الفلوجة تُقتل جوعا
الأثرياء العراقيون بوسعهم بذل الكثير من الجهد الإنساني والإغاثي تجاه بلدهم وأهلهم؛ وبوسعهم بذل الكثير لدعم المؤسسات الإغاثية التركية العريقة التي يمكنها أن تقوم بدور إغاثي وإنساني؛ وبوسع النشطاء العرب أن يتوقفوا عن استغلال الكوارث والنكبات التي يحولونها إلى منتديات ومؤتمرات لجمع التبرعات التي تذهب إلى فئات معينة لا ندري متى ستقول جيوبها: كفى؟
ما يحدث الآن لأطفال وعجائز ونساء السُنة بالفلوجة وغيرها من بقاع العراق ليس إلا نوعا من العربدة التي لا يسع حراً لم يوسّد ضميره تحت الثرى إلا أن يجأر ويجهر برفض هذه العربدة، والجريمة المشتركة بين خلافة الظلام الفكري الداعشي، وولاية الإجرام الطائفي المذهبي.
في مقالة سابقة لي بعنوان "جراحنا النازفة على ضفاف دجلة والفرات" تناولت فيها من خلال رسالة تلقيتها من بعض إخواننا العراقيين غيضا من فيض ما يتجرّعه أهل السنة في العراق، وما يتعرضون له من إبادة جماعية على يد الميليشيات الشيعية أو الصفوية، وكنت قد سبقتها بسلسلة مقالات عما وقع للعديد من النساء السنّيات في سجون نظام المالكي هناك؛ مما سطّر صفحة من صفحات العار في تاريخ أشباه الرجال؛ ولمّا كنا ننتمي إلى أمة تراثها المعرفي والفقهي يعلّمها أن الواجبات لا يشغل بعضها عن بعض؛ فإنني أرى أن الانشغال بحوادث التفجيرات الإرهابية الإجرامية التي ندينها ونرفضها، ونرفض معها جميع أنواع الإرهاب بكافة صوره وأشكاله؛ سواء أكان من صناعة التنظيمات الإرهابية أم من صناعة الأنظمة التي لا بقاء لها إلا في ظل وجود هذا الإرهاب الأعمى؛ فلا ينبغي لهذا أن يشغلنا عن القيام بواجباتنا المفروضة علينا للذين قدر الله عليهم من بني أمتنا أن نكون صوتهم وهم جزء منا، والله سائل كل منا عن تقصيره في حقهم الذي لا يُعد منّة نمتنّ بها عليهم؛ وإنما هو حق أصيل لإنسانيتهم و آدميّتهم، وعقيدتهم؛ كما هو امتحان لمروءتنا ومدى إعلائنا واحترامنا للقيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية.
من نافلة القول أن أذكر أن انطباعي عن أثرياء السنة العراقيين –إلا من رحم ربي- ليس انطباعا إيجابيا؛ ومن خلال اهتمامي بالشأن الإسلامي والإنساني العام فإنني لم أظفر بما يجعلني أطمئن على أن من وراء الطفل والشيخ والمعاق والضعفة والمستضعفين السنة بالعراق من يرى فرضية العين والواجب تجاه هؤلاء؛ بما يجعله يحمل همومهم ويستفرغ وسعه في القيام بواجبه تجاههم؛ ولا أدري إلى متى ستظل تركيا تتحمل كل هذا العناء وتلك المسؤولية تجاه النازحين الناتجة عن خذلان أو تخاذل العرب وأهل الديار الذين يضنون على أنفسهم بالنصيحة والدينار.
الأثرياء العراقيون بوسعهم بذل الكثير من الجهد الإنساني والإغاثي تجاه بلدهم وأهلهم؛ وبوسعهم بذل الكثير لدعم المؤسسات الإغاثية التركية العريقة التي يمكنها أن تقوم بدور إغاثي وإنساني؛ وبوسع النشطاء العرب أن يتوقفوا عن استغلال الكوارث والنكبات التي يحولونها إلى منتديات ومؤتمرات لجمع التبرعات التي تذهب إلى فئات معينة لا ندري متى ستقول جيوبها: كفى؟ بوسعهم أن يعلموا أن ثمة بشراً غيرهم على هذه الأرض يستحقون الحياة، ويستحقون أن تمتد إليهم يد المحسنين بالإحسان والندى، وأن يعلموا أن ثباتهم على دينهم ومبادئهم بعيدا عن الانحراف الفكري والمذهبي ليس مقابله أن نخذلهم بالصياح والثرثرة واللطم والولولة أمام الميكروفونات وعلى الفضائيات.
لقد رُسمت ألوان العلم البلجيكي بالإضاءة أعلى برج المملكة بالرياض بالمملكة العربية السعودية؛ وكذلك جاءت إدانة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بصورة تعبر عن حضارتنا وموقفنا تجاه الأعمال والتفجيرات الإرهابية التي شهدتها العاصمة بروكسل، ورفضنا الواضح للأفكار المنحرفة عن سواء السبيل؛ وبهذه القيم والمبادئ نعلن بوضوح رفضنا لما يحدث من جرائم مدعومة من الشرق والغرب ضد أهل السنة بالعراق المنكوبين بداعش وميليشيا النظام الطائفي هناك؛ وندعو كل من لديه ضمير في هذا العالم أن يعمل على وقف التطهير العرقي والإبادة الجماعية وما يحدث بالفلوجة التي يموت أطفالها وعجائزها جوعا.
- التصنيف: