عناد الكافرين
أبو الهيثم محمد درويش
- التصنيفات: التفسير -
يحدثنا ربنا سبحانه عمن تغلغل تكذيب الشريعة و عدائها في شغاف قلبه
فرفض الانقياد و الاعتراف و الإذعان
مثل هؤلاء لو أنزل الله كتاباً ملموساً و لمسوه لظلوا على عنادهم و ادعوا أنه سحر و كهانة
وطلبوا المزيد من المعجزات
ومن مطالبات أعداء الله الأولين : أن ينزل ملكاً يساعد الرسول صلى الله عليه و سلم ..و لو حدث لكان تعجيل العذاب لهم لا محالة فيه( في حالة تكذيبهم و استمرار التكذيب و العداء بعدما شاهدا وعاينوا المعجزة) ..فليس من مصلحتهم مثل هذه المعجزات التي لا إمهال بعدها لمكذب .
و هذا فيه تسلية لقلوب المؤمنين وتخفيف عنهم إذا ما قوبلوا بمثل هذا التكذيب و العناد .
قال تعالى :
{ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ } [ الأنعام 7 و8] .
قال السعدي في تفسيره :
هذا إخبار من الله لرسوله عن شدة عناد الكافرين، وأنه ليس تكذيبهم لقصور فيما جئتهم به، ولا لجهل منهم بذلك، وإنما ذلك ظلم وبغي، لا حيلة لكم فيه،فقال: { وَلَوْ نزلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } وتيقنوه { لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا } ظلما وعلوا { إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ } .
فأي بينة أعظم من هذه البينة، وهذا قولهم الشنيع فيها، حيث كابروا المحسوس الذي لا يمكن مَن له أدنى مسكة مِن عقل دفعه؟"
{ وَقَالُوا } أيضا تعنتا مبنيا على الجهل، وعدم العلم بالمعقول. { لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } أي: هلا أنزل مع محمد ملك، يعاونه ويساعده على ما هو عليه بزعمهم أنه بشر، وأن رسالة الله، لا تكون إلا على أيدي الملائكة.
قال الله في بيان رحمته ولطفه بعباده، حيث أرسل إليهم بشرا منهم يكون الإيمان بما جاء به، عن علم وبصيرة، وغيب. { وَلَوْ أَنزلْنَا مَلَكًا } برسالتنا، لكان الإيمان لا يصدر عن معرفة بالحق، ولكان إيمانا بالشهادة، الذي لا ينفع شيئا وحده، هذا إن آمنوا، والغالب أنهم لا يؤمنون بهذه الحالة، فإذا لم يؤمنوا قضي الأمر بتعجيل الهلاك عليهم وعدم إنظارهم، لأن هذه سنة الله، فيمن طلب الآيات المقترحة فلم يؤمن بها، فإرسال الرسول البشري إليهم بالآيات البينات، التي يعلم الله أنها أصلح للعباد، وأرفق بهم، مع إمهال الله للكافرين والمكذبين خير لهم وأنفع، فطلبُهم لإنزال الملك شر لهم لو كانوا يعلمون، ومع ذلك، فالملك لو أنزل عليهم، وأرسل، لم يطيقوا التلقي عنه، ولا احتملوا ذلك، ولا أطاقته قواهم الفانية.
أبو الهيثم