بل حرب دينية
إننا نؤكد بناء على ما ورد أن هذه الحرب ليست حرباً سياسية ولا حرباً اقتصادية ... بل هي حرب دينية بالدرجة الأولى ، وهذه الحرب وإن كانت حرباً غير معلنة في فترة من الفترات بسبب سياسة العدو القائمة على بذر الشقاقات والخلافات بين أبناء الدين الواحد..
لا يؤمن كثير من المسلمين بنظرية المؤامرة على الإسلام ويصفون هذه
النظرية بالشماعة التي يعلق المسلم عليها ضعفه وانهزامه أمام العدو
القوي، ويعتقد هذا الفريق بالمقابل أن العدوان الذي يطال كثير من
الدول الإسلامية هو من قبيل الأعمال السياسية والمصالح الاقتصادية،
ولكن هذه النظرية لا تقوى على الصمود في وجه البحث العلمي الحقيقي
الذي يؤكد أن هذا العداء هو بالدرجة الأولى عداء ديني .
من هنا ، ولكي نبرر سبب هذا اليقين ، لا بد من دعم الكلام بالدلائل التاريخية وبيان أسباب هذا العداء ونتائجه .
نقول أولاً أن هذا العداء بدأ منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد أوضحت العديد من الآيات القرآنية الكريمة أهدافه، ومنها قوله تعالى : {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} .
كما أوضحته أيضاً الوقائع التاريخية ، التي امتدت على مر الأزمان ،
ومن بينها الحروب الصليبية، التي لم تنته مع انتهاء الخلافة العثمانية
وتقسيم الدول الإسلامية إلى دول ضعيفة، وإنما استمرت أيضاً بالاستعمار
الغربي من قبل الدول التي ساهمت في الحرب الصلييية للدول العربية، كما
ساهمت في انتزاع فلسطين من يد أهلها وتسليمها للصهيونية إرواء للحقد
الدفين ضد المسلمين من جهة، وإلهاء لهم بالحروب الداخلية من جهة أخرى
.
ونقول ثانياً أن العوامل التي تؤكد على أن الحرب التي تشن ضد
المسلمين في كل انحاء العالم هي حرب دينية متعددة ، منها :
1- الخوف من الدين الذي عانى منه الغربيون في القرون الوسطى ، وانتهى
بهم إلى تحجيم سلطان الكنيسة، عبر اعتناق مبدأ " فصل الدين عن الدولة
"، مما أدى إلى وجود جيل خاو لا يؤمن بأي شيء غير المادة واشباع
الشهوات، جيل يرفع لواء العداوة ضد الذين، وذلك خوفاً من أن يعيد بسط
سلطته من جديد.
من هنا فإذا كان الغرب قد أبدى عداوته للدين بشكل عام ، فهو أشد عداوة للإسلام، لأن الإسلام يختلف عن غيره بأنه دين ودنيا، فهو لا يدعو فقط إلى إقامة العبادات، بل إنه ينظم شؤون العباد في كافة المضامير السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو إذا نجح في الانتشار داخل الدول الغربية فإن قوانين وتشريعات هذه الدول العلمانية ستتعرض للاهتزاز.
2- الاعلان الواضح في بعض الأحيان والخفي في البعض الآخر من قبل كثير من زعماء الغرب ومفكريهم عن حقيقة هذه الحرب ، من هؤلاء رؤساء بعض الدول التي تدعي العلمانية ، مثل أمريكا الذي أعلن فيها رئيسا جمهوريتها جورج بوش الأب والابن أن ما يجري في العراق هي حرب صليبية ... وما ورد لم يكن من قبيل زلة اللسان كما حاول بوش الابن التستر وراءه .
ومن أنواع هذا الاعلان أيضاً ما ذكره الصهيوني ابن غوربون ، حيث قال : " نحن لا نخشى الاشتراكيات ولا القوميات ولا الملكيات في المنطقة، إنما نخشى الإسلام هذا المارد الذي نام طويلاً وبدأ يتململ في المنطقة، إني أخشى أن يظهر محمد جديد في المنطقة " .
ومن الجدير بالذكر أن هذا الاعلان هو اعلان مقصود في كثير من الأحيان،
إذ إنه بعد زوال الاتحاد السوفييتي ، احتاج الغرب إلى عدو جديد يبرر
سعيه الحثيث للتسلح ، فوجد في الإسلام ذلك العدو الإرهابي الذي " يغذي
مشروعية آلة الحرب الشاملة المكلفة" .
هذا وقد نشر موقع محيط الاخباري في هذا المجال تقريراً عن الأرباح التي حققتها شركات الأسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث حققت قفزة هائلة في أرباحها للربع الأول في عام 2004م. نتيجة زيادة مبيعاتها بصورة كبيرة بفضل الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على العراق منذ مارس من العام الماضي ، وأعلنت شركة لوكهيد مارتن أم أرباحها خلال الربع الأول من العام الحالي تجاوزت التوقعات ارتفعت بنسبة 46 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي لتصل إلى 291 مليون دولار .
3- تكتل العالم الغربي ضد المسلمين في العالم بأسره، وابداء تعاطفهم
الصريح مع دولة يهود الغاصبة، ودعمها مادياً واقتصادياً وسياسياً ،
وما عمليات الفيتو التي تتم في أروقة الأمم المتحدة ضد إدانة اسرائيل
إلا نموذجاً عن هذا التحيز ، قال " يوخين هيبلر" في كتابه " الإسلام
العدو " ناقلاً كلام ورد على لسان أحد الصحفيين المصريين إبان حرب
الخليج قوله : " إننا نشهد في الوقت الراهن ازدواجية المعايير الغربية
، فقد أوضح الهجوم على المنشآت النووية ( المفترضة ) لدى العراق أنه
لا خلاف بين الغرب إذا تعلق الأمر بتنفيذ قرار للأمم المتحدة ضد بلد
إسلامي، وإنما يكون الخلاف حول الحد الأقصى الذي يمكن أن تصل إليه
القوة العسكرية فقط، أما في حالة ترحيل وابعاد اسرائيل للفلسطينيين ،
تصبح قرارات الأمم المتحدة لا قيمة لها، مجرد حبر على ورق، كذلك الأمر
في البوسنة، أي أن الحالات الثلاث تتفق في تصوير مشهد واحد واضح :
المسلمون ضحايا الغرب ، مما يدعم بلا شك موقف الإسلام المتشدد، ويضعف
موقف المعتدلين السياسيين " .
4- الاحساس بالتهديد الناتج عن انتشار الإسلام في كثير من البلاد
الغربية ، والناتج في قسم منه عن وفود المهاجرين من الدول الإسلامية ،
مما جعلهم يخشون أن يتحول كثير من الغربيين إلى الإسلام ، كما يخشون
من الحروب والمنازعات والفتن التي يمكن أن تحدث في بلادهم وتزعزع
بالتالي استقراراها .
من هنا جاءت التشديدات القانونية على قبول المهاجرين، وعلى عمل الجمعيات والمؤسسات الإسلامية ، إضافة إلى سن القوانين التي تمنع ظهور الرموز الإسلامية ، ومن بينها حجاب المرأة والتي أصدرت فرنسا مؤخراً قانوناً خاصاً يمنع ارتداءه في المدارس .
5- السعي الحثيث إلى تغيير كثير من مناهج التعليم في الدول الإسلامية
، وذلك من أجل تغيير عقلية الشباب المسلم، وإبعادهم عن دينهم وإلهاءهم
بملذات الدنيا، وهذه الدعوة التي بدأت منذ مطلع القرن والمستمرة إلى
اليوم ، والتي يقودها للأسف، أبناء من بني جلدتنا ، يسعون إلى استبدال
تعاليم الإسلام بتشريعات وضعية ، كما يعملون أيضاً على التشكيك
بصلاحية هذا الدين وقدرته على محاربة العدو، وذلك بهدف إنشاء جيل
متزعزع العقيدة ، منهزم ، تابع ، مسحوق ....
هذا ما يسعى إليه من وراء تغيير مناهج التعليم ، ولكن صدق الله تعالى القائل: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}، فالله سبحانه وتعالى أخرج من بين أصلابهم من يعبد الله عز وجل، كما أخرج من الجامعات العلمانية التي أنشئت من أجل هدم الإسلام، شباب صادق ملتزم مستعد للتضحية بكل شيء من أجل عقيدته ودينه، يقول الدكتور الشهيد عبد الله عزام واصفاً حال هؤلاء الشباب : " لقد أصبحت الجامعات كبلاط فرعون يربى فيه موسى عليه الصلاة والسلام ليهدم بيده عرش فرعون ويسحب البساط من تحت رجليه " .
من هنا فإننا نؤكد بناء على ما ورد أن هذه الحرب ليست حرباً سياسية
ولا حرباً اقتصادية ... بل هي حرب دينية بالدرجة الأولى ، وهذه الحرب
وإن كانت حرباً غير معلنة في فترة من الفترات بسبب سياسة العدو
القائمة على بذر الشقاقات والخلافات بين أبناء الدين الواحد، فإنها
اليوم أصبحت أكثر وضوحاً بالنسبة لكثير من المسلمين من جهة ، كما
أصبحت أكثر وضوحاً بالنسبة للأعداء أنفسهم الذين باتوا يعلنونها حرباً
دينية بكل جرأة وبكل جهر وفخر .
- التصنيف:
الشافعى احمد
منذ