من طرائف ألغاز الفقهاء ..!
ذكر تاج الدّين السُّبكي رحمه الله، في كتابه الماتع "الأشباه والنظائر": "رجل قال: أنا لا أرجو الجنة، ولا أخاف من النار، وآكل الميتة والدم .. وأصدِّق اليهود والنصارى، وأبغض الحقَّ، وأهرُب من رحمة الله، وأشرب الخمر ..
وأشهد بما لم أرَ، وأحب الفتنة، وأصلي بغير وضوء ولا تيمُّم، وأترك الغسل من الجنابة، وأقتل الناس .. هل يَكفر؟!!
الجواب: قيل أن أبا حنيفة سُئل عن هذا فقال: لا يكفر!
أما قوله: "لا أرجو الجنة ولا أخاف النار" .. فيعني إنما أرجو وأخاف خالقَهما.
وأراد "بالميتة والدم" .. الكبد والطحال والسمك والجراد.
وبقوله: "أصدِّق اليهود والنصارى" .. في قول كلّ منهم: إن أصحابهم ليسوا على شيء، كما قال تعالى حكاية عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ}[البقرة:113].
و "الهروب من رحمة الله".. فرار من المطر.
و "الحق الذي يبغضه" .. الموت؛ لأنه حق ولكنّا نكره الموت.
و "يشرب الخمر" .. شَربها في حال الاضطرار، كما إذا غصّ بلُقمة ولم يجد إلا الخمر.
و "يحب الفتنة" .. الأموال والأولاد على ما قال تعالى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}[الأنفال:28].
و "بالشهادة بما لم يرَ" .. الشهادة بالله وملائكته وأنبيائه ورسله وهو الإيمان بالغيب.
و "بالصلاة بغير وضوء ولا تيمُّم" .. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
و "بالناس الذين يقتلهم" .. الكفار".
قلتُ:
وقد فات السبكيَّ رحمه الله، واحدةٌ ربما غفَل عنها، وهي قول الرجل: "وأترك الغسل من الجنابة"؛ وقد ظهر لي وجهٌ لتأويلها، ألا وهو: أنه ربما ترك الغسل من الجنابة، حتى يأتي زوجَه الأخرى، ثم يغتسل غسلًا واحدًا، وقد كان عليه السلام، يطوف على نسائه بغُسلٍ واحد.
وربما كان المراد: تأخير الغسل حتى يُجامع ثانيةً، ثم يغتسل مرةً واحدة.
- التصنيف: