تأمُّلات أُم - ابني و أنا: يلقي باللائمة عليَّ (1/ 3)!
فقلت له: لا تخش شيئاً بل سأقص عليك حكاية؛ فدُهِشَ و فاق اتساع عينيه ما كان مني منذ قليل وظهر على وجهه التعجب! كأنه غير مصدق لما سمعته أذناه!!
باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذه القصة أسوق أحداثها على لساني لتيسير إيصال المراد منها ليس إلا...
أخطأ ابني الصغير يوماً -وهو لا يكف عن الخطأ على مدار الساعة- فقلت له معاتبة: "لِمَ فعلتَ ذلك؟".
- ففاجأني بقوله إنني سبب ذلك، فما كان مني إلا أني تعجبت من قوله بشدة، لا لا ليس من قوله بل من شديد جرأته على إلقاء المسؤولية عليّ، دفعه لذلك حب التنصل من تحمل تبعة خطأه -وفزعت لهذا أشد الفزع، فالخطأ -وبخاصة من الصغار- شيء ليس بمستغرب، أما إلقاء التبعة على الآخرين فهذا من البهتان والظلم والافتراء مما هو أشد من أصل فعل الخطأ.
وهنا وجدتني مفتوحة العينين على اتساعهما أنظر إليه ولا أراه، يعمل عقلي بسرعة متفكرًا: كيف التعامل مع هذا البلاء؟ ما أسهل أن أتهمه بالكذب والبهتان وأزيد عقابه وأبرحه ضرباً مع ما يفتح الله به عليّ (1) من اللوم والتقريع على شنيع فعله؟ ولكن مهلاً الأمر أخطر من ذلك، إن لم يكن ذلك فجورًا فما هو الفجور؟ وحضرني ساعتئذ حديث:
« » (صحيح البخاري، رقم: [ 34])، قال في ابن حجر في الفتح تعليقًا على هذا الحديث: "الفجور: الميل عن الحق والاحتيال في رده..".
فجلست -وكنت نسيت الجلوس- وأخذت نفساً عميقًا؛ أحاول جمع شتات نفسي وتفريغ ما لحق بها من شديد الكرب والغضب، وهو ناظر إلي متعجبًا مما يراه من عجيب فعلي: فكلما هممت بالنطق فتحتُ فمي ثم راجعت نفسي قبل أن أنطق وعاودت فأطبقته، وهكذا عدة مرات متتالية لم يطاوعني لساني؛ عجزًا مني عن إيجاد كلمات تناسب هذا البلاء؛ هربت مني الحروف، واختلطت في ذهني المعاني؛ فلم أستطع نطقًا حتى امتن الله عليّ وشعرتُ أنني جميع، فزايلني ذهولي، وعاد لي صفاء ذهني وسكون نفسي؛ لما أنارت في عقلي فكرة تفضل الله بها عليّ بحول منه وقوة- فباشرتْ بتطبيقها مسرعة مع صغيري المفتري، فتبسمتُ ودعوته أن يقترب ويجالسني، وكان منكمشًا في ركن بجوار الجدار متوقعاً أن ينزل عليه الويل والثبور وعظائم الأمور- فلما رأى انبساط أسرير وجهي ودعوتي الهادئة -تماماً- له أتى إلي مقدمًا رجلاً ومؤخرًا الأخرى!!
- فقلت له: "لا تخش شيئاً بل سأقص عليك حكاية"؛ فدُهِشَ و فاق اتساع عينيه ما كان مني منذ قليل وظهر على وجه التعجب! كأنه غير مصدق لما سمعته أذناه!!
- فقال: "حقاً، ستقصي علي حكاية يا أمي؟"
- أومأت له أن نعم، وهو من أشد الخلق محبة للحكايات والقصص فكثيرًا ما كان يلح عليّ أن أفعل له ذلك.
- قلت له: "يا بني، لما خلق الله آدم و نفخ فيه الروح أمر الملائكة وإبليس أن يسجدوا له...."
و..... يتبع.
______________________________ ______
(1) عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « » (صحيح البخاري برقم [5200]).
**سقتُ هذا الحديث؛ لأدلل على صحة وصفي في السياق: مع ما يفتح الله به عليّ من اللوم والتقريع على شنيع فعله، فأنا أعتقد أن العقاب أحيانًا، واللوم والتقريع أحياناً، وكذا الجمع بينهما أحياناً -حسب ما يقتضيه الحال- من العمل بهذا الحديث وترك ذلك مع استلزام الموقف له من غش الرعية وتضيعها.
-قال ابن العثيمين: "كذلك المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، يجب عليها أن تنصح في البيت، في الطبخ، في القهوة، في الشاي، في الفرش، لا تطبخ أكثر من اللازم، لا تسوي الشاي أكثر مما يحتاج إليه، مسؤولة أيضاً عن أولادها في إصلاحهم وإصلاح أحوالهم، وشؤونهم، كإلباسهم الثياب، وخلع الثياب غير النظيفة، وتغيير فراشهم الذي ينامون عليه، وتغطيتهم في الشتاء.." انتهى بتصرف من كتاب: (شرح رياض الصالحين)/ج5/ 34-باب الوصية بالنساء /ص:172،173.
- كما عدّ الإمام:محمد بن عبد والوهاب عدم القيام على الرعية من الكبائر في كتابه الماتع الكبائر/ (109)باب: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
- كذا قال السعدي في تفسيره لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6]: "يا من منَّ الله عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} الموصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله، وامتثالها، ونهيه اجتناباً، والتوبة عما يسخط الله، ويوجب العذاب. ووقاية الأهل والأولاد بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله..." انتهى النقل بتصرف من تفسير السعدي.
- التصنيف:
- المصدر: