هل من السماحة التغاضي عن المنكر؟

منذ 2016-05-11

قد يُزيَّن للمرأة التساهل في أمر دعوتها، وذلك بشتى ألوان المرغبات، فيدفعها ذلك إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحت ستار من السماحة الموهومة. وما ذلك إلا لانقلاب الموازين، حتى أصبح الكثير يتوجسون خيفة من الدعوة، بل وبعضهم يعدونها إرهاباً وتخريباً.. انسياقاً وراء ترهات الحملات الإعلامية المشبوهة!

قد يُزيَّن للمرأة التساهل في أمر دعوتها، وذلك بشتى ألوان المرغبات، فيدفعها ذلك إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحت ستار من السماحة الموهومة. وما ذلك إلا لانقلاب الموازين، حتى أصبح الكثير يتوجسون خيفة من الدعوة، بل وبعضهم يعدونها إرهاباً وتخريباً.. انسياقاً وراء ترهات الحملات الإعلامية المشبوهة!

وتلك حالة مرضية، تجعل نتاج هذياناتها: المجاملة في مجال الدين والعقيدة، وغض الطرف عمن يعبثون بمقدساتنا.

والمؤمنة الحقة، لا تهمها معاداة أهل الباطل، بل تعتبر معاداتهم مجالاً للثواب لها من الله سبحانه وتعالى، فلا تصانع الشريرات على حساب عقيدتها؛ لأن الولاء للحق وأهله، والبراء إلى الباطل وأهله جزء من العقيدة الإسلامية. وقد جاء عن بعض السلف: أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، والمتكلم بالباطل شيطان ناطق. فلو علم المداهن الساكت أنّه من أبغض الناس عند الله ـ وإن كان يرى أنه صالح ـ لتكلم وصدع. ولو علم طالب رضا الخلق بترك الإنكار عليهم أن صاحب الكبائر أحسن حالاً منه عند الله ـ وإن كان عند نفسه صاحب دين ـ لتاب من المداهنة.

ورحم الله النووي حينما قال: "إني لأرى الشيء يجب علي أن آمر فيه وأنهى فأبول دماً".

أمّا ذاك الذي لا يتحرك له ساكن ولا يتغير فلا أظنه محققاً للإيمان المطلوب؛ ذلك أنه ليس بعد الإنكار بالقلب شيء من أعمال الإيمان، فهو أضعفها، كما دلّ على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام عند ذكره مراتب تغيير المنكر: «وذلك أضعف الإيمان» يعني: بالقلب.

"إن المسلم لا يكتفي بأن يعرف الحق، ولا يكتفي بالوقوف إلى جانب الحق، وإثبات الولاء له، كما يفعل بعض الانطوائيين والصوفية. ولكنه مطالب دائماً بأن يعمل على إقناع الناس به، وضمهم إليه. ووسيلته في ذلك: الحكمة والصدر الرحب، والفكر المستنير، والتسامح مع الآخرين، دون قهر ولا إجبار، وتلك أحسن الأساليب مناسبة للفطرة البشرية وتجاوباً معها".

فالدعوة إلى الله واجبة بلا تقصير فيها، أمّا التسامح فهو في الطريقة الحكيمة للدعوة، والسماحة الحقة ما بينها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» (رواه البخاري). والمسلمة لا يحل لها أن تسكت سكوت من في القبور في مجال يجب عليها فيه الصدع بالحق. أم أن الموازين قد اختلت فأضحى غض الطرف عن الفساد من المكارم التي يمدح بها المقصرون؟ وأصبح البعض يذمون الدعاة الناضجين تحت دعوى أنهم يضيقون واسعاً ويحجرون على الناس! إلى غير ذلك من اتهامهم بالفضول، والتدخل فيما لا يعني.. وما ذاك إلا للبعد عن فهم حقيقة هذا الدين:

عن أبي بكر رضي الله عنه قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة:105]، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه» (أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح).

فالدعوة إلى الله من الثوابت التي لا يحل أن نحيد عنها، فحيث وجدنا من أخلّت أو قصرت في واجب ديني، أو قلدت أهل الفسق والفجور، فالواجب أن نعمل جهدنا متوكلين على الله مخلصين له، نسعى لننقذها من براثن الغواية والضلال، ونأخذ بيدها إلى طريق الاستقامة والرشاد.

الشحن العاطفي مطلوب في الدعوة، مطلوب أن يتحمس الناس كما يؤمنون ولا يكونوا كالخشب المسندة لا تتحرك ولا تحدث حركة ـ فالدعوة لا تنتشر بأمثال هؤلاء، ولو كانوا هم أنفسهم مستجيبين وملتزمين ـ ولكن الحماسة وحدها لا تؤدي إلى شيء وقد تضر أكثر مما تنفع!

فالحماسة كثيراً ما تكون على حساب الوعي وعلى حساب العلم الصحيح وعلى حساب الخبرة، وهنا تفقد كثيراً من مزاياها، وتنشأ عنها أضرار كثيرة، خاصة إذا انقلبت إلى عصبية لشخص أو جماعة أو لحزب أو لفكرة أو لمذهب، فإنها عندئذٍ تغلق على صاحبها منافذ المعرفة النافعة، وتبث فيه العناد واللدد في الخصومة وتدفعه إلى المراء المذموم.

أختي المسلمة:

رب كلمة طيبة تكون سبباً في إنقاذ أخت لك من النار، فلا تتواني في ذلك، فالمُحبة لأختها تلك التي تسعى لإنقاذها من النار، لا تلك التي تربت على أخطائها وتزينها لها، وترضي عواطفها تحت ستار: التسامح وأن لا تجرح مشاعرها. وصدق الشاعر:

ليس الصديق الذي يلقاك مبتسماً *** ولا الذي بالتهاني بالسرور يُرى

إنّ الصديق الذي يـــولي نصيحته *** وإن عرت شــــِدّة أغنى بما قدرا

فالمسلمة تدعو بلا ملل ولا فتور؛ تعلم الجاهلة، وتوجه المخطئة، وتغيّر المنكر على قدر استطاعتها.

تحسن عرض الموعظة وتحبيب الطاعة برفق ولباقة وبوضوح وبلاغة، تحسن الدخول إلى قلب أختها، لا تبتغي بذلك غير وجه الله تعالى. 

المصدر: موقع لها أون لاين

خولة عبدالقادر درويش

المربية الفاضلة الأديبة خولة عبدالقادر يوسف درويش رحمها الله. توفيت ليلة السبت 22 رجب 1437 هـ الموافق 29 أبريل 2016. بعد عمر قضته رحمها الله في التأليف للبيت المسلم وللمرأة المسلمة وللطفل المسلم. أصدرت 22 كتابا، وكثيرا من المقالات.

  • 0
  • 0
  • 3,288

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً