توجيهات دعوية عند ترجمة المواد الشرعية
إن ترجمةَ الموادِّ الشرعية عملٌ كريم، يتعهَّد به الأوفياءُ؛ لكي يلحقوا برَكْب الأتقياء، وهي عملٌ دقيقٌ؛ لما تتطلَّبُه طبيعةُ العمل من توثيقٍ وتدقيقٍ، وفي سياق هذا الأمر ينبغي تتبُّعُ العديدِ من التوجيهات الدَّعويَّة عند الترجمة للغة أخرى غيرِ العربيَّة، وتزهو أهميَّة الترجمة لغيرِ العرب؛ لنُدْرة المصادرِ غير العربيَّة في نشر العلوم الشرعية، وأيضًا لنُدْرة التحقُّق من المعلومةِ الشرعيَّة والتثبُّت منها؛ ولذا كان على عاتقِ المترجمين، والكُتَّاب، والمؤلِّفين: مهامُّ عظيمةٌ، وهذه التوجيهاتُ ليست من باب التكلُّف، أو على سبيل التشدُّد؛ فلن يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلا غلبه
- التصنيفات: الدعوة إلى الله -
فضل الدعوة للإسلام:
بسم الله، والحمد لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الدعوةُ إلى الله تعالى من أجلِّ وأعظمِ العبادات، ونبعٌ للقُرْب من ملك الملوكِ، وزادٌ لمحبَّة الله سبحانه؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]، وعن سهلِ بنِ سعدٍ السَّاعديِّ رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (أبو داود، وصحَّحه الألباني)، ودعوة غيرِ المسلمين إلى الإسلام العظيم هي مُهمَّة كلِّ مسلمٍ حسب طاقتِه وقدرته، وترجمةُ الموادِّ الدَّعويَّة من سبل الدعوة إلى الله الكريم، وهي ضرورةٌ مُلحَّة لنشر العلوم الشرعية، وتوثيق الأدلة الصحيحة.
ترجمة المواد الشرعية وأثرها:
إن ترجمةَ الموادِّ الشرعية عملٌ كريم، يتعهَّد به الأوفياءُ؛ لكي يلحقوا برَكْب الأتقياء، وهي عملٌ دقيقٌ؛ لما تتطلَّبُه طبيعةُ العمل من توثيقٍ وتدقيقٍ، وفي سياق هذا الأمر ينبغي تتبُّعُ العديدِ من التوجيهات الدَّعويَّة عند الترجمة للغة أخرى غيرِ العربيَّة، وتزهو أهميَّة الترجمة لغيرِ العرب؛ لنُدْرة المصادرِ غير العربيَّة في نشر العلوم الشرعية، وأيضًا لنُدْرة التحقُّق من المعلومةِ الشرعيَّة والتثبُّت منها؛ ولذا كان على عاتقِ المترجمين، والكُتَّاب، والمؤلِّفين: مهامُّ عظيمةٌ، وهذه التوجيهاتُ ليست من باب التكلُّف، أو على سبيل التشدُّد؛ فلن يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلا غلبه؛ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (البخاري)؛ وإنما الأمرُ على سبيل التعظيم لله الكريم، والتوقيرِ لكلِّ ما يتعلق بدِين الله ذي الجلال والإكرام.
توجيهات دعوية عند ترجمة المواد الشرعية:
1- هناك خطأٌ بيِّنٌ عند الترجمة لآيات القرآن الكريم؛ وهو ابتداء الترجمة بكتابة: "قال الله تعالى"، وذلك قبلَ نصِّ الترجمة باللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات، وهذا الأمر دقيقٌ ويجبُ التنبُّه له؛ لأن الترجمةَ ليست قولَ اللهِ تعالى؛ وإنما هي ترجمةٌ لما قال الله تعالى، فقولُ الله تعالى نزَلَ باللغة العربية، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2]، وفي تفسير الآيةِ الكريمة يقول الإمامُ ابنُ كثير رحمه الله تعالى: "وذلك لأن لغةَ العرب أفصحُ اللُّغات وأبينُها وأوسعُها، وأكثرُها تأديةً للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أُنزِل أشرفُ الكتبِ، بأشرفِ اللُّغاتِ، على أشرف الرسل عليهم جميعًا الصلاة والسلامُ، بسفارةِ أشرفِ الملائكة عليهم الصلاة والسلام، وكان ذلك في أشرف بقاعِ الأرضِ، وابتُدِئ إنزالُه في أشرف شهورِ السنة؛ وهو رمضان، فكَمَل من كلِّ الوجوه"؛ (تفسير ابن كثير) [1]، والاعتدادُ بهذا الأمر تعظيمٌ لله سبحانه، وتوقيرٌ لكلام الله تعالى، فلا يمكنُ بحالٍ اعتبارُ الترجمة قولًا لله تعالى؛ فقولُ الله سبحانه ليس به نقص، وإنما هو أبلغُ القولِ وأجملُه، لا يحاكيه بشرٌ، والترجمة هي محاولةٌ لتقريب المعنى، ولكي تتمَّ معالجةُ الأمر يجبُ على المترجمين تجنُّبُ كتابةِ: "قال الله تعالى" قبلَ نصِّ الترجمة، ويمكنُ كتابةُ العديدِ من الجمل التي لا تتنافى مع ما تمَّ بيانه؛ مثل: "ترجمة الآيات الكريمة"، أو "ترجمة ما قال الله تعالى"، أو "التفسير"، بدون كتابة جملة "قال الله تعالى" بصورة مُفردة، ويُفضَّل كتابةُ الآيات باللغة العربية قبلَ الترجمة؛ وذلك تأكيدًا على بيان مُعجزة القرآن الكريم باللغة العربية، وتأليفًا للمسلمين على ذلك، وتعظيمًا لكلام الله تعالى الذي شَرَّف اللغةَ العربية بأن تكون لغةَ القرآن العظيم.
2- مثال للتطبيق:
قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2].
(Translation of what Allah the Almighty said):
(Indeed، We have sent it down as an Arabic Qur'an that you might understand).
2- ينطبقُ الحال على ترجمةِ أحاديث الرسولِ صلى الله عليه وسلم؛ فالترجمةُ ليست قولَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم؛ وإنما هي ترجمةٌ لما قالَه الرسول صلى الله عليه وسلم، والحرصُ على بيان ذلك توقيرٌ للرسول صلى الله عليه وسلم، وتأكيدٌ لكلامِه صلى الله عليه وسلم، وبيانٌ لبَلاغتِه صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يتنافى مع الترجمةِ؛ وإنما يُعظِّم من قدرِها، ويرفعُ شأنها.
مثال للتطبيق:
عن جابر رضي الله تعالى عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: « » (الترمذي).
It was narrated from Jabir (may Allah be pleased with him) that: (Translation of what the Messenger of Allah (peace and blessings of Allah be upon him) has said):
“Whoever says Subhan Allah il ‘Azeem wa bi hamdihi (Glory and praise be to Allah، the Almighty)، a palm tree will be planted for him in Paradise" (al-Tirmidhi).
في المثالين السابقين تم الآتي:
• كتابةُ الآيات القرآنيَّة والأحاديث النبوية كما وردت باللغة العربية.
• عندَ الترجمةِ لا يتمُّ كتابةُ: "قال الله تعالى"، أو "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ وإنما يتمُّ كتابةُ: "ترجمة ما قال الله تعالى"، أو "ترجمة الآيات القرآنيَّة"، وفي الأحاديث النبويَّة يتمُّ كتابةُ: "ترجمة ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم".
3- تجنُّب اختصار تعظيمِ الله تعالى، فبعضُ المترجمين والكُتَّاب يقومون بالاختصارِ كما يلي: Allah ( SWT)؛ وذلك اختصارًا لقولنا: "سبحانه وتعالى"، ولكن السبيلَ الأمثلَ لتعظيم الله تعالى هو كتابةُ كلمات التعظيمِ دون اختصارٍ، وذلك كما يلي: Allah the Almighty، وأيضًا من الأخطاء في هذا الصَّدَد اختصارُ جملة "صلى الله عليه وسلم" بكتابة حروف متقطِّعة للدلالة على ذلك، مثل قول البعض:
The Prophet (SAWS)
The Prophet (PBUH)
وهذا الأمرُ يجبُ تجنُّبُه في اللغة العربية والإنجليزية على حدٍّ سواء، فمن تمام التوقيرِ والمحبَّة عدمُ الاختصار، وقد كَرِه أهلُ العلمِ هذا النَّهْجَ في الاختصار، وفي هذا الأمر تغافلٌ عن حظٍّ عظيمٍ من الأجر.
وفي هذا الصَّدد تتمُّ الإشارةُ من ابن الصَّلاح في كتابه علوم الحديث، المعروف بمقدمة ابن الصلاح، في النوع الخامس والعشرين من كتابه: (في كتابة الحديث وكيفيَّة ضبط الكتاب وتقييده)؛ فقد نوَّه وأكَّد على ضرورةِ تعظيمِ الله تعالى والثناءِ عليه جلَّ جلاله عند ذكر اسمِه تبارك وتعالى على نحو قولِنا: اللهُ عز وجل، اللهُ تبارك وتعالى، وأيضًا قام بالتأكيدِ على المحافظةِ على كتابةِ الصلاةِ والسلامِ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عند ذكرِ اسمِه صلى الله عليه وسلم، ونوَّه لتجنب الاختصار بالرمز أو عدم إتمامِ صيغة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم [2].
ولذا محبةً لله تعالى، وتوقيرًا لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم يتمُّ المحافظةُ على هذا الأمر، وهو كتابةُ تعظيمِ الله تعالى بصورةٍ كاملة، وكتابة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم كاملةً كما يلي:
Allah the Almighty
The Prophet (Prayer and peace of Allah the Almighty be upon Him).
4- بيانُ أسماءِ الله تعالى وتعظيمُها في كتابة الأسماء على شاكلة: "عبدالرحمن"، فالرحمنُ هو من أسماء الله تعالى، فالبعضُ يكتب بيانَ الاسم كما يلي: "Abdrahman"؛ ولذا يجبُ كتابةُ البيانِ والمحاكاة الأجنبيَّة لنطق اسمِ الله تعالى وبيانه كما يلي: Abd_Al-Rahman أو Abdul-Rahman، والمَقصَد هو تكبيرُ أولِ حرفٍ في كتابة الاسم، وليس دمجَه في الاسم ككلٍّ، وهذا ينطبقُ على كلِّ الأسماءِ التي يتمُّ البَدْءُ فيها بكلمة (عبد).
5- التأكُّد من صحَّةِ الأحاديث النبويَّة، ففي بعضِ الأوقات يتمُّ نقلُ حديث مترجَمٍ بغير التأكُّد من صحته، وهذا أمرٌ يلزم الجميع الوفاءُ به، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري، ورواه مسلم في مقدمة صحيحه).
6- مراعاةُ تكبيرِ أولِ حرفٍ في كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي كلمة Prophet أو كلمة Messenger، أو كلمة "وآله" في الإشارة لآل بيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم HouseHold، وكلمة الصحابة Companions، أو غيرِ ذلك من الكلمات التي تَستوجِبُ التوقيرَ؛ فالحروفُ الكبيرة تبيِّن أن هذه الأسماء هي أسماءُ أعلام، وغير ذلك من الكلمات التي يستوجبُ الأمرُ الوفاءَ بحقِّها وتقديرها حقَّ قدرها.
واللهُ تعالى أعلى وأعلم، نسأل الله تعالى أن يجعلَنا وأهلَنا والمسلمين من أهل الصلاح والإصلاح، وأن يرزقَنا الموتَ على الإسلام، والحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه.
[1] موقع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود.
[2] موقع الإسلام سؤال وجواب.
حسين أحمد عبد القادر