الجندي القائد والقائد الجندي

منذ 2016-05-19

خرج في الصباح جندياً منضبطًا في الصف وفي المساء صار قائدًا يرفع الراية ويوحد الصفوف ويقود الجموع ويخذل في العدو ويعلي الهمة ويقوي العزيمة.

خرج في الصباح جندياً منضبطًا في الصف وفي المساء صار قائدًا يرفع الراية ويوحد الصفوف ويقود الجموع ويخذل في العدو ويعلي الهمة ويقوي العزيمة.

رفع الراية دون سابق إعداد أو نذير ودونما سابق تكليف أو تدريب.

رفع الراية وقد استشهد القادة العظام من قبله الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمه، لقوا ربهم في ساحة العز فرفع الراية وهو يعلم أنه لاحق بركب الشهداء لا محالة فالدور عليه فالعدو يبحث عن حامل اللواء ورافع الراية الأقرب للعدو ومحط أنظاره وفي مرمى سهامه.

رفع الراية وهو ليس بالأفضل ولا بالأكبر ولا بالأمهر رفعها في وقت شدة ومحنة، في وقت تسيل فيه الدماء ويصطفي فيه الله الشهداء ويثبت فيه الذين آمنوا ويمايز الله بين الصفوف ويتحاكم فيه الرجال إلى ضمائرهم وإخلاصهم وتاريخهم وسبقهم وتظهر أصالة معدنهم وفضلهم وتربيتهم ووعودهم وعهودهم وبيعتهم ووفائهم.
رفع الراية وهو يعلم ويوقن أنه خير خلف لخير سلف على النهج لا يحيد، فاستشهدوا جميعا أمام عينه (زيد، جعفر، عبدالله بن رواحه) فلم يتراجع عن رفع الراية فالأمر جد لا هزل فيه.

وقال لأصحابه ناصحاً وزاهدًا (اصطلحوا على أحدكم) فلما وقع اختيارهم على سيف الله المسلول ليتسلم الراية ويكمل المسير ويقود القافلة قال له خالد (أنت أحق بها أنت بدري) قال (والله ما أخذتها إلا لك يا أبا سلمى) وتراجع خطوة للخلف وعاد جندياً منضبطًا في الصف كما كان.

في يوم واحد كان جندياً فقائدًا فجندياً عظيمًا برتبة قائد عظيم.

أريحية وسلاسة وسهولة ويسر ولين، راحة نفسية وفطرة نقية وإرادة جبارة وتقوى الله وعين ترنوا للآخرة. وكأنه يورث من بعده فوقف القائد المظفر المغوار خالد بن الوليد حين أخفى عنه أبو عبيدة بن الجراح كتاب عزله لما بعد المعركة وقف قائلاً (يرحمك الله يا أبا عبيدة لما لم تخبرني حين جاءك الكتاب فقال أبو عبيدة كرهت أن أقطع عليك حربك وما سلطان الدنيا نريد وما للدنيا نعمل كنا في الله إخوة).

لم يكن في رغد من العيش، ولا في رفاهية مفرطة، بل كانت زوجته عقيمًا لا تلد، فلم يستغرق في المشاكل ولم يضيع الأوقات ولم تختلط عليه الأولويات ولم يتنازل عن الأهداف ولم يقعد مع القاعدين ولم يتخلف مع المتخلفين
إنه غرس محمد صلى الله عليه وسلم القائل: «طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه وإن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة وإن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع» (البخاري).

فكان من الرجال الذين يحسنون التبعة لرجال أمثالهم، إنه ثابت بن أرقم، يوم مؤتة، ويا ليت كل ثابت يتبع خطاه في كل مؤتة.

 

ماهر إبراهيم جعوان

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 2,232

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً