البطريركُ القادمُ للمشاكلِ الداخليةِ
محمد جلال القصاص
تشهد الكنيسة القبطية المصرية في الأشهر القليلة الماضية حالة من
التململ أو الرغبة في التَّفلُّت من سلطان الكنيسة المصرية الحالية
...
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
تشهد الكنيسة القبطية المصرية في الأشهر القليلة الماضية حالة من
التململ أو الرغبة في التَّفلُّت من سلطان الكنيسة المصرية الحالية ،
يأتي التململ والرفض من كل الاتجاهات الداخلية والخارجية ، المتدينة
والعلمانية ، وبعض الاعتراضات تتخذ لهجة حادة قوية تُكَفِّر رأس
الكنيسة المصرية وتتهمه بالهرطقة والمروق عن أصول الإيمان الأرثوذكسي
، وبعضها مكتوم يبث أمانيه في هيئة رؤى منامية .
أقوى الأصوات وأصرحها ، وأحسبها أخطرها ، هي المجاهرة بتكفير رأس
الكنيسة الحالي . والتكفير ليس بجديد ، وليس بسر ، فقد نشرت مجلة روزا
ليوسف في فبراير 2007 دراسة لأستاذ اللاهوت الدكتور جورج حبيب بباوي
يكفر فيها شنودة ومن تبعه ، وقبل ذلك ثار التكفير بين شنودة الثالث
وأستاذ شنودة الثالث الأب ( متى المسكين ) في مطلع الثمانينيات ، ولم
يهدأ حتى توفي ( متى المسكين ) في عام 2006م . فقد اتهم ( متى المسكين
) بالهرطقة ، وطبعي أن يكون من خالفه في نظره مهرطق هو الآخر ، الجديد
في الموضوع هو عودة الدكتور جورج بباوي ضمن كوكبة من الداعمين
والمستمعين من جديد يجاهر بالتكفير وأن الكنيسة الحالية على غير أصول
آباء الأرثوذكسية ، والرجل دارس ، بل أستاذ ، ويخالف في النهج السياسي
وهو الذي كان مقدماً وكان حاضراً .
جورج بباوي يتكلم من خلفية دينية أكاديمية ذات تخصصية عالية ، وبباوي
في أمريكا ، وهذا يعني أنها لم تعد تصلح للاتكاء عليها فها هو الصوت
ينطلق من داخلها .
خطاب الدكتور بباوي علمي مبني على حقائق لاهوتية وواقعية ، ويكتسب
ثقلاً من شخصية بباوي فقد عمل في التدريس اللاهوتي في مصر ( كان يدرس
في إكليريكية تابعة للكنيسة المصرية نفسها ) ، وفي أوروبا وترأس كليات
في أمريكا ، وكان مقرباً من القيادة الكنسية لفترة طويلة على حد قول
هو في محاضرته الأخيرة ( رسالة للبطريك القادم ) المنشورة في موقعه (
موقع الدراسات اللاهوتية القبطية والأرثوذكسية )
وظهر التململ ـ أو قل : الرغبة في التفلت ـ من الوضع الحالي في
الكنيسة في المنامات التي خرجت من كاتدرائية العباسية ( الأنبا يؤانس
) وكنيسة المقطم ( كنيسة سمعان الخراز ) تحكي بأن العذراء جاءت نفراً
من القساوسة تحدثهم بأن الكنيسة بحاجة إلى بطريركٍ جديد للصلاة ، في
إشارة واضحة للرغبة في تغيير الموجود ، أو الخوف من المنتظر بعد
الموجود ، ( بيشوي تحديداً ) ، أو على الأقل الرغبة في تغييره ، وأحسب
أن ْ بعد المحكمات التي تجريها الكنيسة الآن للقساوسة على رؤيتهم
المنامية ستتكرر الرؤيا ، ولن تبقى مكتومة طويلاً .
وظهر ذلك في تفلت الجماهير إلى الطوائف الأخرى المجاورة للأرثوذكس ،
وخاصة الطائفة الإنجيلية ، وخطر التحول الداخلي أشد من خطر التحول
للإسلام ، فقد ذعرت الكنيسة من قبل في مطلع القرن العشرين حين جاءت
الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية إلى مصر مع الاستعمار ، وتكون
ما يعرف بـ ( جماعة الأمة القبطية ) للحفاظ على شعب الكنيسة من خطر
التحول للطوائف الأخرى .
إنه خطر حقيقي ، يتصاعد ، ولا يمكن لأحد أن يقلل من شأنه ، وخاصة أنه
يقدم تسهيلات كثيرة لشعب الأقباط الذي يعاني من مشاكل اجتماعية أسرية
بسبب التضييق الممارس من قبل الكنيسة في أمور الطلاق ، وقد أصاب نفراً
من الذين في أمريكا من الأقباط ، وأصبحنا نرى في الجبهة النصرانية
بروتستانت يناظرون كالقس ( تافار ) على سبيل المثال ، وانتشرت أخبار
الإنجيليين في المواقع العنكبوتية والصحف المحلية ، حتى أن الكنيسة
أعلنت هذا العام أنها ستطرح عدداً من الكتب لتبين فضل الأرثوذكسية على
غيرها من الكنائس النصرانية الأخرى ، أو الديانات الأخرى كما هو
المعروف في الغرب .
تكمن خطورة الإنجيليين في أن خطابهم الديني أسهل من الأرثوذكسي ،
وأنهم أقوى يحمون من يتحول إليهم . ليسوا كالمسلمين .
إن من ينظر للساحة النصرانية المصرية يرى بوضوح أن أجندة البطريرك
القادم كلها داخلية ، فتيار حبيب بباوي العقدي الأصولي ، وتيار ( متى
المسكين ) الإصلاحي السلمي يتصاعد ، والأنجيليون قد اشتدوا ، وعامة
النصارى قد ملّوا التشدد في الدين ، والمسلمون استيقظوا بعد أن تطاول
الأقباط على رمزهم الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتكلم به
زكريا بطرس ومرقس عزيز ، حتى تحولت الآن القضية القبطية المتعلقة
بالتطاول على خير البرية صلى الله عليه وسلم قضية أساسية في ذهن
المتدينين ، بل وعامة المثقفين ، فلا تجد موقعاً إسلامياً أو ثقافياً
إلا وعلى صفحاته شيء عن سفالات بطرس ومرقس عزيز وأشباههم .
محمد جلال القصاص
مساء الإثنين 2/11 / 2009 م
14/ 11/ 1430 هـ
باحث إسلامي