انتخابات بريطانيا: المسلمون قادمون وأعداؤهم يحذرون من "الأصولية" !
محمد جمال عرفة
هذا النشاط الذي ميز مسلمي بريطانيا يعزى أولا لمسلمي أسيا خصوصا
باكستان، إذ أن الجالية العربية لا تزال تتسم تحركاتها السياسية
بالسلبية وتكتفي بالتعايش وتنعكس عليها كل أمراض الشمولية
واللاديمقراطية المنتشرة في عالمنا العربي..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
في حوار مع "جون ويليكس" المتحدث الرسمي بالعربية باسم الحكومة البريطانية سابقا، قال لي وهو يدلل علي أن مسلمي بريطانيا ليسوا مضطهدين، أن مسلمي بريطانيا أصبحوا أكثر وعيا ونضجا وتقدما في مواجهة التحديات الداخلية وفي المجالات الاقتصادية والسياسية والخارجية، وتوقع أن تتولي الأجيال الجديدة منهم أرفع المناصب الرئيسية في بريطانيا مستقبلا، مشيرا لوجود أجيال جديدة مسلمة في مواقع مميزة في الخارجية البريطانية والبرلمان والمؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى ووجود بريطانيين مسلمين في الجيش والخدمة العامة، وقال أنه "بعد عشرة سنوات أو عشرين سنة سيصبح هؤلاء مسئولين كبار في الحكومة وفي الجيش، وسنشاهد الجيل الجديد (من المسلمين) في مناصب كبري ".
ودلل علي هذا الوجود النشط لمسلمي بريطانيا في الحياة السياسية بتأكيده أن عدد مسلمي بريطانيا في البرلمان الأخير (حتي انتخابات مايو 2010) بلغوا 5 نواب في البرلمان، وفي المجالس المحلية (220 نائبا) !.
وفي انتخابات بريطانيا التي انتهت هذا الشهر (مايو 2010) بفوز حزب المحاف..
ظين يليه العمال ثم الاحرار دون أن يحظي أحد بالأغلبية، شهدنا حالة من النشاط غير التقليدي لمسلمي بريطانيا تمثلت في ترشيح 90 مسلم ما بين أسيوي وعربي وأوروبي أنفسهم في انتخابات المجلس العموم الخيرة بينهم 22 سيدة ومنهن محجبات، ومساهمة عدة منظمات إسلامية في تعبئة وتوجيه الأقلية المسلمة من بينها "الرابطة الإسلامية في بريطانيا" التي أعربت - في بيان وصل لـ (المسلم) - عن أملها في أن "تساهم نتائج هذه الانتخابات في تمهيد الطريق أمام تحقيق مزيد من الحقوق السياسية والمدنية للمسلمين وتشجيعهم للانخراط في العمل السياسي الذي يساهم بدوره في تحقيق الرفاه للمجتمع ككل ".
وكان من نتيجة هذه الثورة التشريعية بين مسلمي بريطانيا أن تضاعف عدد النواب المسلمين في البرلمان الأنجليزي الجديد من أربعة إلى تسعة نواب من مختلف الأحزاب من بينهم ثلاث نساء، مما يشير إلى دور المرأة المسلمة الإيجابي في الحياة السياسية، ولم يعكر صفو هذا الفوز لمسلمي بريطانيا سوى خسارة المرشحة المحجبة الوحيدة (سلمى يعقوب) حيث فاز عليها مرشح حزب العمال، فضلا عن خسارة النائب عن (حزب الاحترام) جورج جالاوي المعروف بمساندة للعرب والذي انتقد غزو العراق والعدوان على غزة وسير عدة قوافل إغاثة لغزة لكسر الحصار الصهيوني المشدد حولها، والذي تعرض لهجوم صهيوني شرس قبل وبعد الانتخابات من الصحف الصهيونية واليهودية البريطانية وكافة المنظمات اليهودية.
المسلمون الفائزون..
فقد فازت أول امرأة باكستانية الأصل مسلمة عن حزب العمال في برمنجهام هي (شبانا محمود)، وعمرها 27 سنة فقط، وولدت في برمنجهام ومتخرجة من جامعة أكسفورد وتعمل محامية، كما فازت أول امرأة من أصل بنجلاديشي عن حزب العمال في أحد مقاعد لندن اسمها (روشانارا علي) جاءت من بنجلاديش وعمرها 7 سنوات وعاشت في بريطانيا، وأيضا تخرجت من جامعة أكسفورد في السياسة والاقتصاد، ونجحت كذلك أول امرأة من أصل باكستاني ولدت في باكستان وجاءت إلى البلاد وعمرها 9 سنوات واسمها (ياسمين قرشي) عن حزب العمال في مدينة بولتون وتعمل محامية.
وبالإضافة إلى الثلاث نسوة المذكورات، فاز خمسة رجال مسلمين هم كل من: خالد محمود في برمنجهام، وصديق خان وهو أول وزير مسلم في حكومة حزب العمال (وزير المواصلات)، وأنس سروار ابن النائب المسلم السابق محمد سروار، بخلاف (ساجد جافيد) وهو أول مسلم عن حزب المحافظين ويعمل مدير بنك، وكذلك (رحمن شيشتي) من مدينة جيلينجهام في جنوب شرق انجلترا وكلاهما عن حزب المحافظين.
ولا يعني هذا أن مسلمي بريطانيا فازوا بسهولة.. فهم قد تعرضوا لحملات ارهابية ضخمة من قبل مرشحي الأحزاب البريطانية الذين دعمتهم عناصر صهيونية ويهودية وعلمانية تسعي للصق كل أعمال العنف في بريطانيا بالاسلام، وترفع حناجرها بالصراخ يوميا محذره مما تعتبره تحول بريطانيا نحو (الأصولية) !.
والحقيقة أن العقد الأخير من القرن الماضي شهد بروزًا للجاليات المسلمة في أوروبا، حيث تشير الإحصاءات إلى ارتفاع أعداد المسلمين بنسبة تتعدى المألوف بين السكان الأصليين، فعلى سبيل المثال ذكرت صحيفة (تايمز) البريطانية أن معدل زيادة أعداد المسلمين في المملكة المتحدة يماثل 10 أضعاف المعدل القومي للنمو السكاني، مشيرةً إلى أن الزيادة بين المسيحيين بلغت مليوني شخص، بينما كانت بين المسلمين نصف مليون شخص، مع العلم أن عدد المسلمين لا يتعدى 2.5 مليون نسمة طبقًا لآخر الإحصاءات من بين 61 مليونًا هم كل سكان المملكة، ويرجع ذلك إلى ارتفاع معدلات الولادة ونسبة هجرة المسلمين إلى البلاد، مقارنة بالجاليات الأخرى، بالإضافة إلى تحول الكثيرين من سكان البلاد إلى الإسلام.
وهذا النشاط الذي ميز مسلمي بريطانيا يعزى أولا لمسلمي أسيا خصوصا باكستان، إذ أن الجالية العربية لا تزال تتسم تحركاتها السياسية بالسلبية وتكتفي بالتعايش وتنعكس عليها كل أمراض الشمولية واللاديمقراطية المنتشرة في عالمنا العربي، ولذلك يعيش غالبية العرب في عزلة سياسية هناك في حين تنشط الجالية المسلمة من غير العرب والمكونة أساسًا من المسلمين المهاجرين من شبه القارة الهندية من الهند وباكستان وبنجلاديش.
وهذا الأمر دفع الكثير من المرشحين في هذه الانتخابات لرفع شعارات معادية للاسلام بهدف منع البريطانيين من ترشيح المسلمين والمسلمات، ووصل الأمر بهم لتحذير البريطانيين من أن أنتخابهم للمسلمين معاناه تحويل بريطانيا للاصولية (!).. وكان أبرز ما قيل في هذا الصدد تصريح وزير البيئة في الحكومة البريطانية، جيم فيتزباتريك الذي نافس جالاوي وفاز عليه، واستخدم نفس هذه اللغة في ترهيب الناخبين من جالاوي والمسلمين عموما قائلا لصحيفة «الصنداي تلغراف" أن "الأصوليين يخترقون حزب العمال، وأن الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه، قد جرى اختراقه من قبل مجموعة أصولية تريد إقامة «نظام سياسي اشتراكي إسلامي» في بريطانيا "!!.
ونقلت الصنداي تلغراف عن فيتزباتريك قوله: «إن المنتدى الإسلامي لأوروبا، الذي يعتنق الجهاد والشريعة الإسلامية، ويريد تحويل بريطانيا وأوروبا إلى دولة إسلامية، قد زرع متعاطفين معه في المكاتب التي جرى انتخابها في تور هاملت وفي شرق لندن" !؟
وهذا برغم أن المسلمين يعانون من الاضطهاد والتمييز العنصري، ويسعون للقضاء على دعوات طردهم من البلاد، ووقف الهجرة من بلادهم، والتي تتبناها بعض الأحزاب مثل الحزب القومي البريطاني المتطرف (سقط مناصروه في الانتخابات الأخيرة)، وهذا ما يعبر عنه حزب الاحترام بقيادة جورج جالاوي، والذي حقق نجاحًا بفضل القيادية والناشطة البارزة ونائبة جالاوي الطبيبة النفسية (سلمى يعقوب) التي حققت نتيجة رائعة في انتخابات عام 2005م عندما كانت مرشحة عن حزب الاحترام في دائرة سباربروك وسمول هيلث في برمنجهام؛ حيث تصل نسبة السكان المسلمين فيها إلى 49%، واحتلت المركز الثاني بعد مرشح حزب العمال.
وبرغم هذا يري مراقبون أن ما شهدته انتخابات 2010 هو مؤشر لما هو قادم في انتخابات 2015، ويقولون أن الحراك السياسي النشط حاليا بين مسلمي بريطانيا، رغم بطئه وعدم توحد المسلمين تحت مظلة واحدة، يعني أن السنوات المقبلة ستشهد تطورات كبيرة في دور المسلمين في الحياة السياسية الإنجليزية، وسوف تشهد الانتخابات التالية، والتي ستجرى في العام 2015م؛ نشاطًا أكبر وتأثيرًا فعالاً للمسلمين البريطانيين في السياسة البريطانية؛ سواء على الصعيد المحلي والسياسة الداخلية أم على صعيد التوجهات والسياسات الخارجية للبلاد.
المسلمون يكتسبون الاحترام
ولعل هذا هو ما دعا الدكتور (لي مارسدن) الباحث في العلاقات الدولية في جامعة ايست انغليا، نورويتش، المملكة المتحدة، أن يكتب تحت عنوان (المسلمون البريطانيون يكتسبون الاحترام) قائلا: أن مسلمي بريطانيا واجهتهم تحديات ضخمة عقب تفجيرات السابع من يوليو 2007، والهجوم عليهم باسم الإرهاب، والذي أوجد جواً من الخوف والرهاب الإسلامي تم استغلالهما من قبل العنصريين البريطانيين، وان المسلمين البريطانين واجهوا أحد خيارين: إما البقاء في الخلفية وعدم الظهور إلى أن تخفّ حدة التوتر القائم أو أن يصبحوا مشاركين نشطين في العملية السياسية والانخراط والاندماج.
وما لم يقله (لي مارسدن) هو أن مسلمي بريطانيا اختاروا الخيار الثاني وهو التحرك والدفاع عن أنفسهم بالعمل ونشر الاسلام والدفاع عنه والتعريف بحقيقته والمشاركة في الحياة العامة والسياسية لا التقوقع، وكانت نتيجة هذا ما جري في انتخابات مايو الجاري والتي تنبئ عن ان المسلمين قادمون برغم الحقد الصهيوني والصليبي والعلماني.. فقط علي المسلمين التحرك والعمل وإبراز حقيقة الاسلام بالعمل كما فعل مسلمو بريطانيا، وعلي عرب بريطانيا أن يلعبوا نفس الدور ويكفوا عن السلبية التي تميز الكثير منهم وليس كلهم بالطبع!.
26/5/1431 هـ