أخطر إشكاليات الالتزام الظاهر
من أخطر إشكاليات ما يعرف بالالتزام الظاهر أو التسنن الشكلي الذي ينتقل من خلاله الشخص من خانة الإنسان العادي إلى خانة (الأخ) الملتزم أو المتدين؛ ذلك الشعور المحبب بالعلو والاختلاف..
شعور تزكيه فكرة غربة الدين وتزيده حدة شهوة الحكم على الآخرين وتلمس فسادهم وأخطائهم
أنا مختلف عنهم إذا فأنا من الغرباء؛ أنا متسنن مستقيم طائع أما هم فمتقلبون في معاصيهم الظاهرة
النتيجة؛ أنا - بلا شك - أفضل منهم.
هكذا تبدأ متوالية العلو وتتسرب تلك اللذة الخفية لنفس من يقال عنه ملتزم؛ وبالتدريج يقوم هذا الشخص فيمن حوله مقام الضمير المحاسب وتقع عيناه فقط على زلاتهم ومواطن ضعفهم ولا ينفك عن إشعارهم بتلك الأخطاء والزلات
وبالتدريج أيضا يستسلم له البعض ويخضعون لذلك الأسلوب ويبدأون في تزكية المزيد من تلك المشاعر المستعلية بتغيير معاملتهم له والمبالغة في خشيته حين شهوده لزلاتهم بل وأحيانا إتيانه والاعتراف بين يديه بتفاصيل خطاياهم وكأنما يظنونه كاهنا سيطهرهم بتلك الاعترافات من ذنوبهم؛ بينما يرفض البعض الخضوع لسلطانه ويأبون الاستسلام لتبكيته ولومه ومن ثم يصنفهم (الأخ) كأعداء له وبالتالي للدين والملة ويبدأ في إسباغ الألقاب والأيديولوجيات عليهم ليفسر رفضهم لسلطانه الفكري الذي يتلذذ به.
هؤلاء متهتكون؛ لا
بل هم علمانيون ولسلطان الدين معادون
لا؛ لا
أكيد ليبراليون؛
بل شيوعيون؛
مش جايز يكونوا ملحدين ونحن لا نعلم؛
هكذا يقسم الخلق في نظر صاحبنا من منطلق خضوعهم له من عدمه ويفسر كل تصرف معه بمنطق الغربة وحسب.
ومع الوقت يصير الالتزام والتدين بالنسبة له مصدرا لهذا العلو والتسلط على الخلق ويتحرى كل ما يزيد ويرسخ هذا العلو ويجعله أهلا (في تصوره) لمزيد من الحكم على الناس والتحكم فيهم
وفي نهاية الأمر ينسى أصول تدينه وأسبابه الحقيقية القديمة ويستسلم لتزكية الآخرين له ويطلبها لنفسه ويستزيد منها ويصرح بها والأهم ينسى تلك الحقيقة القرآنية التي تهدم كل ما بناه على شفا جرف هار؛ حقيقة: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [32: النجم]
- التصنيف: