يوسف عليه الصلاة والسلام بين الدعوة والفتنة
سورة يوسف من أبرز السور التي تتجلى فيها الفتن التي تحدث للمسلم، بأنواعها وأشكالها وفيها يتضح اليسر بعد العسر في كل فتنة يصادفها الداعية، إن الانفراج بعد الشدة يسبقه ثبات على المنهج، وقد يكون هو الهدية لذلك الثبات، وقد يكون الانفراج بحد ذاته فتنة أخرى يختبر الله بها ثبات عبده في اليسر، فكم من المسلمين من ثبت حين المحنة والشدة فلما جاء اليسر والانفراج والرخاء حاد عن الجادة، وابتعد عن الصف، هذه المعاني وكثير غيرها يجدها قارئ القرآن من خلال سورة يوسف
- التصنيفات: قصص الأنبياء -
الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..
أما بعد،
سورة يوسف من أبرز السور التي تتجلى فيها الفتن التي تحدث للمسلم، بأنواعها وأشكالها وفيها يتضح اليسر بعد العسر في كل فتنة يصادفها الداعية، إن الانفراج بعد الشدة يسبقه ثبات على المنهج، وقد يكون هو الهدية لذلك الثبات، وقد يكون الانفراج بحد ذاته فتنة أخرى يختبر الله بها ثبات عبده في اليسر، فكم من المسلمين من ثبت حين المحنة والشدة فلما جاء اليسر والانفراج والرخاء حاد عن الجادة، وابتعد عن الصف، هذه المعاني وكثير غيرها يجدها قارئ القرآن من خلال سورة يوسف، فهي سورة تمثل منهج البلاء، ونتيجة هذا البلاء، وسأعرض إلى شيء يسير مما بلي وفُتن به نبينا يوسف عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة والسلام.
الفتنة الأولى: مؤامرة الاغتيال
وكانت من صنع أقرب الناس إليه، وهم إخوانه، مما يجعل لهذا البلاء مذاقًا مرًا يختلف عن باقي مؤامرات الاغتيال والتي عادة تكون من أعداء بعيدين بالنسب، أما أن يكون صاحب المؤامرة هو الأخ الذي خرج معه من صلب واحد فهذا ما يزيد من قساوة الفتنة، خاصة إذا كان سبب القتل سببًا تافهًا كالذي ذكره إخوة يوسف وهم يناقشون أمر اغتياله {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف:8-9]، إذاً: كان سبب المؤامرة حب أبيهم ليوسف وتفضيله عليهم بادعائهم، ولننظر كيف يكون تفكير من استولى عليه الشيطان حتى أعمى بصيرته عن رؤية البديهيات من الأمور، لقد غاب عن أذهانهم الاحتمالات الأخرى الناتجة عن الجريمة، وتذكروا كما سول لهم الشيطان احتمالاً واحدًا، وهو بقاؤهم بعد يوسف ليكونوا هم الخيار الوحيد والأبناء الوحيدين ليعقوب، ولم يضعوا بالحسبان احتمال اكتشاف جريمتهم، وحزن يعقوب عليه السلام على يوسف، وشكه بهم، وخطأهم بالتنفيذ، واحتمال بقائه حيًا وإرجاعه لأبيه، وغيرها من الاحتمالات الواردة، ونلاحظ لطف القدير بيوسف، بأن أنطق أحدهم لتمضي مشيئته بأن يكون اقتراح أحدهم بمثابة الانفراج الأول للفتنة الأولى {قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ}[يوسف:10]، هذا الاقتراح، ومضوا جميعًا بعد حبك المؤامرة لأبيهم، ليقنعوه بأخذ يوسف للذهاب معهم في رحلتهم، وبالرغم من تردد يعقوب عليه السلام إلا أنهم أقنعوه بأخذه معهم، ومضوا به ليبدأ يوسف عليه السلام في الجب فتنة ثانية.
الفتنة الثانية: الإلقاء في الجب
ومما يزيد في حجم هذه الفتنة رؤية يوسف عليه السلام لإخوانه وهو الغلام الصغير وهم يمسكونه ويتعاونون جميعًا لإنزاله في الجب، ثم يراهم وهم يغادرون ليتركوه وحيدًا في تلك الصحراء ليمكث في ظلام الجب، وكأن ذلك تهييئًا له للسجن الحقيقي الذي في مراحل الفتن المتلاحقة في حياته، ثم يأتي الفرج بعد تلك الشدة وذلك الصبر ليوسف عليه السلام وهو يعاني الوحدة القاتلة في ذلك الجب على شكل قافلة تمر؛ فتلقطه من الجب: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ ۖ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ ۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [يوسف:19]، لقد أُخرج من الجب، ليرى الدنيا مرة ثانية، ولكن هذا الخروج كان بداية لفتنة جديدة في حياته.
