نحو خطوات فاعلة للداعية المسلمة
خولة عبدالقادر درويش
لقد أنصف الإسلام المرأة، وكلفها بمهام مثل مهام الرجل إلا ما تقتضيه طبيعتها، بعيداً عن الاختلاط وتعرضها لأعين الرجال، والمجال مفتوح أمامها بين بنات جنسها.
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - الدعوة إلى الله -
قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [التوبة:71].
لقد أنصف الإسلام المرأة، وكلفها بمهام مثل مهام الرجل إلا ما تقتضيه طبيعتها، بعيداً عن الاختلاط وتعرضها لأعين الرجال، والمجال مفتوح أمامها بين بنات جنسها.
فالدعوة إلى الله ليست مختصة بالرجال وحدهم؛ فقد حملت المسلمة همّ الدعوة منذ فجر الإسلام. وكفانا قدوة أن المسلمة الأولى التي شرح الله صدرها لهذا الدين، وساندت نبيه وآزرته هي امرأة، إنها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، ثم إن أم شريك القرشية العامرية، بعدما أسلمت، جعلت تدخل على نساء قريش سراً فتدعوهن وترغبهن في الإسلام، حتى ظهر أمرها لأهل مكة، فأخذوها وقالوا لها: "لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا؛ ولكنا سنردك إليهم، وكان أن حملوها على بعير ليس تحتها شيء موطأ ولا غيره، ثم تركوها ثلاثاً لا يطعمونها ولا يسقونها" [1].
وظلت المرأة المسلمة تقوم بدورها المنوط بها، كما يمليه عليها دينها، فكانت تعلم بنات جنسها أمورهن الخاصة بهن كالطهارة والعدة ونحوها، وقد حفظت أحكام ذلك الدين عن طريق الصحابيات رضوان الله عليهن.
فالمرأة المسلمة لا تقل عن الرجل في التكليف: والأصل أن أمور الشريعة شاملة للرجل والمرأة على السواء، إلا ما جاء من أدلة تختص بأحدهما كأمور القوامة والحجاب والنفقة والعدة ونحوها.
ومن الممكن أن نستعير هنا ما قاله (مراد هوفمان) وهو يصف مكانة المرأة المسلمة بالنسبة إلى مكانة الرجل أنها: "المساواة في الكرامة مع اختلاف الأعباء، والمساواة في المنزلة مع اختلاف الأدوار، والمساواة في القيمة مع اختلاف القدرات" [2].
فهي تقوم بما يجب على الرجل في المجالات والأنشطة التي يمكن أن يقوم بها إلا إذا اقتضت طبيعة المرأة خلاف ذلك كما يحدد الشرع.
وإذا علمنا مدى ما تعمله قوى الشر؛ حيث تقف مجتمعة لمجابهة هذا الدين وأهله، وراقبنا عن كثب تفننها في وسائل مقاومته، وابتكارها الطريقة تلو الأخرى لتبقي الأجيال شباباً وشابات في معزل عن مفاهيم دينهم الحق، أو لتشويه صورته الناصعة في أعينهم أدركنا أن نشاط أعدائنا لحربنا لا يعطينا مسوِّغاً إلى الركون والسلبية، كما هو شأن البعض! فالهجمة الشرسة لا تصدها الانهزامية!
إن مما يعصر القلب ألماً: النظرة القاصرة عند البعض التي تتجلى في احتقار الذات، والشعور بالصغار؛ مما يثبط عن العمل، ويقعد بالهمم.
وعندما تحتقر المرأة نفسها وتشعر بضآلتها وهي تقول: وماذا عسى أن ينفع كلامي؟ ومن يسمع صوتي الضعيف؟!
أوَ ما تذكرت أن فرعون كان أكثر بياناً من نبي الله موسى عليه السلام مما جعل فرعون يقول: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52].
ومع ذلك ما ضر ذلك موسى عليه السلام شيئاً؛ فالله وحده تكفل بنصر الحق {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} [الحج:40].
إن التخلي عن الواجب الدعوي للمرأة كان له نتاج تخريبي في المجتمع.
لقد رضيت ضعيفات الإيمان طائعات أن يكن سمسارات لمبادئ الغرب، ومن جنود إبليس، وما ذاك إلا لغياب الداعية المواجهة الواعية. وكان حري بالمؤمنات أن يقرعن الحجة بالحجة، ليظهرن مدى تفاهة الباطل وأهله، ويحمين الأجيال كيلا تنساق وراء ترهاته وأباطيله.
إن المعركة بين الحق والباطل مستمرة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
فلا يصح للمسلمة أن تقف موقف المتفرجة، حتى لا تكون هي أكثر المصابات، إنْ بالثكل أو اليتم، أو أن يصل الأمر إلى انتهاك الأعراض والعياذ بالله.
أمتنا بحاجة إلى كل عقل مفكر، أو نية طيبة حاجتها إلى العمل المنتج.
والأديان المختلفة بل وجميع المذاهب الفكرية ما انتشرت إلا بالدعوة إليها، وقد شاركت المرأة الرجل بما يناسب طبيعتها، ونشطت نساؤهم لنشر مبادئهم؛ فالمنصِّرون كانوا وما زالوا يعملون على تخريب الأجيال، ودس الشبهات، ويسيرون وفق تخطيط دقيق يوزعون فيه الأدوار بعناية وحذق.
تتحمل المنصِّرات (المبشرات) الكثير من الضنك وشظف العيش، وقد تعيش إحداهن في صحارٍ مقفرة حياة بدائية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، تخالط أهل الصحاري والقفار، تدخل إلى القلوب من خلال التعليم أو التطبيب أو الخدمات الاجتماعية، أو حتى المشاركات الوجدانية.
أوَ ليست المؤمنة الصادقة أوْلى بالنهوض بواجبها والبعد عن التقصير والتفريط؛ لئلا تكون بتقصيرها عوناً لأعدائها من حيث لا تدري؟!
أوَ ليس واجبها أن تتحرى ما ينقص مجتمعها من الأمور الفاضلة الخيِّرة، وما يناسبه من الأمور المشروعة، فتُقْدِم ولا تُحْجِم؛ علّها تحيي سنة وتميت بدعة؟!
فعلى كل حسب اختصاصها، وحسب إمكانياتها واجب الدعوة إلى الله سواء بالقول السديد، أو القدوة الصالحة؛ فلا تبدد أوقاتها، ولا تذهب عمرها سدى، ولا تميت قلبها بالحسرات على أمتها المسلمة دون أن تبذل شيئاً نافعاً ذا بال، بل تنشط وتنشط، ولا تبالي بعثرات الطريق ولا تأبه بالصعاب؛ لأنها تقوم بواجبها متطلعة إلى رضوان الله:
ومن تكن العلياء همة نفسه
فكل الذي يلقاه فيها محبَّبُ
فلا تستهيني أختي الفاضلة بجهدك؛ فالحصاة الواحدة وإن لم توقف السيل، لكنها مع غيرها من الحصى مهما صغرت، قد تكون عائقاً أمامه!
والقشة الصغيرة يحملها الطائر والعصفور هي جزء رئيس لإتمام بناء عشه الذي يؤويه!
فعلينا ألا نضيِّع الفرصة المناسبة حيث كنا، سواء في المنزل، أو في المدرسة، حتى في السيارة!
لا تستغربي أختاه، نعم حتى في السيارة! وأصغي معي بقلبك إلى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه معاذ رضي الله عنه حيث قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عُفير. قال: فقال صلى الله عليه وسلم: «
»قال: قلت: "الله ورسوله أعلم". قال: «
».قال: قلت: "يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟" قال: «
» [3].فيا أختي الداعية: إن الدعوة إلى الله شرف حباك الله به، ومجالاته متعددة -فبقدر المنكر يكون الأمر بالمعروف- لكنها تتفق في النهاية السامية.
ومع حسن التخطيط تكون المسلمة على بينة من أمرها: فهي وقد أرادت أن تحمي المسلمات من الوقوع في شراك العدو الماكر بحيله الواسعة فما عليها (بعد الاتكال على الله) إلا أن تتعرف على أحابيل العدو لتعلم كيف ينفذ إلى مكره، وتتعرف على ما في المجتمعات الأخرى من مثالب، وتتعرف على ما فيها -هي- من مزايا نافعة.
وذلك كله يفيدها في اختيار الأنسب من أساليب الدعوة، فتقدم على بصيرة وهي تعلم أين تضع قدمها، لتحث الخطى في طريق السلامة، لا كمن تتعثر، فلا هي تصل إلى غايتها، ولا هي عارفة لمسالك النجاة:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها *** إن السفينة لا تجري على اليبس
ونستطيع أن نوجز المجالات الدعوية للمرأة وما ذاك بحصر لها، وإنما هي نماذج للذكرى:
أولاً: البيت مهمة المرأة الأساسية، ولذا يجب أن يحظى من فيه بنصيب موفور من خالص دعوتها، كالزوج والأولاد والوالدين والجيران، والأقارب، والخدم.
ثانياً: تساهم الداعية في تأهيل أمهات المستقبل، فتنشر العلم الواعي المستند إلى الأسس الشرعية؛ وذلك لصيانة عقول الأجيال وقلوبها من أن تقع في شراك الأعداء.
وتساهم في تعليم النسوة المهارات اللازمة ليكنَّ صالحات مصلحات، فضلاً عن زيادة مهارتهن المنزلية، فترقى الأسر المسلمة والمجتمع الإسلامي بأسره.
ثالثاً: تساهم في الإعلام والتوجيه وبالضوابط الشرعية وذلك عن طريق المحاضرات للنساء، وتأليف الكتب والأشرطة والمطويات، والمساهمة في الموسوعات الثقافية والنشرات العلمية، فضلاً عن استفادتها من معطيات العصر الحديثة كالإنترنت لخدمة دعوتها.
رابعاً: الخدمات الاجتماعية التي ثبت أن المرأة تفوق الرجل فيها، من مساهمات خيرية في بناء المساجد والمدارس، وتوصيل النفقة لأسر متعففة، ومساندة الحق في كل مكان، أو تزويج الصالحات.
خامساً: هذا فضلاً عن أعمال أخرى تهم المرأة المسلمة، وتقوم بها بالضوابط الشرعية كإعداد كوادر مستقبلية للدعوة، وجمع المعلومات وأخبار العالم الإسلامي، وإيجاد فرص للعمل عن طريق فتح المشاغل النسائية أو المستشفيات النسائية، ومن نذرت نفسها لله، تبحث عن كل سبيل نافع ومشروع لإيصال دعوتها إلى بنات جنسها، وتقوم بواجبها على أتم وجه، مما يرضي الله - تعالى -، ويثير حفيظة الخصوم، ويثلج صدور المسلمات التقيات.
سادساً: تتسابق مع أخواتها المؤمنات إلى تبليغ ميراث محمد صلى الله عليه وسلم. وإذا تضافرت الجهود، وخلصت النوايا، وسلكنا لذلك الوسائل الشرعية، ولم نركن إلى الأحلام والأماني فعند ذلك يتحقق موعود الله بالنصر والتمكين؛ وفي ذلك الفلاح وأي فلاح: {وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3].
أختي المسلمة:
إن الأجيال الفتية تنتظر دورك المنشود، وما لا يدرك كله لا يترك جُله؛ عسى أن نعوض ما فاتنا من تقصير.
ولا ننسى أن الضوابط الشرعية مهمة في خروج المرأة من بيتها، وخلال عودتها إليه من استئذان، وحجاب، وعدم اختلاط، وعدم خضوع في القول.
كما أن التقية لا تهمل تربية أبنائها، وحقوق أسرتها بحجة الدعوة العامة؛ فإن فرض العين أوْلى من فرض الكفاية «
».نسأل الله تعالى أن يجعل راية الإسلام عالية خفاقة، ودعوته منصورة، ونضرع إليه أن يجعلنا جميعاً من خدام دين الله، وأن يعظم الأجر ويتقبل العمل، والحمد لله رب العالمين.
________________________
[1] الإصابة، 4/446.
[2] كتاب يوميات ألماني مسلم، تأليف مراد هوفمان، ص 214.
[3] رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب حق العباد على الله، والردِف: الراكب خلف الراكب، وأصله الركوب على الردف وهو العجز.