على رِسْلكم، لا تُحزِّبوا العلم
هذا مقام الدفاع عن العلم فحسب.
للعقلاء وأهل الفضل .. على رِسْلكم، لا تُحزِّبوا العلم والقضايا!
لقد غرَّ بعضَ إخواننا - إلا من رحم الله - لوثةٌ خبيثة، هذه الأيام الحوالِك، علَت نبرتُها، وصار لها ضجيجٌ يُسمَع، وأصواتٌ تُرفَع، وأقلامٌ تَرتع.!
فوقعوا فيها وأوقعَوا، وغرَّهم زُخرفُها وغرَّروا!
غير آبِهين لأصول الشرع في ذلك، وإن ادَّعوا النسبة إليه!
هادِمين أحكامًا وتشريعاتٍ مَهيبة، وهم يَحسبون أنهم يُحسِنون صُنعًا!
يُخالفون طريقة السَّلف الممدودة وأهل السُّنة، ويدَّعون أنهم من أهلها وجماعتها!
إنها لَوْثَة (تحزيب العلم وقضايا الحقّ) ..!
إنهم يُحزِّبون كلّ قضية، لم يَعهدوها في ساحاتهم ومنابرهم ومجالسهم ..!
وفي أسرع فرصة، تُصنَّف القضية وتُحزَّب، وكذا صاحبها!
سأخُصُّ ها هنا .. تحزيب بعض القضايا الشرعية، ووصفها وتصنيفها (بالدَّعشنة) نسبة إلى مُجاهدي الدولة الإسلامية.
فعَلى سبيل المثال لا الحصر:
* قضايا ومسائل تكفير المُعيَّن، وتنزيل أحكام الردَّة على مُستحقّيها.
* قضايا عدم العذر بالجهل، في مسائل الشرك الأكبر، المعلومة من الدّين بالضرورة.
* مسائل الديمقراطية والانتخابات، وتحكيم القوانين الوضعية، والحكم بغير ما أنزل الله.
* قضايا موالاة الكافرين، والحكم على الوالِغين فيها، أفرادٍ وجماعات.
* مسائل العمليّات الفدائية - أو كما يُسمّيها البعض انتحاريَّة - والتفخيخ والتفجير.
* مسائل الانغماس في الكفّار.
* مسائل الجهاد، وفقهه وأحكامه، وتطبيقاته ونوازله.
* الاقتتال بين المُجاهدين، سواء لدنيا، أم لتمكين ... إلخ.
* الأخطاء الكارثية الحاصلة، في الغلوّ في التكفير، واستحلال الدماء المعصومة أحيانًا، وتوسيع رقعة العداء، وتطبيق بعض الأحكام في غير مواضعها.
* قضايا تطبيق الشريعة، وإقامة الحدود، والقتل قصاصًا، تغريقًا وذبحًا وتحريقًا.
* مسائل الإمامة و الولاية الشرعية و متى تنتفي عن الحاكم.
... إلخ المسائل والقضايا (المُتدعشنة) زعموا ..!
وأقول للعقلاء أهل الفضل والعلم من هؤلاء:
إن مثل هذه المسائل والقضايا، وما على شاكلتها مما لم يُذكَر، هي في تقريرها وتكييفها وتنزيلها وتطبيقها؛ ليست بدعةً داعشيّة - كما يحلو لكم أن تُحزِّبوا وتُصنِّفوا -!
بل بعض هذه .. تشريعاتٌ وأحكام، وأصولٌ وعقائد، وديانة وأمانة .. تعبَّدنا الله بأصولها الأُولى، ما بَقيَت سماواتُه وأرضُه، وما دام زمانٌ، وما بقي مكان ..!
وقد سار عليها خلفٌ عقيب سلَف، وعلى مدار أربعة عشر قرنًا من الزمان، حتى تجارب الجهاد الحديثة، وساداته الأكارم، خاصةً دعوة الشيخ (ابن عبدالوهاب رحمه الله)، ثم من تلاهُ وتَبعه، ومن سبَق ومَن لَحق ..!
وكلّ هذا مُدوَّنٌ مَكتوب، ومُتقرِّرٌ مرصود، ولم تكن بعدُ (داعش) ولا مُجاهدوها..!
ولا إخالُ أحدًا منكم يُخالف في أصول ذلك.
وإن كنتُ أعِي تمامًا، أن الخلاف - عند العقلاء - في التطبيق والتنزيل والمُمارسة ..!
إذًا.. فليكن الخوض والكلام حول ذلك فحَسب، وها هنا نُحكِّم الدّين، ونُقرّ الحقّ لا غير.
لا أن تُرهّبوا الناس من القضايا نفسها، وتُسفِّهوا من قيمتها، وتُنقصوا من قَدْرها، بتحزيبها وشخصنتها وتعليبها (ودعشنتها) - في سياق ذمّكم لها -..!
ومن ثَمَّ .. يُعقد البراء من مُجاهدي الدولة، وإعلان الغارة عليهم، والهمز واللمز والحطّ والطعن؛ لأجل مسألة أو بعض مسائل..!
وتَقعون أنتم في الإرجاء من حيث تشعرون أو لا تشعرون!
فعَلى المُنتقِد والمُنكِر - مع إخلاصه ونُصحه لله ولرسوله وللمسلمين:
أن ينتقد المُمارسة والتطبيق فحَسب، ربّما صحّ له ذلك أو أخطأ، لا أن يُرهِّب ويُزمجر، بالعناوين العريضة، والمانشتّات اللافتة:
من أصول الفكر الداعشي .. تكفير المسلمين
من منهج الدواعش .. استحلال الدماء
الخوارج الدواعش .. لا يعذرون بالجهل
الدواعش.. يكفرون بالديمقراطية
فمثل هذه الإطلاقات، وما على شاكلتها؛ يَنعكس لزامًا على القضايا نفسها، شعرتَ أم لم تشعُر، وتتسبَّب في تضييع بعض الدّين وتشريعاته، وأنت تَحسَب أنك تَحميه وتَحفظه.
ولَيتك مع إخلاصك، تنأى بنفسك قليلًا، عن المُخاطرة والخوض تَجريحًا وتعديلًا، حتى تستوي وتَنضج، فإن بين التنظير والتطبيق؛ مفاوز لا تُدرَك..!
** وختامًا:
فهذا مقام الدفاع عن العلم فحسب، لا الدفاع عن مجاهدي الدولة، فهُم كغيرهم لهم وعليهم، ويُقبَل منهم ويُردّ، والكلام حول الخلاف والثّغرات الموجودة بين المجاهدين عمومًا، له مقام آخر.
وأُذكّر إخواني ها هنا :
بأنّني كغيري ممّن يكتب من إخواننا، حول هذه المسائل والتشريعات وفقهها وأحكامها، لم أعتمد في كتاباتي مثلًا حول هذه المسائل - إلا قليلًا -، على المُتأخّرين، خاصّةً تراث الشيخ (ابن عبد الوهاب رحمه الله) وتلامذته، ولا قرَّرتُ يومًا مسألةً في هذا، اعتمادًا على بيانات مُجاهدي الدولة، أو ما كتبه مُنظّرو الجهاد الحديث، وإن كنتُ أستفيد منهم.
لكنّني علَوتُ بالتأصيلات والاستدلالات ما استطعتُ، إلى ما دوّنه الأئمة الأربعة وأسلافهم وأتباعُهم، وما عُرف من مذاهبهم، ومذاهب من أتى بعدهم، حتى زمن (ابن تيميّة رحمه الله) وتلامذته، ومن تلاهم.
حتى ننأى بالعلم والمسائل، عن التحزيب والرَّمي بالوهابية، والظنّ أن هذه المسائل، بدعٌ نجديّة، كما حصل مع المُجاهدين واتهموهم.
وبعدُ إخواني:
فإنّي ناصحٌ لنفسي ولكم، ومعاذ الله أن أتطاول بذلك عليكم، فكلّكم أصحاب فضلٍ عندي وكرامة، وكم أسعد بنُصحكم وتوجيهكم ومُراجعتكم، ومن أحسن الائتلاف، أحسن الاختلاف، فلَك غُنم ما نَصحتُ، ولا عليك من غُرمُه.
هدانا الله والمسلمين، لما اختُلف فيه من الحقّ بإذنه، وأعزّ الله الإسلام وأهلَه، ونصر المجاهدين في سبيله، ووحَّد صفوفهم، وجمع كلمتهم.