه الله على مسألة التقرير، فقال ما ملخصه: "إذا أخبر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر ليس فيه حكم شرعي، فهل يكون سكوته صلى الله عليه وسلم دليلاً على مطابقة ما في الواقع كما وقع لعمر في حلفه على أن ابن صياد هو الدجال فلم ينكر عليه، فهل يدل عدم إنكاره على أن ابن صياد هو الدجال كما فهمه جابر، حتى صار يحلف عليه، ويستند إلى حلف عمر، أو لا يدل؟ فيه نظر، قال: والأقرب عندي أنه لا يدل؛ لأن مأخذ المسألة ومناطها هو العصمة من التقرير على باطل، وذلك يتوقف على تحقق البطلان، ولا يكفي فيه عدم تحقق الصحة، إلا أن يدعي مدع أنه يكفي في وجوب البيان عدم تحقق الصحة، فيحتاج إلى دليل وهو عاجز عنه، نعم التقرير يسوغ الحلف على ذلك، على غلبة الظن؛ لعدم توقف ذلك على العلم،وقال السفاريني فيما ورد عن بعض الصحابة من أن ابن صياد هو الدجال قال: "وفي ذلك عدة أحاديث وآثار صحيحة إلا أنها ليست صريحة، ولا نصا في أن ابن صياد هو الدجال".

2. الفريق الآخر قطع بأن ابن صياد ليس هو الدجال، وأن ابن صياد دجال من الدجاجلة، ولكنه ليس هو الدجال الأكبر، ومن هؤلاء: البيهقي رحمه الله وابن كثير في (النهاية)، والبرزنجي في (الإشاعة)، والسفاريني في (لوامع الأنوار)، وابن تيمية في (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)، ومال ابن حجر إلى ذلك في فتح الباري وعمدة هؤلاء هو خبر تميم الداري المتقدم، والذي فيه أن تميماً شاهد الدجال موثوقاً في جزيرة في البحر.

قال البيهقي: "ليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على حلف عمر، فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان متوقفاً في أمره، ثم جاءه الثبت من الله تعالى بأنه غيره على ما تقتضيه قصة تميم الداري، وبه تمسك من جزم بأن الدجال غير ابن صياد، وطريقه أصح، ثم قال بعد خبر تميم: فيه أن الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد".

وقال البرزنجي: "الأصح أن الدجال غير ابن صياد، وإن شاركه ابن صياد في كونه أعور، ومن اليهود، وأنه ساكن في يهودية أصبهان إلى غير ذلك، وذلك لأن أحاديث ابن صياد كلها محتملة، وحديث الجساسة نص فيقدم، ومما يرجح أنه غيره أن قصة تميم الداري متأخرة عن قصة ابن صياد، فهو كالناسخ له؛ ولأنه حين أخبره صلى الله عليه وسلم بأنه في بحر الشام، أو بحر اليمن، لا، بل من قبل المشرق كان ابن الصياد بالمدينة، فلو كان هو لقال: بل هو بالمدينة".

وقال ابن كثير رحمه الله: "والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعاً، وذلك لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية، فإنه فيصل في هذا المقام".

ولقد حاول ابن حجر رحمه الله الجمع بين خبر تميم الداري، وبين كون ابن صياد هو الدجال فقال: "إن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقاً، وأن ابن صياد شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان، فاسستتر مع قرينه إلى أن تجيء المدة التي قدر الله خروجه فيها"، ولكن يشكل على قول ابن حجر هذا من كون ابن صياد الذي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعهد صحابته شيطاناً، ما فعله من الزواج، وإنجاب ولد من سادات التابعين كما قدمنا، والمتأمل في الأخبار يجد شك رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابن صياد، وتردده في أمره، ثم فرحه بعد ذلك لما جاء تميم وحدثه بالقصة من لقائه الدجال، وما دار من أحداث، وتصديقه لقول تميم، وقوله صلى الله عليه وسلم:  فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه، وعن المدينة ومكة.

وصعوده صلى الله عليه وسلم المنبر على غير عادته؛ ليحدث بحديث تميم هذا، إذ لم يكن يصعد المنبر إلا للجمعة، وتحديثه بخبر تميم مرتين: مرة بعد العشاء، ومن الغد بعد الظهر.

كل هذه دلائل صريحة تشير وتؤكد أن الدجال الأكبر هو الذي رآه تميم مربوطاً موثوقاً، فيقدم التصريح على التردد، والشك الحاصل منه صلى الله عليه وسلم في ابن صياد.

وأخيراً وإن كنا نقول بخبر تميم في الدجال، إلا أننا نكل علم خبر ابن صياد إلى الله تعالى، خاصة ما ذكر من أنه فقد يوم الحرة، ومن أن أناساً شاهدوه بأصبهان، فنكل علم ذلك إلى الله تعالى، خاصة أنه من العلم الذي لا يضر الجهل به فهو لا ينبني عليه عمل، إذ قد تردد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر ابن صياد، ولم يوح إليه في أمره بشيء - كما تقدم - ولو كان يعلم بذلك مما كلفنا به لبينه الصادق الأمين لنا؛ إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

وسواء كان الدجال هو ابن صياد أو غيره فعلينا ألا نشغل العامة بهذه المسألة فقد مضى أمرها، والذي نقطع به، ونعتقده أن الدجال محبوس الآن حي موجود في مكانه، وأنه سيخرج لا محالة، فلنستعد له الآن بالإيمان والعلم، والمداومة على الاستعاذة بالله من شره، وحفظ عشر آيات من سورة الكهف، ونشر أوصافه وأخباره بين الناس، فهذا ما نحتاجه، والله أعلم.

الخاتمة

الحمد لله الذي يسر وأعان وتفضل، فهذه هي خاتمة حديثنا عن الأعور الدجال، والذي نلخص معلوماته بالآتي:
1. ما ورد من اسمه ووصفه الدقيق في السنة المطهرة، والتي ركزت على صفة عور عينه؛ حتى لا يستريب إنسان في كذبه ودجله بما ظهر على جسده من دلائل العجز والنقص القادحة في دعواه للربوبية.

2. يخرج الدجال من إقليم خراسان بالمشرق من مدينة أصبهان، وله علامات، وأمارات تدل على قرب خروجه، ويطوف في أربعين يوماً الأرض إلا مكة، والمدينة، ومسجد الطور، والمسجد الأقصى؛ فمحرم عليه دخولها.

3. أن فتنة الدجال فتنة عظيمة وشديدة، على المؤمن الحرص على توقيها، والاستعداد لها من الآن بما ذكرنا في موضعه.

4. أن من الواجب على العلماء والدعاة نشر أخبار الدجال، وأحواله، وأوصافه بين العامة؛ إذ العلم به وبفتنته، وكيفية التصرف حيال هذه الفتنة لا يؤخذ إلا من مشكاة النبوة.

5. أن مما لا شك فيه أن الدجال شخصية حقيقة، وأنه حي موجود الآن قد شاهده تميم الداري رضي الله عنه، وأنه خارج لا محالة في هذه الأمة، خلافاً للمكذبين المنكرين للدجال.

6. يجب الاستناد في ذكر أمور الدين عامة، وأمور العقيدة خاصة للثابت الصحيح من السنة المطهرة، والحذر كل الحذر من الأحاديث الضعيفة الموضوعة، والتي تكثر في باب أشراط الساعة، ومن هذه الأحاديث الضعيفة التي تحدثت عن الدجال، والتي نذكرها للحذر منها:
أ‌. يخرج الدجال على حمار أقمر، ما بين أذنيه سبعون عاماً، معه سبعون ألف يهودي، عليهم الطيالسة بالحضر حتى ينزلوا كوم ابن الحمراء  فهذا الحديث بهذا اللفظ ضعيف، وإن كان بعض ألفاظه صحيحاً ثابتاً بحديث صحيح، وهو قوله: يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة.

ب‌. يخرج الدجال في خفة من الدين، وإدبار من العلم، وله أربعون يوماً يسيحها: اليوم كالسنة، واليوم كالشهر، واليوم كالجمعة، ثم سائر أيامه مثل أيامكم، وله حمار يركبه، عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعاً، يأتي الناس فيقول: أنا ربكم، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بني عينيه ك. ف. ر، يقرأه كل كاتب وغير كاتب، يمر بكل ماء ومنهل، إلا المدينة ومكة حرمهما الله عليه، وقامت الملائكة بأبوابها فما جاء في هذا الحديث من وصف حمار الدجال لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بقية ألفاظه فقد وردت بأسانيد صحيحة.

فعلينا الحرص كل الحرص على التمسك بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتدقيق في هذا الأمر؛ إذ أمور الغيب محصورة في الخبر الصادق.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين.

المصدر: مجلة البحوث الإسلامية- العدد الخامس والثمانون - الإصدار: من رجب إلى شوال لسنة 1429هـ
  • 31
  • -1
  • 45,178
المقال السابق
[8] المطلب الثاني: حياة الدجال ووجوده الآن (هل الدجال حي الآن؟)
 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً