فوائد من حجة الوداع(2)
أحمد قوشتي عبد الرحيم
- التصنيفات: السيرة النبوية -
ومن عجائب تقدير الله، أنه صلى الله عليه وسلم حينما قام خطيبا بالصحابة يوم عرفة، كان الذي يبلغ عنه للناس ربيعة بن أمية بن خلف، وكان جهوري الصوت، يردد ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيسمع من كان بعيدا في وقت ما كان فيه مكبرات صوت، وعدد من حضر حجة الوداع يقارب مائة وعشرين ألفا.
وهذا الصحابي الجليل هو ابن واحد من رؤوس الكفر، وطواغيت قريش وهو أمية بن خلف، الذي كان يعذب بلال بن رباح رضي الله عنه، وغيره من المستضعفين من المسلمين، وكان من سادات قريش الصادين عن سبيل الله، وقد هلك في غزوة بدر حيث قتله بلال رضي الله عنه.
فسبحان الله: الابن يبلغ دعوة الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في موقف عظيم كيوم عرفة، وفي أعظم تجمع لرسول الله مع صحابته الكرام، بينما كان أبوه من قبل لا يكل ولا يمل في الصد عن سبيل الله والسعي لإطفاء نوره، فما ضر الابن كفر أبيه، ولا تحمل جريرة غيره، وقد خرج من أصلاب كفار قريش من يوحد الله، ويبلغ دعوته وينصر رسوله صلى الله عليه وسلم.
وذلك كله من عظمة هذا الدين ورحمته، وبركة الدعوة إلى الله، التي تستنقذ أجيالا من النار، وأشد ما تصاب به الأمة في أي عصر أن تجفف منابع الدعوة فيها وأن يضيق على الدعاة، وأن يتوقف قطار العائدين إلى الله، مع أن هذه الدعوة هي سر بقاء الأمة، وأمان وجودها، ومكمن حيويتها، وتجديد شبابها، وإذا نضب هذا المعين، ولم يعد في الأرض من يقول الله الله، قامت الساعة، وخربت الدنيا، إذ أي فائدة من بشر لا يعرفون ربهم ولا يوحدونه.