الفتنة الثالثة: الاستعباد
يلتقطه هؤلاء السيارة من الجب، يُعجبون بجماله، وأسرعوا في بيعه عبدًا بسعر زهيد في مصر {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ . وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف من الآيتين:20-21]، ينتقل يوسف عليه السلام من الحرية التي كان يعيشها مع والديه بعز وتقدير، التي حسده عليه إخوانه، إلى ذل العبودية والاستعباد في قصر عزيز مصر، شأنه شأن العبيد المملوكين يحمل الأثقال لسيده، ويقضي الحاجات الحقيرة، ويؤمر فيطيع وهذه الفتنة بحد ذاتها تحتاج إلى صبر، وحسب العبد أن يشعر أنه ليس كباقي البشر، ولا يعامل معاملة البشر، بل يعامل معاملة أقرب للحيوان منها للبشر في معظم الأحيان.
الفتنة الرابعة: فتنة النساء
يوسف عليه السلام كان صارخ الجمال، فُتنت بجماله امرأة العزيز مع فارق السن الكبير بينهما، ولم تستطع أن تكتم عشقها وتعلقها، وهي السيدة وهو العبد حتى أقدمت بعد أن بلغت شهوتها الذروة إليه وقالت {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف من الآية:23]، بعد أن غلقت الأبواب، وتأكدت من خلو القصر فقال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف من الآية:23]، ولنا مع هذه الفتنة وقفات:
الوقفة الأولى: إن المرأة لا تقول هذه الكلمة للرجل حتى تكون قد استعدت لذلك بل ما أوتيت من دهاء الجاذبية وفعلت كل ما من شأنه جذب من تريد إليها.. فقد تكون قد تعرت تمامًا، أو كشفت الكثير من مفاتنها في أقل التقديرات، أو كشفت ما يثير شهوة الرجال، ووضعت الأصباغ على وجهها، والعطور على جسدها إلى غير ذلك.
الوقفة الثانية: إن فتنة النساء التي فتن بها يوسف عليه السلام هي من أعظم الفتن التي واجهها في حياته، وحتى نعرف عظم هذه الفتنة لابد أن نعرف ما هي العوامل التي تدفع الرجال للزنا بالنساء، لا شك أنها كثيرة، وكثيرًا من الأحيان يكون توفر عامل واحد منها كافيًا لحدوث الزنا، فكيف إن تجمعت جميعها في موقف يوسف مع امرأة العزيز؟! ومن إن من أبرز هذه العوامل:
أولاً: جمال الرجل الذي يدعوه إلى التقرب للنساء غرورًا بجماله، غير ذلك القبيح الذي يعلم سلفًا أنه غير مرغوب فيه.
ثانياً: طلب المرأة لذلك، وهو من أقوى العوامل، ويكون هذا العامل أقوى عندما يكون طلبها لحبها لقضاء الشهوة مع ذلك الرجل، وليس للمال، أو لأمر آخر، وهو ما حدث ليوسف عليه السلام.
ثالثاً: غربة الرجل، فالغريب لا يعرفه أحد، مما يسهل القيام بعملية الزنا بعيدًا عن رقابة المعارف، حتى لو فضح لما كانت فضيحة أشد عليه من فضيحته بين أقاربه.
رابعاً: العبودية، والعبد رهن لأمر سيده، لا يستطيع ردها؛ لأن من عمله الطاعة دون تردد؛ لأنه لا يملك قرار نفسه.
خامساً: الفتوة والشباب، فيوسف كان شابًا صغيرًا، بخلاف الكبير بالسن الذي انقطعت شهوته، أو كادت أن تنقطع.
سادساً: تهيؤ المرأة للزنا، وهذا يختلف عن طلبها للزنا وهو يعني أنها وضعت وفعلت كل المغريات التي تغري الرجل بالمرأة {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف من الآية:23].
سابعاً: إغلاق الأبواب، وهذا أدعى للأمان لفعل الفاحشة، وبعيدًا عن رقابة عمال القصر، أو الأقرباء لهذه المرأة {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف من الآية:23].
ثامناً: المنصب، فامرأة العزيز كانت زوجة رئيس الوزراء في عهد الفراعنة، ومنصبها يجعلها قادرة على إخفاء الجريمة، حتى وإن انكشف أمرها، وهذا عامل أمانٍ آخر يغري الرجل بالإقدام.
تاسعاً: دياثة الزوج، ومن الآيات يتبين أن العزيز زوجها كان ديوثًا بدليل قوله تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف:25]، وبعد المحاكمة وظهور الحق بجانب يوسف عليه السلام؛ ما زاد على قوله ليوسف عليه السلام {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف من الآية:29]، وقال لزوجته {اسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف من الآية:29]، وهذا دافع من أكبر الدوافع لاقتراف هذه الفاحشة مادام الشخص الذي له هذه المرأة لا يمانع بذلك.
عاشراً: التهديد بالسجن، وقد يضعف الإنسان ويرضخ لمثل هذا التهديد، وهو أيضًا من العوامل الفاعلة والمؤثرة في الكثير من الناس، وهذه العاشقة قد هددته أمام النساء بعد أن قطعن أيديهن إكبارًا لجماله الفتان وقالت {قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:32]، إن الكثير من الجرائم الخطيرة ترتكب إذا استعمل التهديد بالسجن، فكيف إذا كانت الجريمة مما ترغب به النفس وتتهالك عليه، ومن امرأة القصر صاحبة السلطة والمنصب.
هذه العوامل جميعها تحققت في هذه الفتنة التي خاضها يوسف عليه السلام، فإذا كان عامل واحد من هذه العوامل يتساقط بسببه الرجال، فكيف وقد تجمعت جميعها ليوسف عليه السلام؟!
وهذا أيها الأحبة يقرب لنا طبيعة الثبات الذي ثبت به يوسف عليه السلام، ويعطينا أيضًا الزاد والتربية الأصلية التي تربى عليها، فكانت سببًا من أسباب الثبات؛ لأنه لا يمكن أن يثبت في مثل هذه المواقف الذين يتركون نفوسهم ترتع حيث شاءت ثم يتمنون الثبات.. كلا لا يثبت إلا من تعب على نفسه وزكاها، فيثبته الله تعالى في أعظم المحن والبلايا، وبعد أن نجح يوسف في هذه الفتة فرج الله عنه، وأخرجه من تلك الأزمة بعيدًا عن رائحة القصر التي تفوح بالفساد والانحلال الخلقي، وذلك بعد أن لجأ لله وحده، معترفًا بضعفه البشري أمام شلال الفتن المنهمر {وَإِلّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف من الآية:33]، فأخرجه الله من تلك الفتنة.. واستجاب له، ولكن إلى فتنة من لون جديد إنها فتنة السجن والغربة {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف من الآية:33].
الفتنة الخامسة: السجن
يقول تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ}[يوسف:35]، عندما دخل السجن الذي كان له جنة بمقارنته بذلك القصر الموبوء، إن أقسى ما يجده المسجون في السجن، هو فصله عما يحدث في الخارج، عن أهله وأبنائه وأقسى من ذلك: عندما يدخل السجن وهو برئ من غير ذنب، ويُهمل هناك دون أن يَلتفت أحد بالخارج أن هناك إنسانًا يعيش في السجن، وأقسى من ذلك أن السجين لا يملك قرار نفسه بالذهاب والإياب والطعام والبقاء في هذا المكان أو غيره.
