أمتنا المُستعبدة
خالد فاروق
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
منذ عدة عقود، كتب إمام أهل الحديث في عصره، الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر(ت:1377هـ/1958م) - رحمه الله -، عدة مقالات صدع بها بقول الحق، في العديد من القضايا التي تهم الأمة، وقد جُمعت تلك المقالات في كتاب " كلمة الحق"، وكان من بين تلك المقالات مقال بعنوان "أيتها الأمم المستعبدة".
بَعث الشيخ أحمد شاكر في هذا المقال برسالة إلى الأمة، فقال –رحمه الله-" يوشك أن تقع الواقعة، وقد تكون هي الحاسمة المدمرة، على رأس الطغاة المستبدين المستكبرين، فحذار أن تُخدعوا عن أنفسكم وعن أممكم كما خُدعتم من قبل.
أيتها الأمم المستعبدة، من العرب، من أقصى العراق إلى أقصى المغرب، ومن المسلمين وغير المسلمين، فيما يسمونه "الشرق الأوسط " و "الشرق الأقصى" إنكم ضحية هؤلاء الفجرة، وقد لبثتم في إسار الذل والاستبعاد بضع مئات من السنين، ذاق هؤلاء الوحوش الأوربيون طعم الخيرات في بلادكم، ثم طردهم أبطال الإسلام في الحروب الصليبية من بلاد الإسلام وبلاد الشرق، وعرفوا منكم ومن بلادكم معنى الحضارة وحقيقة الحرية فلم يستطيعوا صبرًا عن مطامعهم وثاراتهم.
لا تُخدعوا بما يزعمون من دفاع عن الحرية وعن الحضارة، فإنما الحرية عندهم حرية أوروبا، وحرية الأوروبيين في أمريكا وغيرها، وشاهد كم على ذلك ما فعلوا ويفعلون في أهل أمريكا الأصليين إلى اليوم، وما فعلوا ويفعلون في أهل أستراليا الأصليين إلى اليوم.
لا تخدعوا بما يسمونه "الدفاع المشترك" و " المواقع الاستراتيجية "، فإنكم ترون بأعينكم وتسمعون بآذانكم ما يقولون في صحفهم، وما يعلن به قادتهم وزعماؤهم، وهم يصارحونكم بأنهم يأبون عليكم أن تقفوا موقف الحياد بينهم وبين خصمهم، وبأنهم سيأخذونكم في صراعهم إلى جانبهم، رضيتم أم أبيتم، وبأنكم أنتم السياج القوي دونهم، وبأنكم الخط الأول في دفاعهم أو هجومهم.
ولا تنسوا أن هؤلاء الوحوش المتعصبين يكرهون اليهود بأكثر مما تكرهون أضعافًا مضاعفة، ولكنهم في سبيل إذلالكم ووضع أيديهم على أعناقكم ، وامتصاص خيراتكم ودمائكم جاؤوا بشذاذ الآفاق من مجرمي اليهود ووضعوهم في قلبكم، قريبًا من الحرمين، وبين العراق والشام ومصر، واصطنعوا لهم دولة يمدونها بالمال والعتاد، لتملك عليكم أمركم كله من كل ناحية، وجعلوها دولة دينية زعموا في العصر الذي يدعون أن الدول الدينية لا بقاء لها ولا قرار.
ولا تظنوا أن الروس خير لكم منهم، أو أنهم سينصرونكم أو يدعونكم أحرارًا إذا ما ظفروا, فكل هؤلاء وأولئك شر، وكلهم عدو، ولكنا نأبى أن ننصر عدوًا على عدو، ونأبى أن نكتب وثيقة استعبادنا بأيدينا، لهؤلاء أو هؤلاء، فما رأينا منهم إلا شرًا، بل لا تزال أمم كُثر منكم ترسف في أغلال العبودية.
بل يجب أن نقاوم هؤلاء وهؤلاء، بما استطعنا من مقاومة سلبية أو إيجابية، فلا نمكن لواحدٍ منهم في شبر من أرضنا، ولا بحبة واحدة من قوتنا، فمن فعل ذلك فهو خائن لأمته ولبلاده، ولسائر بلاد الشرق من آسيا وأفريقيا.
واعلموا أيها المسلمون خاصة، أن من خاض منكم غمار الحرب القادمة، مع هؤلاء أو هؤلاء، ثم كتبت له الحياة، كان حيًا كميت، وعاش عبدًا ذليلًا، آثمًا عاصيًا، حتى يسلمه أجله إلى مصيره، وإن كُتب عليه القتل لم يكن شهيدًا، بل مات خارجًا على دينه، مخالفًا عن أمر ربه، عاصيًا لرسوله".