الفتنة السادسة: الإطالة في السجن
إن ذلك السجين الذي يعلم متى يخرج، وفي أي ساعة ينتهي ذلك الحبس لا يعاني مثل ذلك الذي لا يعلم متى تنتهي مدة الحبس ولا يقال له متى الخروج، يظل يترقب كل يوم، وكل يوم يمضي يشابه الذي قبله، دون استيقان حتى النهاية، مما يجعله في عذاب نفسي دائم، خاصة إذا طالت المدة دون أن يشعر به أحد، وهذا ما حدث ليوسف عليه السلام، فقد قال لأحد السجينين الذي ظن أنه ناجٍ منهما {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف من الآية:42]، ولكن الشيطان أنسى ذلك الرجل أن يتذكر يوسف المظلوم عند سيده {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف من الآية:42]، ولم يتذكره أحد إلا بعد أن احتاج الملك إلى من يؤول له رؤياه فتذكر حينها ذلك الرجل صديقه يوسف عليه السلام وذكره للملك آنذاك، ولكن الأصالة أبت عليه الخروج بهذه الطريقة، ورفض أن يخرج وملصوقة فيه تهمة الزنا، حتى يعلن رسميًا على الملأ من المجرم الحقيقي وتعلن براءته، ونصاعة صفحته، عندها فقط رضي أن يخرج عزيزًا بريئًا، ولكنه خرج إلى فتنة قل أن يثبت فيها الرجال وهي:
الفتنة السابعة: فتنة المنصب
ولا شك أن فتنة المنصب من أكبر الفتن التي يمكن أن يتعرض لها المسلم وخاصة الداعية، ولكن يوسف عليه السلام ما كان من ذلك الصنف المتهالك على الدنيا، بل إن قلبه معلق بالآخرة ؛ فلم تهزه فتنة المنصب على الاستسلام لله، والتأدب معه، والاعتراف بنعمه عليه، فها هو يقول في آخر المطاف بعد أن جمع الله له والديه وإخوته {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101]، يقول سيد قطب رحمه الله: "وهكذا يتوارى الجاه والسلطان، وتتوارى فرحة اللقاء واجتماع الأهل ولمة الإخوان، ويبدو المشهد الأخير مشهد عبد فرد يبتهل إلى ربه أن يحفظ له إسلامه حتى يتوفاه إليه، وأن يلحقه بالصالحين بين يديه، إنه النجاح المطلق في الامتحان الأخير".
أيها الأحبة: لابد للمسلم أن يتعلم الكثير من هذه القصة القرآنية العظيمة، وأول ما يجب أن يتعلمه:
سنة الله في البلاء، ويتضح للمؤمن خطوط كثيرة في فتنة البلاء من أهمها:
الخط الأول: مقدار البلاء يتناسب مع مقدار القرب إلى الله.
الخط الثاني: يكون البلاء أحيانًا بسبب الابتعاد ولو قليلاً في أحد معاني العبودية.
الخط الثالث: أنكل بلاء يصاحبه لطف من الله.
الخط الرابع: أن الانفراج بعد الشدة يسبقه ثبات على المنهج.
فنلاحظ هذه الخطوط في قصة يوسف واضحة جلية: فمقدار البلاء يزداد بالتدريج في كل فتنة ينتقل إليها يوسف عليه السلام.
ونلاحظ الخط الثاني: عندما اعتمد يوسف عليه السلام على الذي ظن أنه ناجٍ منهما ولم يستعن بالله أولاً؛ فعاقبه الله بذلك النسيان {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف من الآية:42].
ونلاحظ الخط الثالث: في جميع الفتن التي مر بها يوسف، ففي الفتنة الأولى، كان اللطف في مؤامرة القتل أن ألقى الله الرحمة في قلب أحد إخوانه ليعدل قرار القتل إلى إلقاء في الجب. وفي الفتنة الثانية: نرى أن اللطف هو عدم موته، وبقاؤه على قيد الحياة. وفي الفتنة الثالثة: نرى اللطف في حياة الاستعباد، أنه كان في قصر عزيز مصر، وكان الذي اشتراه يعامله معاملة الابن المدلل. وفي الفتنة الرابعة: نرى اللطف أنه رأى برهان ربه عندما استبدت به الفتنة. وفي الفتنة الخامسة: نرى اللطف في أن السجينين اللذين سجنا معه قد وثقا به، واستطاع أن يروح عن نفسه بالدعوة إلى الله، فهذه كلها لطف من الله تعالى بيوسف عليه السلام.
أما الخط الرابع: فكان جليًا أيضًا، فكلما ثبت يوسف عليه السلام في فتنة أهداه الله تعالى هدية ذلك الثبات.
إن المؤمن عندما يعيش هذه السنة، فإنه لا يستغرب ما يصيبه الله به من بلاء، وهذا يجعله أكثر ثباتًا ورهنًا بما يصاب به من عند مولاه، هذه بعض الدروس المستفادة من قصة هذا النبي المبتلى، أسأل الله أن يعصمنا من الفتن وأن يثبتنا على الدين والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سلمان بن يحيي المالكي.